ملخص: الميل إلى الوحدة والانعزال سمة قد تثير انتقادات الناس، بل قد يعدّها البعض موطن ضعف في سياقات مهنية أو اجتماعية معينة. لكن ماذا لو كانت هذه السمة الشخصية علامة على تميّز شخصيتك بميزة خاصة جداً؟ هذا ما أكده باحثون بريطانيون اهتموا بدلالات معدل الذكاء وعلاقته بالميل إلى الوحدة. إليك الاكتشاف الذي توصلوا إليه.
ربما يشير الميل إلى الوحدة الذي يلومك الناس عليه إلى معدل ذكائك العالي. يقدم هذا المعدل الناتج عن اختبار القياس النفسي تقييماً كمياً للذكاء. ويسمح بقياس الذكاء المنطقي والتصوري لشخص ما من خلال اختبارات معيارية. على سبيل المثال يبلغ متوسط معدل ذكاء الفرنسيين نحو 97 علامة، أي في نطاق الذكاء "المتوسط".
في هذا السياق، نشر باحثون بريطانيون نتائج أبحاثهم التي قدمت اكتشافاً حول عمل الدماغ البشري في المجلة البريطانية لعلم النفس (British Journal of Psychology). فما هو هذا الاكتشاف؟ يتعلق الأمر بفكرة قد لا تبدو مثيرة للدهشة عند التحقق الدقيق منها، لكنها قد تساعدنا كثيراً على فهم أفضل لتفاعلاتنا الاجتماعية. وفقاً للباحثين فإن الأشخاص الذين يفوق معدل ذكائهم مستوى المتوسط يكونون أكثر ميلاً إلى الوحدة. وهذا مبرر آخر يشجعنا على الاستمتاع باللحظات التي نختلي فيها بأنفسنا.
الوحدة علامة معدل الذكاء العالي
شملت الدراسة 15,000 مشارك تتراوح أعمارهم ما بين 18 و28 عاماً، وركزت على بيانات حالاتهم الصحية وبيئاتهم وعلاقاتهم ومعدلات ذكائهم إلى غير ذلك. ومكّنت هذه البيانات الباحثين من استنتاج التالي: الأشخاص الذين يعيشون في المدينة يكونون أكثر ذكاء وسعادة إذا كانوا يحبّون الوحدة.
بعبارة أخرى حدّد الباحثون خاصيتين مشتركتين بين الأشخاص الأذكى: العيش في المدينة وقضاء وقت أقل مع الأصدقاء. وإذا كان مفهوم معدل الذكاء محطّ نقاش ولا علاقة له أحياناً بالذكاء نفسه، فإنه يظل مع ذلك مؤشراً مهماً بالنسبة إلى الباحثين المشاركين في هذه الدراسة نظراً إلى علاقته بمستوى سعادة الأشخاص الذين خضعت بياناتهم إلى التحليل.
فمن بين الأشخاص الذين لديهم أدنى معدلات الذكاء اتضح أن سكان المدن الكبيرة يشعرون بسعادة أقل مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في مناطق ريفية. وكلما زاد مستوى تفاعلاتهم الاجتماعية مع الأصدقاء المقربين زاد مستوى شعورهم بالسعادة. في المقابل لاحظ الباحثون نتائج معاكسة تماماً لدى الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء أعلى من المتوسط حيث اتضح أنهم يفضّلون الوحدة.
نظرية السافانا: عندما يجد الدماغ صعوبة في التكيّف
أظهرت نتائج الأبحاث أن الأشخاص الأذكى يكونون أكثر رضاً عن حيواتهم إذا كانوا يعيشون في المدينة. كما أنهم يكونون أكثر سعادة عندما يقضون وقتاً أقل مع أصدقائهم المقربين وفقاً للدراسة.
يقول المختص في علم النفس والمؤلف الرئيس للدراسة ساتوشي كانازاوا (Satoshi Kanazawa): "يتفاعل الدماغ البشري بنسبة عالية مع البيئة الحالية كأنها بيئة بدائية". يشير هذا التفسير إلى "نظرية السافانا"، التي تفترض أن بعض أسلاف الإنسان الحديث من أشباه البشر تكيفوا مع هذه البيئة من خلال استقامة أجسادهم والتحول إلى كائنات من ذوات الساقين. إنها بعبارة أوضح مسألة تكيف. إذ يجد بعض الأدمغة سهولة أكبر في التأقلم مع بيئته مقارنة بأخرى تجد صعوبة في إدارة المواقف التي لم يكن لها وجود في بيئة الأسلاف وفقاً لما أشار إليه الباحثون.
وتكشف هذه النظرية التي يؤيدها الأنثروبولوجيون أن الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء أعلى من المتوسط يكونون أكثر استعداداً للتغلب على عوامل التوتر التي لم يكن أسلافنا قادرين على إدارتها، مثل العيش في المدن الكبيرة والتعامل مع الزحام المروري ووسائل النقل العامة المكتظة باستمرار.
يؤكد ساتوشي كانازاوا ذلك قائلاً: "يستوعب الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء عالٍ المواقف الجديدة مثلما هي في الواقع بهدوء، ويتعاملون معها باعتبارها مواقف عادية لا تتطلب أيّ قلق أو انزعاج، ووفقاً لهذا المنطق فإن الأفراد الأذكى أقل عرضة لتسجيل مستويات سعادة أدنى عند العيش في مناطق ذات كثافة سكانية أعلى". وعلى العموم سواء كنت تتمتع بمعدل ذكاء أعلى أو لا، فإن التخلي عن كل شيء من أجل العيش وحيداً في الريف قد لا يكون فكرة سيئة تماماً.
اقرأ أيضاً: