شاهدت منذ فترة لقاء إعلامياً مع أحد نجوم فن الراب في مصر، وقد تطرق فيه إلى تلك الفترة التي اعتزل فيها الغناء وذهب للعمل في وظيفة روتينية لم يحتمل أن يستمر فيها أكثر من ستة أشهر ترك في نهايتها العمل على نحو مفاجئ؛ لأنه وفقاً لتعبيره شعر بأن هذا ليس مكانه الأمثل، وعندما سأله المحاور عن أمنية يود تحقيقها أجابه أتمنى ألا أكون مضطراً للعمل في وظيفة غير الغناء وأن أستمر في تقديم ما أحب.
الحقيقة أن حديثه استدعى إلى ذهني معاناة الكثير من الأشخاص حبيسي الوظائف المرهقة التي تصيبهم بالاكتئاب وتفقدهم القدرة على الاستمتاع بحيواتهم، لكن هل ثمة وظائف بعينها تزيد احتمالية ظهور الاكتئاب؟ الإجابة الأولية نعم، أما الإجابة المفصلة فيتناولها المقال.
ما هي الوظائف الأكثر كآبة؟
مبدئياً، يشير الطبيب النفسي إبراهيم حمدي إلى أن أكثر المهن عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، ترتكز في مجالات:
- الرعاية الصحية.
- التعليم.
- الخدمة الاجتماعية.
- الصحافة.
- الضيافة.
- الخدمة العسكرية.
- المحاماة.
- العمل المصرفي.
وحتى تتضح الصورة أكثر فقد نشرت مجلة الجمعية الطبية الأميركية في يونيو/حزيران دراسة علمية حلل الباحثون فيها بيانات استبيانات شملت قرابة نصف مليون موظف وعامل بهدف معرفة أكثر الوظائف التي يصاب العاملون بها بالاكتئاب، وكانت النتيجة أن العاملين في الخدمات المجتمعية سجلوا أعلى معدل للتشخيص بالاكتئاب بنسبة 20.5%، من بعدهم جاءت وظيفة مقدمي الطعام بنسبة 20.1%.
وشملت المجالات الأخرى التي سجلت معدلات عالية للإصابة بالاكتئاب الإعلام والفنون والترفيه والرياضة بنسبة 18.6%، إلى جانب وظائف الرعاية الصحية بنسبة 18.2% وتجارة التجزئة بنسبة 17.7%، والوظائف القانونية والتعليمية بنسبة 16.1%.
بينما على الجانب الآخر كانت أقل معدلات تشخيص بالاكتئاب بين العاملين في وظائف التعدين بنسبة 6.7%، والبناء بنسبة 8.9%، والزراعة والهندسة بنسبة 9%.
وعموماً، يقل ظهور الاضطراب النفسي في تلك الوظائف التي تتطلب ساعات عمل أقل وتكون أوضاعها قابلة للتنبؤ بدرجة أعلى، إلى جانب تميزها ببيئات عمل داعمة وضغوط عمل قابلة للإدارة.
اقرأ أيضاً: هل هو اكتئاب أم مجرد كسل؟ إليك الفروق والحلول العملية
7 ارشادات فعالة للتعامل مع وظيفة تجعلك مكتئباً
عندما عملت على إعداد هذا المقال وجدت الكثير من الأشخاص يشتكون من أنهم يعملون في وظيفة أصابتهم بالاكتئاب لكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون مفارقتها نظراً للالتزامات المادية المطلوب منهم الوفاء بها، وعلى الرغم من صعوبة الموقف، هناك بعض الإرشادات العملية التي تقدم حلولاً وسطية يمكنها تخفيف وطأة تأثير تلك الوظيفة، أهمها:
- اعترف باكتئابك وتقبل المشاعر المرافقة له، ثم اعمل على التفتيش عن أسبابه وتحقق من احتمالية وجود تشابك بين مشكلاتك الشخصية والمهنية، وبعدما تضع النقاط على الحروف ستجد أن الصورة أصبحت واضحة إلى حد أن ملامح بعض الحلول بدأت تظهر لك.
- إذا كان اكتئابك في مكان العمل يعرقل حياتك اليومية ويجعلك تعاني مشاعر سلبية باستمرار، ففي هذه الحالة سيكون من الضروري طلب استشارة المعالج النفسي حتى يساعدك على وضع خطة علاجية مناسبة.
- افتح نافذة أخرى للحياة، فربما كان أحد أسباب اكتئابك المرتبط بوظيفتك هو أنك لا تستمتع بوقتك بعد انتهاء ساعات الدوام، لذا اعمل على استكشاف أنشطة تمدك بالسعادة مثل المشي في الهواء الطلق، أو لقاء الأصدقاء بصورة دورية، أو تعلم هواية تخرج فيها طاقتك الإبداعية، المهم أن تفتح آفاقاً جديدة تجعل لحياتك معنى.
- راجع أعباء وظيفتك وحدد إذا كانت معقولة أم لا، وفي حالة كانت تلك الأعباء تتجاوز قدرتك على الاحتمال سيكون من الجيد الحديث مع إدارة شركتك؛ للوصول إلى حلول وسط تعيد فيها ترتيب مهامك على نحو يضمن لك اتزانك النفسي.
- خصص جزءاً من وقتك لاستكشاف الفرص الجديدة لوظائف أخرى أقل إرهاقاً، أيضاً قد يناسبك الانتقال لقسم آخر أو وظيفة أخرى في شركتك الحالية، أو ربما الانتقال للعمل بنظام الدوام الجزئي.
- مارس أنشطة الرعاية الذاتية بمختلف أنواعها، مثل أخذ الإجازات والتخطيط لقضائها في رحلات تجدد خلالها طاقتك، أو ممارسة بعض تمارين التأمل والتنفس العميق، وكذلك ممارسة الرياضة والاستماع لموسيقاك المفضلة.
- في حال طبقت الخطوات السابقة ووجدت أن وظيفتك ما زالت تمثل بالنسبة لك عبئاً نفسياً يثقل ظهرك، سيكون من المفيد حينها وضع خطة للانتقال إلى وظيفة أخرى، وذلك يستلزم منك السير في عدة مسارات متوازية أهمها: تطوير مهاراتك، وتقييم وضعك المالي، والبحث عن الفرص المتاحة في سوق العمل باستمرار للوصول إلى فرصة مناسبة تنتقل إليها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يصيبك تفانيك الزائد في العمل بالاكتئاب والتوتر؟