هل يُعد الانعزال نوعاً من الاستقلالية التامة أم يُمثّل رهاباً اجتماعياً؟

3 دقائق
الوحدة والانعزال

هل أنت من هؤلاء الانعزاليين الذين يُفضلون الوحدة والانعزال على أي شيء آخر؟ الذين يقدّرون عدم مقابلة أحد والبقاء وحيدين في المنزل؟ إذا كانت هذه الصورة ثُمثل كابوساً للبعض، فهي بالنسبة لهؤلاء الآخرين حياة مثالية. كيف نفسر ذلك؟
كتب الأستاذ مارسيل روفو؛ الطبيب النفسي للأطفال، في كتابه "فك وثاقي" (Détache-moi (Anne Carrière)): "نحن جميعاً، ولو قليلاً، نحسد [...] أولئك الذين يعرفون كيف يكونون وحيدين مع أنفسهم ويعتمدون فقط على أنفسهم".

في مجتمع "الاتصال المفرط"، يثير الأشخاص الانفراديون إعجابنا باستقلاليتهم التامة؛ حيث يكشف استقلالهم عن قوة شخصية كبيرة، بشرط أن تتخلله لحظات من التواصل الاجتماعي. خلاف ذلك، فإنه يقع ضمن حدود الرهاب الاجتماعي.

الشعور بالاكتفاء

هند؛ 35 سنة، عزباء، تعمل كمترجمة، وتقضي معظم وقتها بمفردها؛ تصف الوحدة والانعزال على أنه اختيار، تقول إنها راضية عنه وفخورة به، وتصفه بقولها: "إنه يثبت أنني لست بحاجة إلى أحد". هل هو شكل من أشكال عقدة التفوق؟ على أي حال؛ إن الانعزال شكل من أشكال الاكتفاء ناشئ منذ الطفولة: إذا قيل لي إنني كنت الأكثر ذكاءً، والأقوى، فلماذا أذهب إلى الآخر الذي لا يضيف لي شيئاً؟

عندما لا يغرس التعليم بذرة المشاركة واكتشاف الآخرين، يطور الطفل نوعاً من الأنانية التي يمكن أن تتجلى في الانكماش على الذات. وفي النهاية؛ يواجه الطفل خطر المعاناة من متلازمة المحتال (impostor syndrome)؛ حيث أن كل لقاء يجعله يخاف من "انكشاف القناع"، والظهور بكل تفاهة وعزلة.

القلق الاجتماعي

لأنه وفقاً للطبيب النفسي والمعالج النفسي فريديريك فانغيت: "لا يمكن لأحد أن يكون مكتفياً بذاته". إنها فقط "الحجج العقلانية التي يبحث عنها هؤلاء المنفردون بأنفسهم، عبر رفض الاعتراف بالسبب الحقيقي لانعزالهم، وهو الخوف من الآخرين".

يشير فريديريك فانغيت؛ الذي أشرف على الدراسات العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة مع الأطفال غير الاجتماعيين، أن القلق الاجتماعي يمكن أن يكون وراثياً أو مُكتسباً.

كما يؤكد رامي؛ 42 عاماً: "لم نكن نستقبل أي شخص في المنزل. غرق والداي في علاقتهما كزوجين". الأمر الذي جعله يطور شعوراً مفرطاً بعدم الثقة في الآخرين: "عندما يخبرك والداك -ويُظهران لك- أنك لا يجب أن تثق في أي شخص، فأنت تصبح فردانياً!".

اقرأ أيضا:

ذكرى مؤلمة

يمكن أن يكون سلوك الوحدة والانعزال نتيجة لذكرى مؤلمة. مايا؛ 33 عاماً، عانت عندما كانت مراهقة متحفظة لمدة عام من قسوة معلم كان يُجبرها على القدوم إلى السبورة، ويسخر من رؤيتها تفقد إمكانياتها.

تعمل مايا اليوم كمزارعة، وتقول إنها سعيدة باتباع نمط "حياة الناسك". ويفسر فريديريك فانغيت الأمر بقوله: "عندما تُوسم التجارب الأولى للمواجهات مع الآخرين بالفشل أو الإذلال، فإنها يمكن أن تؤدي لاحقاً إلى سلوكيات تجنب التواصل الاجتماعي هذه".

القلق من الانفصال

بالنسبة لأولئك المنعزلين للغاية الذين يدركون الجانب المتعلق عاطفياً لشخصياتهم، فتجنب الآخرين هو الحل دوماً. يقول فريديريك فانغيت: "إن تجنب إنشاء روابط يصبح وسيلة للهروب من خطر الوقوع في حالة من الاعتماد العاطفي"؛ حيث إن ما يقلقهم هو فكرة إمكانية فقدان الآخر؛ والذي سيكونون قد أصبحوا متعلقين به". فمن الأفضل أن تكون وحيداً بدلاً عن أن تسترجع آلام تجربة سابقة: انفصال عن الأم، أو حداد، أو انفصال عاطفي.

ما العمل؟

بادر تجاه الآخرين

كلما فررت أكثر من الخروج، زاد قلقك بشأن فرص مقابلة الناس ورغبت أكثر بالانسحاب. توقف عن كونك سلبياً. خذ زمام المبادرة للتواصل مع الآخرين. تجرأ! ابدأ "بالتدرب" مع أشخاص تثق بهم. اذهب إليهم، وانتظر مكالماتهم، واقترح المواعيد، حتى لو كان ذلك يعني شرح طريقتك لهم، واستلهم من الأساليب التي يستخدمونها هم أنفسهم للدخول في علاقة.

تطلع إلى الخارج

مهما كان سبب خوفك من الآخرين، فإنه يجعلك تشعر وكأنك عرضة لكل الأحكام عندما تكون ضمن مجموعة، ولوضع حد لهذه المخاوف، فمن الضروري أن تتعلم كيف "تعزل نفسك عن المركز": اهتم أكثر بالعالم من حولك، وبالآخرين، اطرح عليهم أسئلة.. بمعنى آخر؛ كن أكثر انفتاحاً بحيث لا تركز فقط على شخصك.

اقرأ أيضا: كيف يؤدي الرهاب الاجتماعي إلى شعور الفرد بمحدودية قدراته الفكرية؟

نصيحة للأشخاص المحيطين بالانعزاليين

لا تدعوا المظاهر تخدعكم. إذا كان الشخص يقول إنه يفضل أن يكون وحيداً؛ تجمعوا حوله، ادعوه لمشاركتكم الأنشطة، ادعوه في النزهات، وأخبروه عن مخاوفكم وما يقلقكم، أو ارووا له تجاربكم مع الخجل. هذا سيجعله يضع الأمور في نصابها، ليرى أنه ليس وحده الذي يشعر بهذا الخوف. عبروا له عن صداقتكم أو ثقتكم به دون تردد لتشجيعه على القيام بالمثل.

قصة

تقول سارة؛ 38 عاماً، مصممة غرافيك: "تعلمت التواصل الاجتماعي".

"عندما كنت طفلة، كنت أفضل بالفعل أن أكون وحدي، أخترع القصص أو أكتب، قيل عني أنني حالمة ومستقلة. لقد وجدت هذه الصورة جميلةً نوعاً ما؛ إلا أن الضرر حصل في وقت لاحق. بعد فشل مسيرتي المهنية كمصممة مستقلة، بحثت عن عمل في مجال الإعلانات.. وهناك، توالت عليّ التجارب الفاشلة، لأنني لم أتمكن من العمل في مجموعة!

على المستوى الشخصي؛ لم أشعر بمزيد من الرضا. كنت أحسد أولئك الذين كانوا محاطين بالأصدقاء. بدأت العلاج النفسي السلوكي، وبفضل التمارين البسيطة مثل مد يدي قبل الترحيب، وفتح ذراعي للترحيب بشخص ما، والابتسام للغرباء، فقد أعدت التفكير بكافة إيماءاتي وعاداتي التي عبرت عن انسحابي الاجتماعي.

لقد تعلمت الاختلاط بالآخرين، وأدركت أن الوحدة والانعزال أو هذا الاستقلال الذي اعتقدت أنه خياري، كان قد "فُرض" عليّ، فقد كنت طفلة وحيدة أفرط في حمايتي والداي اللذان كان لهما عدد قليل جداً من الأصدقاء. وأنا كنت راضية عن هذه الشرنقة؛ أما اليوم فأنا أستمتع بأيام العمل وأمسياتي مع الأصدقاء. إنه نوع من أنواع التحرر".

اقرأ أيضا: كيف تتغلب على رهابك؟

المحتوى محمي