ما هو انعدام القدرة على الاستمتاع بالحياة؟ وكيف يمكن التعافي منه؟

6 دقيقة
انعدام القدرة على التلذذ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ما الأشياء التي تجعلك سعيداً وتشعر بالمتعة؟ ربما تستمتع بركوب الدراجات أو الاستماع إلى صوت البحر في يوم شديد الحرارة، بعض الأشخاص يستمتعون بالطهي ومشاهدة الأعمال الدرامية في البيت، والبعض الآخر يجد سعادته في القراءة والخروج في الهواء الطلق، لكن هناك بعض الأفراد يفقدون القدرة على الشعور بالمتعة وحتى الأشياء البسيطة في الحياة التي تمنح معظم الناس المتعة مثل الطعام والفن لم تعد تؤثر فيهم، وهذه الحالة يُطلق عليها اسم انعدام القدرة على التلذذ (Anhedonia)، فما المقصود بها؟ وكيف يمكن التعافي منها؟

ما هو انعدام القدرة على التلذذ (Anhedonia)؟

يُعرّف الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) انعدام التلذذ بأنه انخفاض ملحوظ في القدرة على المتعة وذلك فيما يخص جميع الأنشطة التي استمتعت بها من قبل، فالأشخاص الذين يعانون انعدام القدرة على التلذذ ليس لديهم الدافع للبحث عن أنشطة ممتعة مثل رؤية الأصدقاء أو الذهاب للنزهة، ولا يستمتعون بها إذا فعلوها، وتؤكد الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) إن انعدام التلذذ هو أحد أعراض الاضطرابات الاكتئابية بالإضافة إلى بعض حالات الصحة النفسية الأخرى، مثل الاضطراب ثنائي القطب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

ويمكن القول أن مفهوم انعدام القدرة على التلذذ يختلف عن اللامبالاة؛ ففي حين تتعلق اللامبالاة بنقص الدافع أو استثمار الطاقة على مستويات متعددة، فإن انعدام التلذذ يعني الافتقار إلى شعور محدد وهو المتعة، ولكن انعدام القدرة على التلذذ يمكن أن يكون أيضاً علامة على اللامبالاة، وقد يعاني الشخص من اللامبالاة وانعدام التلذذ في الوقت نفسه.

نوعان لانعدام القدرة على التلذذ

غالباً ما يفتقر الأشخاص الذين يعانون من انعدام القدرة على التلذذ إلى الدافع للقيام بالأشياء التي كانوا يحبونها أو حتى تجربة أشياء جديدة، وذلك لأنهم قد يشعرون بعدم جدوى المحاولة، وينقسم انعدام التلذذ إلى نوعين:

1. انعدام التلذذ الاجتماعي

الأشخاص الذين يعانون من انعدام التلذذ الاجتماعي ليس لديهم الرغبة أو الدافع للتفاعل مع أسرهم وأصدقائهم، كما أنهم لا يستمتعون أبداً بقضاء الوقت مع الناس أو المشاركة في المواقف الاجتماعية، ويمكن القول أن انعدام التلذذ الاجتماعي لا يشبه اضطراب القلق الاجتماعي الذي يتجنب المصابون به المواقف الاجتماعية خوفاً من الحكم عليهم، بينما الذين يعانون انعدام التلذذ الاجتماعي لا يشعرون بأي متعة في التعامل مع الآخرين.

2. انعدام التلذذ الجسدي

عندما يعاني شخص ما من انعدام التلذذ الجسدي، فإنه لا يستمتع بالتجارب الجسدية أو الحسية، مثل الأكل أو العناق أو الجنس، فالعناق يجعلك تشعر بالفراغ بدلاً من الشعور بالاهتمام واستقبال الحب، والأطعمة المفضلة لديك طعمها ممل، حتى الجنس يفقد جاذبيته.

اقرأ أيضاً: ما أسباب الشعور المستمر باللامبالاة؟وكيف تتخلص منه؟

ما هي أعراض انعدام القدرة على التلذذ؟

هناك الكثير من الأعراض التي تخبرك أنك تعاني انعدام القدرة على التلذذ، أهمها:

  1. العزلة والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.
  2. فقدان الاهتمام بالهوايات والأشخاص.
  3. فقدان الرغبة الجنسية.
  4. عدم القدرة على الاستمتاع بتناول الطعام.
  5. انخفاض القدرة على إظهار التعبيرات اللفظية وغير اللفظية.
  6. الميل نحو إظهار المشاعر الزائفة مثل التظاهر بالسعادة.
  7. عدم القدرة على الشعور بالتعاطف أو الرحمة تجاه نفسك أو الآخرين.
  8. انخفاض الدافع لمتابعة مهام العمل أو وضع خطط اجتماعية أو التعامل مع تحديات الحياة.

تعرف إلى أسباب انعدام القدرة على التلذذ

تؤكد الطبيبة النفسية سيجال ليفي (Sigal Levy) إن انعدام القدرة على التلذذ هي أحد الأعراض الشائعة لبعض اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن يعاني بعض الأشخاص من انعدام القدرة على التلذذ دون أن يُشخّصوا بالاكتئاب أو أيا من اضطرابات الصحة النفسية، وعادة ما تتجسد أسباب الشعور بانعدام القدرة على التلذذ في:

1. اختلال توازن الناقلات العصبية

يحدث انعدام القدرة على التلذذ بسبب خلل في مركز معالجة المكافأة في الدماغ، وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من انعدام التلذذ، فإن دائرة المكافأة بأدمغتهم تفقد قدرتها على العمل بصورة صحيحة؛ وتشرح أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة إيموري (Emory University School of Medicine) جينيفر فيلجر (Jennifer Felger) إن مناطق الدماغ المشاركة في دائرة المكافأة لها اتصالات وظيفية مع بعضها البعض، وتضيف فيلجر إن مناطق دائرة المكافأة هذه قد لا تتفاعل بشكل جيد مع بعضها البعض لدى الأشخاص الذين يعانون من انعدام التلذذ، وبالتالي، فإن هذا التواصل الضعيف بين المناطق يشير إلى مستويات غير متوازنة من الدوبامين.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من انعدام القدرة على التلذذ لديهم مستويات أقل من الناقل العصبي السيروتونين، وهو ناقل عصبي مسؤول عن تنظيم المزاج، والنوم، والشهية، وحتى صحة العظام، وغالباً ما يؤدي انخفاض مستويات السيروتونين إلى انخفاض مشاعر المتعة والإثارة.

2. الإصابة بالقلق واضطرابات الصحة النفسية

من الناحية النفسية، يمكن أن يكون سبب انعدام القدرة على التلذذ هو الإجهاد المزمن، أو القلق الاجتماعي، أو الصدمات التي لم يتم حلها، أو الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية، ويمكن القول أن حالات الصحة النفسية لديها القدرة على تغيير كيمياء الدماغ ووظيفته، ما يؤدي إلى انخفاض القدرة على تجربة المتعة.

3. أحداث الحياة المرهقة

من الناحية البيئية، يمكن لعوامل مثل التعرض لفترات طويلة لظروف مرهقة، أو نقص الدعم الاجتماعي، أو تحمل أحداث الحياة السلبية أن تسهم في تطور انعدام القدرة على التلذذ، وفي هذا السياق يؤكد المختص النفسي عبد الله الجطيلي إن الضغوط النفسية مثل ضغط العمل يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، ويضيف الجطيلي إن إحدى التجارب العلمية التي أُجريت على الفئران أثبتت أن ضغوط الحياة المرهقة أدت إلى زيادة وزن الفئران ونومهم لساعات طويلة بالإضافة إلى شعورهم بانعدام القدرة على التلذذ.

وفي بعض الأحيان يظهر انعدام التلذذ لدى الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أولئك الذين يخضعون لعلاجات طبية معينة تؤثر على كيمياء الدماغ، مثل العلاج الكيميائي.

اقرأ أيضاً: 7 أفكار عملية لتستعيد شعورك بالسعادة بعد فقدانه

ما هي مخاطر انعدام القدرة على التلذذ غير المعالج على الحياة اليومية؟

يمكن أن يؤثر انعدام القدرة على التلذذ تأثيراً واضحاً على الحياة اليومية للأشخاص، وهذه أهم مخاطره على الحياة اليومية إذا لم يُعالج:

1. تدهور الصحة النفسية

كما ذكرنا من قبل، غالباً ما يرتبط انعدام التلذذ باضطراب الاكتئاب الشديد واضطرابات الصحة النفسية الأخرى مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب، لذلك في حال عدم علاجه يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تفاقم أعراض الاكتئاب الموجودة، ومن ثم يتدهور مستوى الصحة النفسية العامة.

2. العزلة الاجتماعية

انعدام التلذذ الاجتماعي يزيل أي اهتمام بالأنشطة الاجتماعية، ولهذا السبب من الشائع أن ينسحب الأفراد من كل التجمعات العائلية وتجمعات الأصدقاء وهذا في النهاية يؤدي إلى العزلة الاجتماعية التي تسبب الحزن وتعزز الشعور بالاكتئاب.

3. انخفاض جودة الحياة

فقدان الاهتمام بالأنشطة يمكن أن يقلل الرضا عن نوعية الحياة وبالتالي يجعل الأشخاص يشعرون بالفراغ والخواء وعدم الرغبة في عيش هذه الحياة.

4. ضعف الأداء في العمل

يمكن أن يؤدي انعدام القدرة على التلذذ إلى فقدان كافة الدوافع والطاقة، ما يجعل من الصعب على الأفراد الأداء الجيد في حياتهم المهنية.

5. الأفكار الانتحارية

في الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي الافتقار المستمر للمتعة والفرح إلى الشعور باليأس، ما ينتج عنه ظهور أفكار أو سلوكيات انتحارية.

كيف يمكن التعافي من انعدام القدرة على التلذذ؟

سواء كان انعدام القدرة على التلذذ بسبب الاكتئاب أو أحد اضطرابات الصحة النفسية أو حتى لو كان قائماً بذاته، فإن طرائق العلاج يجب أن ترتكز على إنتاج المزيد من الدوبامين أو إعادة نمو الدماغ، ولا توجد طريقة سريعة للقيام بذلك، لهذا عليك اتباع هذه النصائح والانتظام عليها بعض الوقت:

1. ممارسة الأنشطة الرياضية

تؤدي ممارسة الرياضة دوراً هاماً في تحسين الحالة المزاجية وخاصة الأنشطة الرياضية الهوائية ويُقصد بها التمارين الرياضية التي تُمارس في الهواء الطلق مثل ركوب الدراجات أو الجري السريع، ويمكن القول أن هذه التمارين تساعد على إنتاج الأدرينالين الذي يخلق شعوراً بالراحة المؤقتة.

وعلى الجانب الآخر فإن التمارين الهوائية ستجعلك تتنفس بطريقة أسرع ما يؤدي إلى زيادة نسبة الأكسجين في الدم وإطلاق البروتينات؛ فمع الاستمرار في ممارسة الرياضة الهوائية يبدأ دماغك في إنتاج بروتين يسمى "عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ" BDNF ، ويعمل هذا البروتين على إعادة نمو خلايا الدماغ حتى يتمكن من إرسال واستقبال الإشارات بطريقة أكثر فعالية.

2. تناول الطعام الصحي

هناك بعض العناصر الغذائية التي تزيد من إنتاج الدوبامين، لهذا فإن تغيير نظامك الغذائي بطرائق استراتيجية يعد وسيلة سهلة لتقليل أعراض انعدام ومن التلذذ، ومن أهم الأطعمة التي تزيد إنتاج الدوبامين هي الديك الرومي، ولحم البقر، ومنتجات الألبان، وفول الصويا، والبقوليات، فهي تحتوي على أحد أهم الأحماض الأمينية وهو تيروسين الذي ينتج مواد كيميائية مهمة في الدماغ تساعد الخلايا العصبية على التواصل وتعزز تنظم الحالة المزاجية لأنه يحافظ على مستويات الدوبامين، كما يجب تقليل الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة مثل الدهون الحيوانية والزبدة ومنتجات الألبان كاملة الدسم لأنها تقلل إنتاج الدوبامين.

3. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يتضمن العلاج السلوكي المعرفي بذل جهود لتغيير نمط تفكيرك السلبي وبالتالي تغيير سلوكك، وقد يساعدك المعالج على تعلم كيفية التعرف على التشوهات في التفكير وإعادة تقييمها، وتطوير شعور أكبر بالثقة بالنفس، وتطوير المهارات اللازمة للتعامل مع المواقف الصعبة.

4. تناول الأدوية المضادة للاكتئاب

في حال لم تجدي معك النصائح السابقة نفعاً، عليك الذهاب إلى الطبيب النفسي المختص حتى تتأكد أنك لا تعاني من الاكتئاب أو أحد اضطرابات الصحة النفسية، وبعد التشخيص إذا علمت أنك مريض اكتئاب ربما حان وقت تناول الأدوية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) التي تمنع إعادة امتصاص السيروتونين في الخلايا العصبية، وهذا يجعل المزيد من السيروتونين متاحاً للانتقال بين الخلايا العصبية، وتذكر أن السيروتونين يمكن أن يساعد في تنظيم حالتك المزاجية، لذلك يمكن أن يجلب شعوراً أكثر توازناً بالمتعة في حياتك.