أمضى الزوجان حياتهما معاً، وعاشاها بحلوها ومُرها معاً، ومع ذلك قد ينفصل الزوجان اللذان قيل أنهما "لا يفترقان"، فما السبب؟ ستوضح لنا أسباب انتهاء زواج دام سنيناً كثيرة "برون كيليا" التي تساعد الأشخاص الذين يمرون بتجربة انفصال أو أزمة زوجية أو مشاكل عاطفية.
لا نعلم لمَ يؤثر فينا افتراق زوجين أمضيا سنيناً طويلةً معاً بعمق لهذه الدرجة. هل لأنهما يمثلان نموذجاً مثالياً للوالدين المتحدين مدى الحياة مهما كانت الصعاب؟ أم لأنهما يبعثان في روحنا الطمأنينة بأن الحب الأبدي الذي نحلم به واقعي وليس ضرباً من الخيال؟ ففراقهما يحطم أحلامنا ومعتقداتنا والنماذج التي رسمناها في مخيلتنا. لكن ما سبب انفصالهما بعد كل تلك السنوات التي أمضياها معاً ورغم اعتقادنا أنهما لن يتفرقا مدى الحياة؟
الاستياء الشخصي الشديد
بعد قضاء أسامة وزوجته 26 عاماً معاً، غادرت زوجته عش الزوجية. يقول "أسامة" عن ذلك: "كانت تعاتبني لغيابي ساعات طويلة في العمل لكنني لم أظن أن الأمر جديّ لهذه الدرجة، فقد كنت غارقاً في عالمي ما أعمى بصيرتي عن رؤية إلى أي مدى ضعفت ثقتها بي". التقى أسامة بزوجته في المدرسة الثانوية ثم التحقا بالجامعة معاً. أرادت زوجته متابعة تعليمها لغاية مرحلة الدكتوراة لتصبح باحثة لكن ولادة أطفالهما وعمل زوجها لساعات طويلة علّق جميع خططها الشخصية. قررت بعد انفصالهما مباشرةً في عامها 43 استئناف دراستها لعلم الاجتماع.
عندما يشعر أحد الزوجين بأنه قادر على النجاح في مجال ما لكن طبيعة حياتهما أو متطلبات الأسرة تمنعه من تحقيق هذا النجاح، يشعر بإحباط يزداد مع مرور الوقت ما يؤدي إلى انخفاض تقديره لذاته.
وهذا هو نفس السبب الذي دفع لورا ذات الـ 48 عاماً إلى الانفصال عن زوجها؛ إذ تقول: "عندما أخبرته أنني أريد أن أسكن بمفردي وأستعيد عملي ظنّ في البداية أنني أود الارتباط برجل آخر، وهذا أثار اشمئزازي أكثر. وكأن الغاية الوحيدة من وجودي أن أرتبط برجل! في حين كانت رغبتي الوحيدة أن أعيش بمفردي". تزوجت لورا قبل خمسة وعشرين عاماً.
اقرأ أيضا:
المغالاة في الاتكال على الشريك لحل المشاكل
أيام الحياة متقلبة نعيشها بين يسر وعسر، وشريكنا يقف إلى جانبنا ويدعمنا في أيامنا العصيبة؛ لكن علينا ألا ننسى أن شريكنا ليس طبيبنا النفسي كما أننا لسنا الأطباء النفسيين لشريكنا، فإن نجاح العلاج النفسي يعزى بالتحديد إلى العلاقة الرسمية التي لا تتخللها العواطف بين المعالج والمريض. وهذا ذكرني بسارة التي تبلغ من العمر 54 عاماً والتي كانت لا تطلب المساعدة إلا من زوجها عندما تواجه أي مشكلة جسدية أو نفسية منذ الطفولة، وقد تزوجته قبل 33 عاماً. بعد أن استنفد إحساسه بالعجز طاقته ترك رسالةً لها يعبر فيها عن خجله لتركها ورغبته في أن تتلقى العلاج المناسب.
كما تذكرتُ سلام ذات الـ51 ربيعاً التي بدأ صبرها في النفاد: "لم أعد أطيق التحمل بعد الآن، لقد استُنفدت كل طاقتي. ومع ذلك كان اتخاذ قرار الانفصال صعباً على هذه المرأة الممزقة بين تهديدات زوجها بالانتحار وإحساسها بالذنب الذي ألقاه على كاهلها، وواجبها بمعاملته معاملةً حسنةً وإحساسها بالذنب لتقصيرها دائماً في ذلك. ومع ذلك تعترف بأن تأديتها دور مقدمة الرعاية لزوجها خلال فترة طويلة من حياتهما قد نفعها نوعاً ما فقد نضجت شخصيتها واكتسبت ثقةً أكبر بنفسها. أما الآن وقد نضجت وطورت من نفسها، اعتبرت أن هذه المسؤولية لم تعد تقع على عاتقها بعد الآن، لتعرِب عن رغبتها بالاستمتاع بالحياة بعد 31 سنةً من زواجها أمضت معظمها تؤدي "دور الأم أو الممرضة" لزوجها.
اقرأ أيضا:
عدم قضاء الزوجين أوقات خاصة معاً
ليس الزواج إقامةً في نفس المنزل فحسب، فقد يقيم الزوجان تحت السقف ذاته ويتشاركان الفراش ذاته ويتناولان الطعام على الطاولة ذاتها، ومع ذلك يعيشان منفصلَين عن بعضهما على الصعيد العاطفي. فمثلاً يشتكي مالك بقوله: "لا أفهم ما يحدث. لقد كنا معاً طوال الوقت" فردت زوجته لمياء عليه الرد المعروف: "ربما كنا نتشارك المكان ذاته لكننا لم نكن معاً حقاً. كانت لمياء تشكو قلة انتباه زوجها، وأنه لم يكن يخصص لها وقتاً خاصاً يشعرها "أنها ما زالت بنظره أهم من أي شيء في الدنيا". يوطد تخصيص وقت خاص للزوجين علاقة الحب بينهما ويديمها. التقى مالك بلمياء قبل 28 عاماً سبقت قرارها بالانفصال عنه.
لا يميز كثير من الناس بين حضور الجسد وحضور القلب والذهن، ولا يشترَط أن يكون الوقت الذي تخصصه لتقضيه مع شريكك طويلاً، فعشرون دقيقة من التفاعل العميق بينهما خلال اليوم بالغة الأهمية في إثراء روابطهما العاطفية أكثر بكثير من جلوسهما معاً خلف شاشة التلفاز لساعات.
نضج كل من الزوجين بأسلوب مختلف
قد يتفق بعض الأزواج في الحياة اليومية ولا تنشب جدالات بينهم؛ لكن بعد بضع سنوات قد يختلف أسلوبهما في التفكير. لا تتلاشى المودة بينهما لكن عشقهما لبعضهما ينطفئ، والبعض لا يتحمل العلاقات الراكدة.
لا يتعرف الزوجان إلى بعضهما مرةً واحدةً فقط في حياتهما، بل يتعرف أحدهما إلى الآخر أكثر من مرة كلما تعرف إلى ماضيه، أو مر معه بتجارب سعيدة أو مريرة. لكن بالنسبة لبعض الأزواج، لا يتوافق النضج الشخصي لأحدهما مع نضج الآخر فتتشكل فجوة ضخمة بين الشريكين. لا يوجد "سبب" واضح لهذا الانفصال؛ لكنها تراكمات خيبات الأمل البسيطة التي تقودنا مجدداً إلى الاستنتاج أنهما يعيشان معاً لكنهما ليسا زوجين حقيقين بعد الآن.
اقرأ أيضا:
متلازمة العش الفارغ
يطلَق عليه في علم نفس النمو ”العش المهجور” لكن هذه المتلازمة تُعرَف باسم ”العش الفارغ”. يكبر الأطفال ويغادرون منزل أسرتهم ويتركون فراغاً كبيراً في حياة أحد الوالدين أو كليهما، لا سيما عندما يكون الدور الأبوي هو المسؤولية الوحيدة التي كانت تشغلهما. وفقاً للدراسات (بما فيها دراسة "كليلاند و"تشيترز")، تكون تجربة متلازمة العش المهجور إيجابية بالنسبة للأزواج الذين لا يهملون حياتهم الشخصية والحياة العاطفية بينهم، خاصةً أن الأبناء يواصلون اللجوء إلى أهلهم لطلب الدعم والمساعدة حتى عندما يكبرون، فالأبوة والأمومة لا تنتهي عند مغادرة الأبناء المنزل.
لكن لا تكون تجربة مغادرة الأبناء إيجابيةً على الجميع، لهذا قرر رامي البالغ من العمر 61 عاماً أن يسكن في شقة وحده بعد 34 عاماً من الحياة الزوجية التي كان يراها "فاترة"، فقد سئم من أحاديث زوجته التي لا تدور إلا حول ابنته وأحفاده، وافتقارها إلى مادة حديث تجذبه أكثر.
اكتشاف أحد الزوجين خيانة الآخر
تعد الخيانة بين الأزواج الذين أمضوا سنوات طويلة معاً أحد دلالات انطفاء مشاعر الحب. فليست الخيانة هي ما تسبب تباعداً عاطفياً بين الشريكين؛ وإنما التباعد هو ما يجعل الإنسان عرضةً للوقوع في خطأ إقامة علاقة خارج إطار الزواج. إن غياب التواصل الفعال بين الشريكين وإحجامهما عن ممارسة نشاطات مشتركة وافتقارهما إلى الحميمية بينهما يجعلهما منفصلين عاطفياً وعاجزين عن استعادة التواصل بينهما. وما العلاقة خارج إطار الزواج إلا شاهد على نهايته لأنها تجعل الانفصال حتمياً في معظم الأحيان.
لاحظت هالة المتزوجة من أسعد منذ 27 عاماً ذات يوم أنه يتبادل رسائل خادشة للحياء مع شابة تبلغ من العمر 27 عاماً. رغم أنهما سعيدان معاً من تلك الناحية لكنه يتحجج بأنه بحاجة إلى العثور على ذاته و"ممارسة نشاطات تخصه"، فاشترى سيارةً رياضيةً وبدأ باتباع حمية وأجرى فحوصات طبية شاملة ولم يكفَّ عن التحدث عن نفسه. حتى أطفاله لم يعد يهتم بهم، مع أننا كنا مغرمين ببعضنا".
في هذه الحالة لم تكن الخيانة الزوجية محاولةً منه ليعيد التواصل مع الشريك؛ وإنما ليعيد التواصل مع نفسه. ينظر الأشخاص الذين يمرون بأزمة منتصف العمر إلى هذا الفراغ المبهم بأنه أشبه بأزمة هوية يشعرون خلالها بحاجة عميقة للتجديد، وهذا يبعث في نفس الإنسان الذي خانه شريكه إحساساً بالعجز عند مواجهته القرار الذي يراه قراراً قسرياً.
3 نصائح لكل زوجين لينضجا معاً في طريق الحياة الطويل الذي سيسيرانه.
- دعنا لا ننسى أننا قبل أن نكون أزواجاً أو آباءَ؛ نحن أفراد تحركنا رغباتنا واحتياجاتنا. لذا شارك شريكك برغباتك واحتياجاتك وامنحه الفرصة ليشاركك رغباته واحتياجاته.
- دعنا نعهد بمشاكلنا ومعاناتنا إلى شخص وظيفته مساعدتنا في حلها، فلا تتردد في استشارة مختص بدلاً من إفضاء خيبات أملك واضطراباتك العصبية إلى شريكك.
- دعنا نحسن من أساليب التواصل والحوار بين الزوجين بتشجعيهما على تفضيل أسلوب الحزم؛ ما يتيح تحويل منحى الحوار من التعميم والتوبيخ والتذمر إلى تأكيد الذات.
اقرأ أيضا: