تتزايد النداءات في الأوساط العلمية لمواجهة وباء السهر وعدم أخذ القسط الكافي من "النوم بين المراهقين والأطفال"، وذلك للحد من الآثار السلبية التي من المحتمل أن تهدد صحتهم الجسدية والنفسية.
حسب موقع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي (CDC)؛ يتعرض الأطفال والمراهقون الذين لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم إلى خطر أكبر للإصابة باضطرابات الصحة النفسية والعقلية ومشاكل الانتباه والسلوك، بالإضافة إلى زيادة احتمالية تعرضهم لخطر الإصابة بأمراض النمط المعيشي؛ مثل السمنة والسكري.
لنتعرف معاً أكثر إلى إحصاءات السهر بين المراهقين في العالم ككل، والدول العربية على وجه الخصوص، وبعض الأساليب العملية لمواجهة وباء السهر، وعدم أخذ القسط الكافي من "النوم بين المراهقين والأطفال".
النوم للمراهقين والأطفال
عموماً؛ يخبرنا موقع "سي دي سي" (CDC) أن توصيات الأكاديمية الأميركية لطب النوم تشير إلى اعتماد ساعات النوم التي يحتاجها كل إنسان منّا على عمره.
فعلى سبيل المثال؛ يحتاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام إلى 12 عاماً، إلى النوم بانتظام من 9 ساعات إلى 12 ساعة يومياً.
وبالمثل؛ يجب أن ينام المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً من 8 ساعات إلى 10 ساعات يومياً.
إحصاءات السهر بين المراهقين والأطفال
تشير دراسة علمية حديثة نُشِرَت عام 2020 من قِبَل جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، إلى أن 20% من المراهقين المشاركين في الدراسة؛ والذين بلغ متوسط أعمارهم نحو 16 عاماً، قد أخبروا الباحثين بحصولهم على أقل من 5 ساعات نوم.
وتشير نفس الدراسة إلى وجود ارتباط ملحوظ بين العمر ووقت النوم. فقد أشارالمراهقون الأكبر سناً إلى ذهابهم إلى النوم في وقت متأخر مقارنةً مع من هم أصغر. وفي نفس السياق؛ أظهرت الإناث المشاركات في الدراسة احتمالية أعلى من أقرانهن من الذكور فيما يخص ذهابهن إلى النوم في وقت متأخر.
وفي دراسة أخرى بالتعاون بين جهات بحثية سعودية وكلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة الأميركية نُشِرَت عام 2018، حلَّل العلماء بيانات المشاركين البالغ عددهم نحو ما يزيد عن 12 ألف من المراهقين السعوديين، تراوحت أعمارهم بين 10 أعوام إلى 19 عاماً.
ولاحظ العلماء انتشار اضطراب قلة النوم بينهم؛ حيث بلغت نسبة المراهقين الذين قد حصلوا على أقل من 7 ساعات من النوم يومياً في أيام الأسبوع نحو 46%.
كما أظهر 33% من المشاركين حصولهم على أقل من 7 ساعات من النوم يومياً خلال ليالي عطلة نهاية الأسبوع.
وفي المجمل؛ تتوافق هاتان الدراستان مع الاتجاه العالمي الذي يشير إلى خروج وباء السهر وعدم الحصول على القسط الكافي من النوم بين المراهقين والأطفال عن السيطرة.
فعلى سبيل المثال؛ في دراسة علمية نُشِرَت عام 2017 بالتعاون بين جامعتي آيوا ستيت وسان دييغو ستيت، قارن العلماء عدد ساعات النوم الليلية التي يحصل عليها المراهقون بالنظر لبيانات ضخمة تعود لأعوام 1991 و2009 و2015.
وقد وجد الباحثون أن نحو 40% من المراهقين في عام 2015 قد ناموا أقل من 7 ساعات في الليلة؛ بحيث أنهم كانوا أكثر عرضة لذلك بنحو 58% مقارنة مع أقرانهم عام 1991، وبنحو 17% مقارنةً مع أقرانهم عام 2009.
وفي نفس الدراسة؛ أشار الباحثون إلى أن المراهقين الذين قضوا 5 ساعات يومياً على الإنترنت قد كانوا أكثر عرضة بنسبة 50% لاختبار مشاكل عدم النوم الكافي بينهم مقارنةً بأقرانهم الذين يقضون ساعة واحدة فقط على الإنترنت كل يوم.
وعلى نطاق أوسع؛ نَشرَت "مجلة صحة المراهقين" (The Journal of Adolescent Health) في شهر أبريل/نيسان عام 2020، دراسة حديثة جمعت بيانات أنماط النوم والاختلافات الاجتماعية والديموغرافية لأكثر من 120 ألف مراهق من نحو 24 دولة من قارّتيّ أوروبا وأميركا الشمالية.
وقد خَلُص العلماء الذين مثَّلوا نحو 16 جهة بحثية، إلى أن أنماط نوم المراهقين المشاركين في الدراسة؛ والذين بلغ متوسط أعمارهم نحو 13 عاماً، اختلفت باختلاف الدول والفوارق الاجتماعية والديموغرافية.
وعلى الرغم من ذلك؛ وجد الباحثون أن النوم غير الكافي في أيام الدراسة أمر شائع بين المراهقين في العديد من تلك الدول؛ ما دفع العلماء للتوصية بتشجيع جهود الصحة العامة والسياسات الصحية التي من شأنها تعزيز أنماط النوم الصحية للمراهقين.
عواقب قلة النوم بين المراهقين والأطفال
بالإضافة إلى العواقب السلبية التي ذُكِرَت في بداية حديثنا؛ تخبرنا ليا كامبل؛ الكاتبة لصالح منصة "هيلث لاين" في مجالات الصحة النفسية والعقلية والتبنّي والأبوة والأمومة، أن عواقب السهر بين المراهقين والأطفال قد تظهر بشكل واضح لدى أبنائكم على النحو التالي:
- زيادة التقلُّبات المزاجية.
- النعاس في أثناء القيادة.
- مشاكل مع النوم في المدرسة.
- ظهور أعراض شبيهة بالاكتئاب.
- انخفاض الاهتمام بالأنشطة التي كانت تثير اهتمامهم.
وفي الحالات الشديدة؛ قد تزيد احتمالية الأحداث السلبية مثل: مخاطر حوادث السيارات، والحصول على درجات دراسية متدنِّية، وظهور أفكار سلبية تتمحور حول إيذاء النفس.
الأساليب العملية لمواجهة وباء السهر
بحسب ليا كامبل في مقالتها التي تتحدث عن وباء السهر وعدم أخذ القسط الكافي من النوم بين المراهقين والأطفال، فمن الممكن للوالِدين ومقدمي الرعاية أن يقوموا بالخطوات التالية لمواجهة مخاطر السهر:
- إغلاق الأجهزة الإلكترونية بحلول الساعة 10 مساءً: حيث تُعرف بأثرها السلبي على جودة النوم ووقته.
- الحد من استهلاك الكافيين: فقد يؤثر تناوله على وقت الذهاب إلى النوم.
- خلق بيئة مناسبة لأنماط النوم الصحية: فقد يساعد الحد من النوم الصباحي والسهر خلال عطلة أيام الأسبوع من اتجاه المراهقين والأطفال إلى السهر ليلاً.
- المساعدة في اتخاذ قرار تحديد الأولويات لهم: فقد يساهم الانتهاء من الواجبات المنزلية مبكراً في تعزيز نومهم في الوقت المناسب.
طب النوم واضطرابات النوم في الدول العربية
لعل من المهم المرور ولو باختصار على التحديات التي تواجه مجال طب النوم واضطرابات النوم في الدول العربية. فعلى الرغم من توفر بعض الدراسات التي تصف النوم وجودته واضطراباته وآثاره على المجتمعات العربية؛ يبقى المجال مفتقراً لكثير من المُمكِّنات.
وقد لَخَّص استشاري اضطرابات النوم؛ الدكتور أحمد سالم باهمام، وزملاؤه بعضاً من التحديات التي تواجهنا في الدول العربية، في دراسة حديثة نُشِرَت عام 2019، بالتعاون بين قسم طب الأسرة ومركز اضطرابات النوم بجامعة الملك سعود، بمساهمة من برنامج التقنيات الاستراتيجية للخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
ومن هذه التحديات ما يلي:
- نقص الأطباء المؤهلين وتقنيي النوم المُدَرَّبين.
- معرفة وإدراك العاملين في مجال الرعاية الصحية باضطرابات النوم.
- التأمين الصحي وتكاليف التشخيص والعلاج.
- قلة وجود مختبرات لطب النوم واضطرابات النوم.
- معضلة نقص الأدوية في بعض الدول مع ضرورة استيرادها.
- وأخيراً؛ الحاجة للمزيد من الأبحاث العلمية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تدرس انتشار اضطرابات النوم المختلفة في الدول العربية.
في الختام؛ يجب علينا كأفراد أن نعي حجم الضرر الناجم عن الآثار السلبية لقلة النوم بين المراهقين والأطفال، إنها تهدد صحتهم العامة وخصوصاً النفسية والعقلية؛ ما يُحتِّم علينا أخذ زمام المبادرة، وتسهيل تبنّي أنماط النوم الصحية التي تضع النوم ليلاً كأولوية لا غنى عنها.
كما يجب على الوالِدين ومقدمي الرعاية مساعدة أبنائهم في التعامل مع السهر وقلة النوم بشكل مثالي وواقعي؛ وذلك من خلال إشراكهم في عملية علاجهم ورحلتهم لتبنّي أنماط النوم الصحية المناسبة لأعمارهم.