ملخص: يمكن أن يؤثر طول القامة أو قصرها في شخصية الفرد وعلاقاته ومساره المهني ومقدار دخله؛ إذ قد يربط المجتمع نتيجة شيوع الأفكار الخاطئة، بين الطول والسلطة والثقة؛ ما يمنح الأفراد الأطول قامةً ميزة تنافسية. وعلى الناحية الأخرى، قد يؤدي قصر القامة نتيجة الانحيازات المجتمعية إلى الشعور بالنقص أو التعرض إلى التنمر. لذا؛ من المهم ترسيخ الثقة بالنفس وتقبل الذات بغض النظر عن طول القامة، وتعزيز احترام الذات، ومواجهة الصور النمطية السلبية، عن طريق بناء علاقات صحية، وممارسة اليقظة الذهنية، والاستعانة بالدعم المهني المتخصص، والانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي، مع تأكيد أن طول القامة ليس سوى عامل واحد من بين عوامل متعددة تؤثر في شخصية الفرد وسعادته، ومن المهم التركيز على الصفات الإيجابية وتطوير الذات أكثر من الانشغال بالسمات الجسدية.
محتويات المقال
يشير طول القامة أو قصرها إلى حالة يكون فيها طول الفرد أقل بكثير أو أطول بكثير من المتوسط لسنّه وجنسه. يمكن أن تؤثر هذه السمة الجسدية في جوانب مختلفة من الحياة، ولا سيّما نفسياً واجتماعياً. إذ قد يرى بعض الأفراد؛ بمن فيهم من ذوي النفوذ والسلطة، أن الطول ميزة تنافسية. لذا؛ قد يرتدي السياسيون أحذية ذات نعال مرتفعة كي يبدوا أطول، ولو ببضع سنتيمترات!
على الجانب الآخر، يلجأ بعض الأشخاص أحياناً إلى حلول أكثر تطرفاً مثل إجراء عمليات "تطويل القامة" التي يدفعون فيها ما يصل إلى 150 ألف دولار أميركي لإطالة القامة نحو 20 سنتيمتراً إضافياً. حيث يخضع هؤلاء الأشخاص إلى عملية تبدأ بتكسير عظام الفخذين والساقين، ثم زرع جهاز فولاذي بداخلهما، يمكن التحكم به عن بُعد لزيادة الطول بمقدار ميليمتر يومياً على مدى 6 أشهر.
وعلى الرغم من أن هذه العمليات لا تخلو من المخاطر؛ إذ يحذّر الأطباء من الأضرار المحتملة لها مثل تلف الأعصاب، والتهاب المفاصل، وتحلل العظام، إلى جانب تكلفة العملية الباهظة، فإن حلم زيادة طول القامة يجعل هؤلاء يغضون الطرف عن هذه المخاطر!
وعلى الرغم من أن السمات الشخصية تعتمد بدرجة كبيرة على العوامل الثقافية والاجتماعية والبيئة المحيطة، نتناول في هذا المقال التأثيرات الشخصية التي قد يسهم في حدوثها قصر القامة أو طولها، والجوانب الاجتماعية التي قد تتأثر تبعاً لذلك، واستراتيجيات التعامل مع هذه التأثيرات وتعزيز النظرة الإيجابية إلى النفس.
ما هي تأثيرات قصر قامة الفرد في شخصيته؟
قد يكوّن الأفراد ذوو القامة القصيرة تصورات سلبية عن ذواتهم؛ إذ يمكن أن يشعر الكثيرون منهم بالنقص؛ ما يؤثر على نحو كبير في احترام ذواتهم. ويمكن أن تتفاقم هذه المشاعر بسبب التوقعات المجتمعية المنحازة التي تروج لها وسائل الإعلام، وربما يُصاب البعض باضطراب تشوه الجسم الذي يظهر بالتركيز المفرط على العيوب المتصورة المتعلقة بقصر القامة إلى حد الهوس؛ ما يُفاقم ضيق المرء، ويعوق أداء مهامه اليومية.
علاوة على ذلك، قد يواجه الأطفال الأقصر قامة من أقرانهم السخرية أو التنمر؛ ما يمكن أن يزيد شعورهم بالعزلة أو النقص. ويمكن أن يعاني الأفراد مشاعر القلق أو التوتر بسبب الطريقة التي يُقيَّمون بها اجتماعياً، فمثلاً؛ قد يُعد قصر القامة لدى النساء سمة "أنثوية" أحياناً؛ ما قد ينعكس على دورهن الاجتماعي، وتوقعات الآخرين منهن.
على الجانب الآخر، تشير دراسة نُشرت في دورية الشخصية والفروق الفردية (Personality and Individual Differences)، إلى أن الأشخاص قصار القامة وأولئك الذين يرغبون في أن يكونوا أطول قد يتسمون بما يُعرف بـ "الثالوث المظلم"؛ وهو: الاعتلال النفسي (Psychopathy)، والنرجسية (Narcissism)، والميكافيلية (Machiavellianism).
يتسم الاعتلال النفسي بانعدام التعاطف والندم، والسلوك المندفع، وتجاهل القواعد والأعراف الاجتماعية. أما النرجسية، فتتسم بشعور مبالغ فيه بأهمية الذات، والاستحقاق، والرغبة المستمرة في الحصول على الإعجاب. في حين تشير المكيافيلية إلى الميل نحو التلاعب، والسخرية، وافتقار الشخص إلى المبادئ الأخلاقية.
وقد وجدت الدراسة التي أُجريت على 367 شخصاً أن انخفاض الطول الفعلي وعدم الرضا عن الطول مرتبط بزيادة هذه السمات. يوضح الباحثون أن الأفراد الأقصر طولاً قد يستخدمون سلوكيات نفسية تعويضية؛ مثل التباهي أو التصادم مع الآخرين، لتعويض ضعفهم الجسدي.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب تشوه الجسم؟ ولماذا ينتشر بين المشاهير على نحو أكبر؟
ما هي تأثيرات طول القامة الأكبر في الشخصية؟
يؤثر طول قامة الأفراد بصفة كبيرة في مستويات احترام الذات والثقة بالنفس، خاصة في السياقات العامة والمهنية. حيث يُنظر إلى الأفراد الأطول قامة على أنهم أكثر سلطة وحزماً غالباً. تسمح التحيزات المجتمعية السلبية التي تساوي بين الطول والقيادة والقدرة بمنح هذه السلطة المتصورة للأفراد الأطول قامة بجذب انتباه الجماهير والتأثير في القرارات بطريقة أكثر فعالية، وتفضيلهم لشغل الأدوار القيادية؛ ما يحسن مساراتهم المهنية وازدهارهم المالي. ويمكن أن تعزز هذه الصورة النمطية نجاح هؤلاء الأفراد في هذه الأدوار، وترسخ تصوراتهم الذاتية الإيجابية؛ ما يزيد ثقتهم بأنفسهم ونجاحهم.
وعلى الرغم من أنه قد يُنظر إلى الرجال الطوال القامة على أنهم أكثر رجولة وقوة، فإنهم قد يشعرون بازدياد الضغط لتلبية توقعات الآخرين، أو الاستجابة للمعايير العالية. علاوة على ذلك، تزيد الصور النمطية حول الجنسين تعقيد العلاقة بين الطول وسمات الشخصية؛ إذ قد يفاقم التفضيل المجتمعي للذكور الأطول قامة مشاعر النقص أو عدم الجاذبية لدى الرجال الأقصر قامة؛ ما يؤثر في صورهم الذاتية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ويضعهم تحت الضغط لإثبات قوتهم بطرائق أخرى.
على الجانب الآخر، قد تواجه النساء تحديات في العلاقات العاطفية؛ إذ قد تميل النساء الأقصر قامة على نحو أكبر إلى العلاقات الطويلة الأمد وإنجاب الأطفال؛ بينما تعد النساء الأطول قامة أعلى طموحاً ويملن إلى التركيز أكثر على الحياة المهنية، بحسب دراسة أجراها باحثون من جامعتي سانت أندروز (University of St. Andrews) وستيرلنغ (University of Stirling).
ومع ذلك، تشير الدراسات السابقة إلى أنه لا يمكن الحكم على شخصية المرء بناء على طول قامته وحسب، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي قد تؤثر في الشخصية والطموح والرغبة في تكوين أسرة؛ مثل النوع والحالة الاجتماعية والاقتصادية والتفاعلات داخل الأسرة.
اقرأ أيضاً: هل تهتم بطول شريكك؟ إليك تأثير ذلك في علاقتكما
كيف يمكن تحليل الانحيازات المجتمعية تجاه قامة الشخص؟
قد ترجع المزايا المتصورة لدى الأشخاص ذوي طول القامة الأكبر إلى تحسين التغذية والصحة في أثناء الطفولة؛ حيث يتمتع العديد من الأفراد الطوال القامة بمزايا صحية تعزز جودة حيواتهم، وتسهم في عيش حياة أكثر نشاطاً؛ فهم أقل عرضة إلى معاناة مشكلات في الحركة، وإصابات العضلات والعظام مع تقدمهم في العمر؛ ما قد يحسّن قدراتهم المعرفية، وفرصهم المهنية، ويعزز مكاناتهم الاجتماعية.
بينما قد يُربط بين قصر قامة الأشخاص ومعاناتهم مشكلات صحية مختلفة، أو يُفسّر قصر قامتهم نتيجة نشأتهم في بيئات غير ملائمة في مرحلة الطفولة؛ ما قد يعوق حصولهم على مكانة اجتماعية أفضل.
ومع ذلك، قد يكون بعض الأشخاص الطوال القامة أكثر عرضة إلى الإصابة بحالات مثل القصور الوريدي المزمن واعتلال الأعصاب المحيطية. وفي المقابل، لا يعني ذلك أن قصر قامة الأشخاص قد يؤدي بالضرورة إلى معاناتهم مشكلات نفسية؛ إذ قد يتبنى الأفراد الذين يعانون مشكلات على الصعيد النفسي أو الاجتماعي بسبب طول قامتهم أو قصرها آليات مواجهة مختلفة.
إذ قد ينخرط البعض في سلوكيات غير صحية؛ مثل اتباع نظام غذائي مفرط أو اتخاذ مواقف عدوانية، للتعويض عن قصر قامته. وقد يتبع البعض الآخر طرائقَ بنّاءة للتغلب على هذه التحديات وتعويض مشاعر النقص، أو بوصفها آلية تكيفية لمواجهة التصورات النمطية.
حيث قد يُظهر هؤلاء الأشخاص مرونة وقدرة على التعامل مع هذه المشكلات بوسائل إبداعية؛ تتضمن تطوير مهارات قوية مثل التواصل الجيد أو التفوق الأكاديمي، واتباع استراتيجيات مثل التركيز على نقاط القوة الشخصية، وتعزيز المهارات الاجتماعية، وإحاطة النفس بعلاقات داعمة.
4 نصائح فعالة للتعامل مع التأثيرات النفسية لطول القامة أو قصرها
يعد تعزيز البيئة الداعمة وتشجيع تقبل الذات أمرين بالغي الأهمية لازدهار الأفراد من القامات جميعها، ويمكن أن تساعد النصائح التالية على تحسين الثقة بالنفس، ومواجهة الصور النمطية حول قصر وطول القامة:
1. تعزيز العلاقات الإيجابية
يمكن أن يؤدي تعزيز العلاقات الصحية والداعمة؛ مثل العلاقة بالأصدقاء والعائلة، إلى تعزيز نظرة الفرد الإيجابية إلى ذاته. وفي هذا السياق، ينصح الاختصاصي النفسي، محمد العنزي، بألا يعتمد الشخص في تقدير قيمته الذاتية على ما يقوله الآخرون. ويحذّر الآباء من ربطهم طول الطفل أو قصر قامته بنجاحاته وقدراته؛ كأن ينهيه أحد الوالدين عن فعل شيء معين لأنه قصير مثلاً.
2. اليقظة الذهنية وقبول الذات
تساعد ممارسة اليقظة الذهنية الأفراد على التركيز على الحاضر؛ ما يقلل مشاعر القلق المتعلق بتصور الذات، ويخفف تأثير الضغوط المجتمعية، ويشجع على تقبل الذات، ويعزز الشعور بالقيمة بغض النظر عن طول القامة أو قصرها؛ ومن ثم تحسين الصحة النفسية ودعم الثقة بالنفس.
3. الدعم المهني المتخصص
يمكن أن يساعد كلٌ من الاستفادة من استراتيجيات العلاج النفسي الفردي أو الجماعي، واستخدام تقنيات مثل العلاج المعرفي السلوكي، الأشخاص على تحدي أنماط التفكير السلبية، وتقييم الحقائق الكامنة وراء الأفكار غير العقلانية والاستنتاجات غير المنطقية، وإدارة المشاعر السلبية، والتعامل مع التوقعات المجتمعية؛ ما يسهم في تعزيز احترام الذات، وإعادة تشكيل تصور الأفراد عن ذواتهم، وتحدي الوصمة المرتبطة بقصر القامة.
4. الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي
يمكن أن تشجع المشاركة في مجموعات الدعم النفسي، سواء على أرض الواقع أو عن بُعد، الأفراد على مشاركة تجاربهم، والتعلم من الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة؛ ما يقلل مشاعر العزلة، ويعزز الشعور بالانتماء إلى المجتمع، ويساعد هؤلاء الأفراد على رؤية قيَمِهم وعدم ربطها بالسمات الجسدية.