هل سبق أن ارتكبت خطأً في العمل، أو تحدثت بطريقة ساذجة أو مضحكة، أو تعثّرت وأنت تمشي في الشارع، ثم شعرت فجأة وكأن العالم كله يراقبك؟ وربما ما زلت تنزعج كلما تذكرت تلك الحادثة، وتعتقد أن الجميع ممن رآك حينها ما زال يضحك حين يتذكرها!
محتويات المقال
في الواقع، ما لا تعرفه ربما، هو أن الآخرين لا يكترثون بك وبمظهرك وأفعالك بقدر ما تظن، وليس القصد هنا انتقاصاً من قيمتك؛ لكن ما يحدث هو أنك غالباً ما تضع نفسك تحت تأثير بقعة الضوء في مثل هذه المواقف، وهو تحيز نفسي يجعلك تعتقد أن الآخرين يلاحظونك أكثر بكثير مما يفعلون حقاً. تعرّف أكثر إلى هذا التأثير، وأسبابه، وكيف يمكن التغلب عليه.
تأثير بقعة الضوء (Spotlight Effect): حينما تظن أن الجميع يراقبك
هو تحيّز معرفي ينطوي على الاعتقاد بأن الآخرين يولون اهتماماً بأفعالك أو مظهرك أو أخطائك أو سلوكك أكثر مما يفعلونه حقاً. بكلمات أُخرى، يشعر الإنسان غالباً بأن الآخرين يراقبونه ويحكمون عليه باستمرار، وكأنه على خشبة المسرح والأضواء مسلطة عليه.
وهذا ما قد يدفعه للظن بأن أخطاءه أو عيوبه ملحوظة جداً للجميع من حوله، على الرغم من أن الناس معظمهم في الواقع لا ينتبهون إليه بقدر ما يتخيّل. ومن الممكن بالطبع أن يجعله هذا الوعي الذاتي المبالغ فيه يشعر بالحرج أو القلق بشأن أشياء بسيطة قد لا تستدعي انتباه الآخرين حتى.
وعلى الرغم من أنها ظاهرة نفسية شائعة تؤثر في الجميع بدرجة ما؛ لكنها قد تكون أكثر حدة لدى الأشخاص الذين يعانون القلق الاجتماعي؛ فقد تؤثّر سلباً في قدرتهم على العمل وشعورهم بالراحة بين الآخرين.
اقرأ أيضاً: الانحيازات السلوكية: ماذا تفعل تجاه العيوب التي تشوب طريقتك في التفكير؟
ما الذي يجعلنا نقع تحت هذا التأثير؟
ترتبط هذه الظاهرة بمفهومين نفسيين رئيسيين؛ الأول هو الواقعية الساذجة (Naive realism)؛ وهي افتراض أن تصوّرك عن العالم هو تصوّر موضوعي ودقيق، وأن ما تراه وتشعر به وتفكر فيه عن العالم من حولك هو الواقع القائم فعلاً.
لكن الحقيقة هي أن تصوراتك هذه تمرّ، أو تحدث فلترتها إن صح التعبير، عبر تجاربك الشخصية وعواطفك وتحيزاتك، ما يعني أنها تصورات ذاتية ومتحيزة تُفسر في سياق ما تعرفه وتفكر به، وليست موضوعية بالحد الذي تتخيله.
من ثُمّ، ولأنك تعتقد أن وجهة نظرك عن العالم صحيحة، فقد تفترض أن الآخرين يدركون الواقع بالطريقة نفسها التي تدركه بها. على سبيل المثال، إذا سكبت القهوة على قميصك قبل اجتماع ما، فقد تشعر بأن الجميع يحدّقون في البقعة ويحكمون عليك. لكن في الواقع، لن يلاحظ الناس معظمهم ذلك، أو لن يولوها الأهمية التي تتخيل، لأنهم يركّزون على همومهم، ومنغمسون في أفكارهم ومخاوفهم الخاصة.
أما المفهوم الآخر، فهو التمركز حول الذات (Egocentrism)، ويعني الميل للتركيز على نفسك، فنظرتك إلى العالم واختياراتك وتجاربك تدور عادة حول ذاتك، فأنت مركز الاهتمام في عالمك. ولأنك أكثر دراية بأفكارك ومشاعرك وسلوكياتك وتركّز بدرجة كبيرة على المعلومات التي تهمك، فقد يدفعك ذلك للشعور بأنك تحت المجهر.
اقرأ أيضاً: هل تبتهج عند رؤية أرقام متماثلة؟ إليك التفسير النفسي لذلك
كيف يمكن لهذا التأثير أن ينعكس على صحتك النفسية؟
لتأثير بقعة الضوء تداعيات ليست قليلة على الصحة النفسية، خصوصاً عندما يكون هذا الشعور مبالغاً فيه ومستمراً؛ إذ قد يفاقم مشاعر القلق وقلة الثقة في النفس والقلق الاجتماعي، وقد يدفعك إلى اتخاذ قرارات سيئة بناء على هذا الشعور المبالغ فيه.
علاوة على أنه قد يقلِّل الأصالة الشخصية؛ فشعورك بأن الآخرين يراقبونك قد يدفعك للتصرف بطرائق تعتقد أنهم يتوقعونها، بدلاً من أن تتصرف على سجيتك. ويفضي إلى مشكلات في العلاقات العاطفية والاجتماعية عندما يطول كثيراً؛ إذ إن السعي المستمر لنيل موافقة الآخرين أو الاعتذار المفرط قد يجعل التفاعلات تبدو قسرية أو غير صادقة.
7 نصائح فعالة للتغلب على تأثير بقعة الضوء
على الرغم من أن تأثير بقعة الضوء هو جزء من طبيعتك الإنسانية، فإن ثمة ما قد يساعدك على تخفيف وطأة تأثيره فيك، وإليك أهم النصائح:
1. اعترف بتأثير بقعة الضوء التي تضع نفسك تحتها
إن مجرد الاعتراف بوجود هذا التحيز يمكن أن يساعدك على تحدي معتقداتك وأفكارك غير العقلانية. تذكّر أن الجميع يرتكب الأخطاء، وأن النقص جزء من الطبيعة البشرية، ومن المرجح أن الآخرين لا يهتمون بذلك بقدر اهتمامك. فلكل شخص مخاوفه وأفكاره التي ينشغل بها ولا يراقب كل تحركاتك.
اقرأ أيضاً: 6 أنواع للتشوهات المعرفية قد تشل تفكيرك، اعرفها لتتجنبها
2. تحدَّ وهْم الشفافية (Illusion of transparency)
هو تحيّز معرفي أيضاً ينطوي على افتراض أن الآخرين يستطيعون معرفة مدى توترك أو انزعاجك أو إحراجك. بكلمات أُخرى، يجعلك تبالغ في مدى وضوح أفكارك ومشاعرك للآخرين، وكأن حالتك الداخلية تتسرب إلى الخارج أكثر مما هي عليه فعلاً، وهو ما قد يزيد إحساسك بأنك تحت دائرة الضوء.
لكن ينبغي معرفة أن هذا الانطباع عادة ما يكون خاطئاً، إذ لا يوجد وسيلة تمكّن أي شخص من أن يعرف ما يدور في داخلك. لذلك، استرخِ قليلاً، وتذكّر أن ما يبدو واضحاً جليّاً بالنسبة لك ليس بالضرورة واضحاً للآخرين.
اقرأ أيضاً: هل تعتقد أن الآخرين يرون كل ما تفكر فيه وتشعر به؟ ربما تكون مصاباً بوهم الشفافية
3. غيّر منظورك إلى الأحداث
جرّب أن تسأل نفسك كم مرة تتذكر الأخطاء البسيطة التي يرتكبها الآخرون؟ أو ما مدى اهتمامك وتركيزك على ما يرتديه الناس أو يقولونه أو يفعلونه؟ على الأرجح ليس بالقدر الذي قد يتصورونه. وينطبق الأمر نفسه عليك، فالآخرون لا يركزون عليك بقدر ما تتخيل.
4. استخدم الفكاهة لتخفيف الإحراج
إذا ارتكبت خطأً لاحظه شخص ما، فإن الاعتراف به بطريقة مرحة يمكن أن يخفف حدة التوتر ويساعدك على تجاوز اللحظة بسرعة، كما من المرجح في حال تذكّره الآخرون أن يتذكروا الموقف الإيجابي وروح الدعابة أكثر من تذكُّر الخطأ الذي ارتكبته.
5. حوّل تركيزك من الداخل إلى الخارج
يقول المختص النفسي، فهد العريدي، إن من أهم الطرائق التي تساعد على التخلص من القلق الاجتماعي بالإضافة إلى الحد من الأفكار والمعتقدات السلبية هو التقليل من التركيز على النفس. لذلك، حاول بدلاً من التركيز المفرط على نفسك أن تركّز على الآخرين، كأن تنخرط في الاستماع النشط وأن تنتبه لما يقوله الناس أو يفعلونه، فهذا قد يقلِّل أثر هذه الظاهرة، ويساعدك على التواصل مع الآخرين على نحو أفضل.
6. لا تتجنّب المواقف الاجتماعية
يمكن لتجنُّب التفاعلات الاجتماعية بسبب الخوف من الحكم أن يعزز تأثير بقعة الضوء. بدلاً من ذلك، زد تفاعلاتك الاجتماعية تدريجياً، واسمح لنفسك بارتكاب أخطاء صغيرة، ولسوف تدرك بمرور الوقت أن هذه الأخطاء لا تؤدي إلى عواقب وخيمة.
اقرأ أيضاً: ما هو القلق الوجودي؟ وما أهم أنواعه وأعراضه؟
7. مارس اليقظة الذهنية
تساعدك اليقظة الذهنية على البقاء حاضراً في الوقت الحالي بدلاً من التفكير السلبي في أخطاء الماضي أو ما سيحصل في المستقبل. لذا، عندما تجد نفسك تبالغ في تحليل خطأ أو هفوة ما، ركّز على أنفاسك أو محيطك لتعيد نفسك إلى الحاضر، وتقلّل توترك.
جرّب أن تستخدِم طريقة 5 4 3 2 1 لتطبيق اليقظة الذهنية؛ وهي أن تستخدم حواسك لملاحظة البيئة من حولك. على سبيل المثال، سمِّ 5 أصوات يمكنك سماعها، و4 أشياء يمكنك رؤيتها، و3 أجسام يمكنك لمسها في مكان جلوسك، ورائحتين يمكنك شمهما، وطعماً واحداً يمكنك تذوقه.
ختاماً، إذا كان تحيّز بقعة الضوء يؤثّر بدرجة كبيرة في حياتك اليومية، ويجعلك تشعر بالقلق بشأن التفاعلات الاجتماعية أو يؤدي إلى سلوكيات تجنبية، فربما من الأفضل أن تستشير مختصاً في الصحة النفسية. ويعد العلاج المعرفي السلوكي فعالاً بصورة خاصة في المساعدة على تحديد أنماط التفكير السلبية والاستعاضة عنها بأنماط أكثر واقعية.