كيف يؤثر تاريخ ميلادك في صحتك النفسية وقراراتك الشخصية؟

7 دقيقة
تأثير تاريخ الميلاد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: قد تجد نفسك تنجذب إلى عنوان منزل يحتوي تاريخ ميلادك، أو تختار مهنة ترتبط برقمك المميز؛ بل قد تفضل شريك حياة يشاركك يوم الميلاد نفسه، فما علاقة ذلك بظاهرة "تأثير تاريخ الميلاد"؟ وكيف يمكنها التأثير في قراراتك وتفضيلاتك الشخصية؟

هل لاحظت يوماً انجذابك إلى أرقام معينة، خاصة تلك الموجودة في تاريخ ميلادك؟ وهل يمكن لتفضيلك لها أن يؤثر في حياتك أكثر مما تتخيل؟

في الواقع، نحن نرتبط بتواريخ ميلادنا لا شعورياً، وقد يؤثر ذلك في قراراتنا وتفضيلاتنا في الحياة. فعلى سبيل المثال؛ قد تنجذب إلى عنوان منزل يحتوي أرقاماً من تاريخ ميلادك، أو تختار مهنة ترتبط برقمك المميز؛ بل قد تفضل شريك حياة يشاركك يوم الميلاد نفسه. لست وحدك! فهناك ظاهرة نفسية تسمَّى "تأثير رقم يوم الميلاد" (Birthday number effect) تجعلنا نميل لا شعورياً إلى تفضيل هذه الأرقام على غيرها.

يمكن أن يعود ذلك إلى كوننا نحب أنفسنا، فعيد الميلاد يمثل جزءاً مميزاً من هوية كلٍ منا؛ لذلك قد نرتبط بالأرقام الموجودة في تواريخ ميلادنا ونفضلها بصفة طبيعية، حتى لو كانت تظهر في سياقات أخرى. وينطبق ذلك على غالبية الناس، فقد لوحظ هذا التأثير في مختلف الثقافات والفئات العمرية؛ لكن قد لا يُظهر الأشخاص الذين يعانون تدني احترام الذات الميل نفسه.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر ترتيبك بين إخوتك في مستوى ذكائك؟

سحر الأرقام: رموز ومعتقدات عبر الثقافات

سحرت الأرقام البشر منذ القدم، فأضفوا عليها معانيَ ودلالات خاصة تختلف من ثقافة إلى أخرى. في روما القديمة، كان رقم 7 رمزاً للحظ والبركة، وعَدَّت حضارة المايا الرقم 13 مقدساً وله مكانة خاصة.

علاوة على ذلك، يحرص الناس في اليابان حتى يومنا هذا على تقديم هدايا بعدد فردي مثل 1 أو 3 أو 5 أو 7 لجلب الحظ. وفي الصين، يرمز الرقم 8 إلى الثروة والازدهار؛ بينما يُتجنَّب الرقم 4 لارتباطه بالشؤم! وللثقافات الغربية نصيب أيضاً، فالرقم 13 يثير الخوف لدى البعض، حتى أن هناك مصطلحاً خاصاً لهذا الرهاب؛ وهو "رهاب الرقم 13".

ففي تجربة شهيرة نشرتها مجلة علم النفس التجريبي (Journal of Experimental Psychology)، طُلب من مجموعة من الطلاب اختيار رقم عشوائي بين الـ 0 والـ 9، فكانت الغَلَبة للرقم 7، وتكررت هذه النتيجة في دراسات مشابهة في بلدان أخرى؛ ما يشير إلى وجود شعبية عالمية لهذا الرقم.

انجذابنا نحو الشبيه: كيف تؤثر الأنانية الضمنية في اختيار شريك الحياة؟

قد تتساءل عن سبب انجذاب كثيرين منا إلى مَن يشبهونهم في بعض الصفات، وتقدم دراسة علمية نشرتها مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي(Journal of Personality and Social Psychology) تفسيراً لهذا الميل، وتشير إلى أن "الأنانية الضمنية" تؤدي دوراً كبيراً في اختيار شريك الحياة.

والأنانية الضمنية هي ميلنا اللاواعي إلى تفضيل الأشياء المرتبطة بذواتنا؛ بما فيها الأشخاص الذين يشاركوننا بعض الصفات. لكن ما علاقة ذلك بتاريخ يوم الميلاد؟ وجدت الدراسة أن النساء اللاتي يحببن أعياد ميلادهن يملن إلى الزواج من رجال يشاركونهن تاريخ الميلاد أو شهر الميلاد نفسه. على سبيل المثال؛ النساء اللاتي تزوجن في تواريخ ميلادهن نفسها كنَّ أكثر عرضة بنسبة 37.6% إلى الزواج من رجال يشاركونهن تواريخ الميلاد ذاتها.

يعكس هذا الميل رغبة كلٍ منا في الارتباط بشخص يعزز مفهومه الذاتي وهويته؛ فنحن ننجذب إلى مَن يشبهوننا؛ لأنهم يعكسون جوانب إيجابية من شخصياتنا ويجعلوننا نشعر بالراحة والألفة.

تواريخ عيد الميلاد في عالم التسويق: سر جذب انتباه الزبائن

هل تعلم أن تاريخ ميلادك قد يكون مفتاحاً لزيادة مبيعات منتج ما؟ فعندما يرى المستهلكون أرقاماً مرتبطة بتواريخ ميلادهم في سعر المنتج، حتى لو كان أعلى سعراً من منتج آخر مثله تماماً، يشعرون بارتباط شخصي وتفاعل أكبر؛ ما يزيد احتمالية شرائهم هذا المنتج.

فمثلما ذكرنا؛ يُعد تاريخ ميلاد كلٍ منا جزءاً لا يتجزأ من هويته، ورؤيته في سعر المنتج تنشّط مفهوم الذات لدينا، وتجعل كلاً منا يشعر أن هذا المنتج موجه له بصفة خاصة.

لكن تجدر الإشارة إلى أنه يجب تنشيط مفهوم الذات لدى المستهلك قبل عرضه سعر المنتج الذي يحتوي أرقاماً من تاريخ عيد ميلاده، فيمكن للمعلِن أن يبدأ مثلاً بحملة تركز على أهمية تقدير الذات أو الاحتفال بأعياد الميلاد.

على سبيل المثال؛ يمكن استخدام سنة الميلاد في أسعار المنتجات من خلال ترويج سعر 19.99 دولاراً لمنتج يستهدف مواليد عام 1999، أو تقديم حسومات خاصة في أعياد ميلاد الزبائن، أو استخدام أرقام أعياد الميلاد في تصميمات المنتجات أو العبوات.

هل يؤثر فصل ميلادك في شخصيتك؟

قدمت دراسة علمية أُجريت في السويد ونُشرت في دورية علم الأعصاب (Neuropsychobiology)، أدلة إضافية على أن فصل ميلادك قد يؤثر في شخصيتك. فقد حلل الباحثون بيانات أكثر من 2,000 شخص، واكتشفوا ارتباطات مثيرة للاهتمام بين تاريخ الولادة وبعض سمات الشخصية.

فالأشخاص الذين ولدوا بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان، وخاصة الإناث، يميلون إلى السعي نحو خوض التجارب الجديدة، ويكونون أقل ميلاً إلى التردد والتفكير المفرط؛ بينما يميل الذكور الذين ولدوا في فصل الشتاء إلى أن يكونوا أكثر مثابرة وإصراراً على تحقيق أهدافهم.

يعتقد الباحثون أن هذه الاختلافات في الشخصية قد ترتبط بتأثير فصل الميلاد في مستوى الناقلات العصبية في الدماغ؛ مثل السيروتونين والدوبامين التي تلعب دوراً مهماً في تنظيم المزاج والسلوك. فعلى سبيل المثال؛ قد تؤثر قلة التعرض إلى ضوء الشمس خلال فصل الشتاء في مستوى السيروتونين؛ ما يزيد خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.

هل يؤثر شهر ميلادك في صحتك النفسية؟

وفقاً لدراسة نشرتها مجلة أكتا الاسكندنافية للطب النفسي (Acta Psychiatrica Scandinavica) وشملت قُرابة مليونَي شخص؛ توجد ارتباطات بين شهر الميلاد وبعض الاضطرابات النفسية. فقد وجدت الدراسة أن الأطفال الأصغر سناً في الفصل عند بدء المدرسة، بسبب أشهر ميلادهم؛ قد يكونون أكثر عرضة إلى الإصابة بالإعاقة الذهنية واضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. وقد يزداد تعرض الأشخاص الذين ولدوا في فصل الشتاء إلى خطر الإصابة بالفصام والاضطراب الثنائي القطب والاكتئاب الشديد والاضطراب العاطفي الموسمي، وقد يكون الرجال الذين ولدوا في الشتاء أكثر عرضة إلى الإصابة باضطراب الشخصية الفصامية؛ وهو اضطراب يسبب اضطرابات في التفكير والسلوك. علاوة على ذلك، قد تزيد الولادة في فصل الخريف خطر الإصابة باضطراب تعاطي الكحول.

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة أوميو السويدية (Umeå University)؛ توجد علاقة بين فصل الميلاد والاضطرابات النفسية ومحاولات الانتحار؛ حيث كان الأشخاص الذين ولدوا بين أكتوبر/تشرين الأول ويناير/كانون الثاني أكثر عرضة إلى الانتحار بالتسمم أو الغازات؛ بينما كان الأشخاص الذين ولدوا بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان أكثر عرضة إلى الانتحار شنقاً.

يعتقد الباحثون أن التعرض إلى عوامل بيئية مختلفة؛ مثل ضوء الشمس والفيروسات الموسمية، خلال فترة الحمل والشهور الأولى بعد الولادة، قد يؤثر في نمو الدماغ ويزيد خطر الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية.

عيد ميلادك: هل هو يوم فرح أم خطر؟

بينما نحتفل بأعياد ميلادنا بفرح وسعادة، تكشف دراسات علمية عن جانب مظلم لهذه المناسبة؛ حيث يرتفع خطر الوفاة في يوم عيد الميلاد أو بالقرب منه! ففي سويسرا، يزيد معدل الوفيات بنسبة 13.8% في أعياد الميلاد.

وفي دراسة أجرتها جامعة أوساكا اليابانية (Osaka University)، يكون الأشخاص أكثر عرضة إلى الوفاة في أعياد ميلادهم. وفي دراسة أجرتها جامعة شيكاغو (The University of Chicago)، وُجد أن معدل الوفيات يزيد بنسبة 6.7% في أعياد الميلاد، وتكون النساء أكثر عرضة إلى الوفاة في الأسابيع التي تلي أعياد ميلادهن.

يُرجع باحثو هذه الدراسات هذا الارتفاع المفاجئ في معدل الوفيات إلى عوامل نفسية واجتماعية مثل:

  • الضغط النفسي: فقد يسبب كل من التوقعات الاجتماعية والقلق بشأن التقدم في العمر، ضغطاً نفسياً كبيراً في يوم عيد الميلاد.
  • الإفراط في الاحتفال: تناول كميات كبيرة من الطعام والشراب قد يزيد خطر الإصابة بأزمات صحية.
  • تأجيل الرعاية الصحية: قد يؤجل البعض زيارة الطبيب حتى بعد عيد ميلاده؛ ما قد يؤدي إلى تفاقم بعض الحالات الصحية.

نظريات علمية تفسر العلاقة الغامضة

توجد نظريتان رئيستان تفسران هذه العلاقة الغامضة بين فصل الميلاد وسمات الشخصية:

  1. نظرية الدوبامين: تفترض هذه النظرية أن طول النهار وكمية ضوء الشمس التي تتعرض إليها الأم خلال فترة الحمل، يؤثران في مستوى الدوبامين في دماغ الجنين؛ الذي يساعد على تنظيم المزاج والسلوك. ومن ثَمّ؛ قد يكون الأشخاص الذين ولدوا في الشتاء حيث يكون النهار قصيراً، أكثر عرضة إلى الإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والفصام. ويمكن أن ترتبط مستويات فيتامين د المنخفضة؛ التي قد ترجع إلى قلة التعرض إلى أشعة الشمس خلال أشهر الحمل الشتوية، بزيادة خطر الإصابة ببعض حالات الصحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر تقلبات هرمونات الأم في أثناء الحمل، في نمو دماغ الجنين؛ ما يؤثر في سمات الشخصية لاحقاً في الحياة.
  • نظرية الساعة البيولوجية: تركز هذه النظرية على تأثير فصل الميلاد في إيقاع الساعة البيولوجية التي تنظم دورات النوم والاستيقاظ وإفراز الهرمونات. فعلى سبيل المثال؛ قد يكون الأشخاص الذين ولدوا في الشتاء أكثر عرضة إلى أن يكونوا "أشخاصاً صباحيين"؛ بينما يميل مواليد الصيف إلى أن يكونوا "أشخاصاً مسائيين". وهذه الاختلافات في إيقاع الساعة البيولوجية قد تؤثر في سمات الشخصية؛ مثل مستوى الطاقة والانفتاح على التجارب.

لا تزال هذه النظريات قيد البحث، ولا يوجد تفسير نهائي لكيفية تأثير فصل الميلاد في الشخصية، فهناك عوامل أخرى عديدة تلعب دوراً؛ مثل الجينات والبيئة الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يقول المختص في العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي، لمنصة نفسيتي، إن تاريخ الميلاد يمكن أن يؤثر في شخصية الفرد بطريقتين رئيستين؛ الأولى هي ترتيبه في العائلة، سواء أَكان الطفل مولوداً بوصفه الطفل الأول أم الثاني أم الثالث أم غير ذلك، فقد يغير ترتيب الفرد داخل العائلة تعامل الوالدين معه ويؤثر في تنشئته داخل المنزل. ويضرب مثلاً لذلك برعاية الطفل البكر وتربيته التي قد تكون صارمة مقارنة بالطفل الرابع مثلاً؛ الذي قد يكون مدللاً.

ويضيف إن الأثر الثاني يتمثل في القوانين والأنظمة التي تضع تاريخ ميلاد محدداً للالتحاق بالمدرسة أو بدء بعض البرامج الإنشائية والحكومية؛ إذ ثمة مدارس كثيرة تسمح في بداية كل سنة دراسية بالتسجيل للسنة الدراسية للذين ولدوا قبل 1 أغسطس/آب مثلاً؛ أما الذين ولدوا بعد هذا التاريخ، حتى لو كانت تواريخ ميلادهم 3 أغسطس/آب أو بعد ذلك على سبيل المثال، فعليهم أن ينتظروا حتى السنة القادمة، علماً أن الفروقات بينهم وبين أقرانهم قد تكون بضعة أيام فقط في تاريخ الميلاد. لكن لأن تواريخ ميلادهم جاءت بعد النقطة الفاصلة (cutoff point)؛ يتأخر الأطفال سنة مقارنة بأقرانهم؛ ومن ثَمّ تختلف الشخصية، لوجود فارق سنة دراسية، وفارق في ترتيبهم داخل الفصل، فأعمارهم داخل الفصل مختلفة؛ أي يوجد أشخاص أكبر من الآخرين بـ 11 شهراً داخل الفصل الدراسي نفسه، وهذا يُحدث فرقاً؛ فإذا كان الطفل أصغر طالب في الفصل الدراسي، غالباً ما يُشخَّص بفرط الحركة وتشتت الانتباه، على الرغم من أن هذا التشخيص خاطئ، فالمعلم يلاحظ أن الطفل الصغير داخل الفصل الدراسي كثير الحركة ومشتَّت مقارنة بأقرانه داخل الفصل الدراسي الذين يكبُرونه بـ 9 أو 10 أشهر.

ويوضح الحاجي إن تاريخ الميلاد يختلف إذا كان الميلاد قد حدث في ظل أحداث سياسية واجتماعية معينة، فعلى حد قوله؛ اختلفت شخصيات أجيال كثيرة نتيجةً للمناخ السياسي والاجتماعي في الفترات التي ولدوا بها. ويؤكد إن الاهتمام بالأبراج الفلكية وقراءة الطوالع أو الخرائط الفلكية أو حركة المد والجزر التي كانت موجودة يوم الميلاد لا يستند إلى أساس علمي يمكنها من خلاله قياس التأثير في شخصية المرء.

هل يجب أن نقلق؟

قد تبدو الدراسات السابقة مثيرة للاهتمام؛ إلا أنها ليست خالية من القيود والقصور؛ حيث يصعب على هذه الدراسات عزل تأثير شهر الميلاد عن العوامل الأخرى؛ مثل الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للفرد أو الصحة النفسية للوالدين، وقد تؤثر هذه العوامل في سلوكيات الفرد وسماته الشخصية على نحو أكبر من شهر الميلاد، علاوة على أن مجرد وجود ارتباط إحصائي بين يوم الميلاد أو فصل الولادة وسمة معينة، لا يعني بالضرورة أنه يتسبب في تلك السمة، فقد تكون هناك عوامل أخرى غير يوم الميلاد مسؤولة عن هذا الارتباط.

أيضاً، قد تختلف صحة نتائج دراسات شهر الميلاد اعتماداً على حجم العينة ومنهجية البحث المستخدَمة، فقد لا تكون نتائج الدراسات ذات حجم العينة الصغير أو منهجية البحث غير الدقيقة قابلة للتعميم.

بدلاً من ذلك، تشير الأبحاث إلى أن تفضيلاتنا الطبيعية للنوم والاستيقاظ (النمط الزمني لكل منا)، قد يكون لها تأثير أكبر في المزاج والسلوك أكثر من شهر الميلاد. ويمكن للعوامل البيئية أن تؤثر في التعبير الجيني؛ ما قد يفسر كيف تشكل التربية وتجارب الحياة شخصية الفرد أكثر من شهر الميلاد، فلكل فرد خصائص فريدة تميزه عن غيره، ولا يمكن حصر سلوكه في نمط محدد مرتبط بشهر الميلاد.