إحدى الحقائق التي أذكر بها نفسي بين الحين والآخر أننا معشر البشر طباعنا وتراكيبنا الشخصية ليست واحدة حتماً، فهناك شخص حاد الطباع وآخر لين، ويوجد من لا يتأثر بآراء الآخرين وآخر تزعجه أقل الآراء حدة، لذلك من الضروري أن نتعرف إلى كيفية التعامل مع أوسع عدد ممكن من أنواع الشخصيات حتى نتسم بالذكاء الاجتماعي، وإحدى الشخصيات التي تستوجب التعامل بحكمة ووعي معها هي الشخصية شديدة الحساسية.
محتويات المقال
تعرف عالمة النفس إيلين آرون الشخصية شديدة الحساسية بأنها تتفاعل بدرجة أعلى من المعتاد مع المحفزات الداخلية والخارجية، مثل الألم والجوع والضوء والضوضاء، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين ينتمون لهذا النوع يكونون أكثر انزعاجاً من غيرهم تجاه العنف أو التوتر أو الشعور بالإرهاق، ما يجعلهم يبذلون جهداً مضاعفاً لتجنب المواقف التي يحتمل أن تقودهم إلى هذه المشاعر المزعجة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أنهم شخصيات لديهم مستويات أعلى من الإبداع وعلاقات اجتماعية أكثر عمقاً وميل إلى تقدير الجمال.
ويوضح الطبيب النفسي إبراهيم حمدي أن الحساسية النفسية تؤثر في تفاعلات الشخص مع الآخرين، وفي قدرته على التعامل مع الضغوط اليومية، وتجعله أكثر عرضة للصدمات النفسية والاكتئاب، لذا أرى أن المدير في حال كان يعمل في فريقه شخص يتسم بالحساسية الشديدة فمن المهم أن يتعرف إلى كيفية التعامل معه وإدارته بالطرائق المثلى حتى يستفيد من قدراته وفي الوقت نفسه لا يؤذيه، وهذا ما سنستعرضه بالتفصيل في مقالنا.
10 إرشادات فعالة لإدارة الموظف شديد الحساسية بذكاء
توجد ملاحظة من واقع الحياة الإدارية؛ هي أنه في حال عومل الشخص شديد الحساسية بالطريقة نفسها التي يعامل بها باقي الموظفين فقد ينتج عن ذلك الكثير من حالات سوء الفهم، لذا ينبغي اتباع العديد من الإرشادات التي تسهم في استخراج نقاط قوته وتخفيف الصعوبات التي قد يواجهها، وأهمها:
1. انظر إلى الحساسية باعتبارها ميزة
يساعدك ذلك على التفكير عكس الآراء السائدة التي ترى في الحساسية عيباً وضعفاً، فتندفع في اتجاه إيجابي إلى الاستفادة من ميزات الموظف شديد الحساسية مثل الإبداع والتعاطف والاهتمام بالتفاصيل، وذلك في بعض المهام مثل حل المشكلات وبناء الفرق، وتوجيه عمليات الوساطة.
2. لا تفاجئه
يعني ذلك أن تنتبه على سبيل المثال في حال كان سيتحدث في اجتماع ما، وحاول قدر الإمكان تخصيص بيئة عمل تتيح له الانخراط في التركيز دون مقاطعات غير متوقعة، ومن أهم الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق ذلك وضع "عدم الإزعاج".
3. وفر له الوضوح
يقتضي هذا أن تكون التوقعات وتفاصيل الأدوار والمهام موضحة بمنتهى الدقة؛ إذ قد يؤدي الغموض إلى توتر الموظف شديد الحساسية وإفراطه في التفكير، وقد يساعدك هنا وضع أدلة للعمل ومخططات للاجتماعات.
4. اجعله يأخذ وقته
تجنب الضغط المباشر على الموظفين الذين يمتلكون الحساسية العالية، وامنحهم دائماً وقتاً كافياً للتفكير ومن ثم الرد، على سبيل المثال أرسل لهم جداول أعمالهم مسبقاً، وشجعهم على تقديم الملاحظات بخصوصها.
5. اصنع له مكاناً مريحاً
مثلما ذكرنا في بداية المقال فإن الشخص مفرط الحساسية يكون أكثر تأثراً من المعتاد تجاه المحفزات الخارجية، لهذا عليك أن توفر له اختيارات تساعده على العمل في بيئة مريحة، مثل إتاحة السماعات العازلة للضوضاء والمساحات الهادئة، إلى جانب خيارات الإضاءة المرنة.
6. تعرف إلى رأيه في بيئة العمل
هذه الخطوة فعالة للغاية، فهي تسهم في معرفتك بالأساليب المجدية وغير المجدية المتبعة لتحسين بيئة العمل له، ومن ثم تساعده على الوصول إلى أفضل مستويات الأداء.
7. انتقده بحرص
بما أن الأشخاص الذين يتمتعون بالحساسية الزائدة هم حساسون تجاه النقد فعليك أن تقدم ملاحظاتك لهم بأسلوب بناء ومهذب دون تزييف للحقائق، واحرص على تقديم أمثلة محددة واقتراحات عملية لحل الإشكال، مع توضيح أن النقد موجه تجاه العمل لا الشخص حتى تحميهم من الشعور بالانزعاج.
8. كن واعياً بصفاته
بعض المشاريع قد تتناسب مع الشخص شديد الحساسية والبعض الآخر منها قد يتعاكس معها، لذا تعرف مع الوقت إلى الصفات التي يتسم بها وفكر جيداً قبل إسناد مشروع أو مهمة جديدة إليه إذا كانت تتناسب مع صفاته أم لا.
9. شجعه على وضع الحدود
يميل الشخص شديد الحساسية إلى الخجل ومن ذلك الهروب أحياناً من التعبير عن نفسه، أو عدم مصارحة الآخرين برفضه لبعض القرارات، لكن هذا قد يدفع بعض الأشخاص في بيئة العمل إلى تجاوز حدودهم معه، وهنا يأتي دورك في تشجيع الموظف شديد الحساسية على أن يضع حدوداً واضحة مع الزملاء ويعبر عما بداخله.
10. اسمح له بأخذ فترات للراحة
نظراً لأن الشخص الذي يتميز بالحساسية المرتفعة يجهد ذهنه بدرجة أعلى فهو قد يحتاج إلى فترات راحة أكثر تكراراً من غيره لاستعادة نشاطه، لذا تفهم طلبه لأخذ راحات قصيرة بين الحين والآخر، واجتهد لأن تزيد مرونة العمل بإتاحة اختيارات منها العمل عن بعد أو العمل الهجين.
اقرأ أيضاً: كيف تدير توترك النفسي في الشركات الناشئة وتبقى بكامل طاقتك؟
لماذا قد يعد الموظف شديد الحساسية كنزاً غير مكتشف؟
"الأشخاص الذين يتميزون بسمة الحساسية الزائدة لا يدركون العالم كما هو، بل كما يشعرون به، فالكلمة العادية تترك أثراً، ونبرة الصوت تحمل معنى، واللحظات العابرة تتحول إلى ذكريات طويلة المدى، قلوبهم تلتقط التفاصيل التي لا يراها الآخرون، وهذا جميل لكنه مرهق".
تغريدة معبرة للغاية كتبها مختص العلاج النفسي معتز العتيبي في حسابه على منصة "إكس"، وهي تعكس المميزات التي يحملها الشخص مفرط الحساسية، ومن أهمها في مجال العمل:
- تمتعه بالضمير الحي، فهو عادة ما يبذل قصارى جهده في العمل ساعياً إلى التميز متجنباً الأخطاء، متسماً بالولاء العميق والأخلاق الحميدة، مهتماً بأدق التفاصيل، وجميع ما سبق يجعله شخصاً جديراً بالثقة.
- قدرته الفائقة على ربط النقاط بعضها ببعض، والتي تنبع من ملاحظته أدق التفاصيل وتفكيكه المشكلات المعقدة، ما يجعله أكثر أفراد الفريق براعة في تحديد المخاطر التي ربما يتغافل عنها الآخرون.
- تعزيزه للعلاقات الإيجابية في العمل، لأن الشخص شديد الحساسية غالباً ما يكون دبلوماسياً للغاية ومهذباً يتفهم من حوله، لذا يمكنه بسهولة صنع نموذج إيجابي يقتدي به الآخرون في العلاقات المهنية.
اقرأ أيضاً: 7 إشارات تدل على أن زميلك في العمل ليس بخير على الرغم من تكتمه