ملخص: يعتقد بعض الآباء أن التربية تقتصر على تلبية الاحتياجات الأساسية للأبناء، لكن للجوانب العاطفية دور جوهري في تطوير شخصية الطفل؛ إذ عندما يتعرض للإهمال في عائلته ويشعر أنه "غير مرئي" لمن حوله يميل إلى الانطواء ويمتنع عن التواصل مع الوسط المحيط به. وتتفاقم هذه المشكلة النفسية في سنوات النضج وتتجلى في سلوكين سلبيين متناقضين؛ فإما أن يعمل الشخص جاهداً على إرضاء الآخرين ولو على حساب صحته النفسية، أو أن يعزف عن التفاعل الاجتماعي ويزهد في بناء العلاقات شخصية، وكلا السلوكين يضر بصحته النفسية.
محتويات المقال
قد نعتقد أن جراح الطفولة النفسية يشفيها الزمن والنضج والتجارب، ولكنها تبقى ملازمة لنا مع تقدمنا في السن وبعضها أقلّ وضوحاً من غيره. ليس من الضروري أن تكون هذه الجراح النفسية نتيجة التعرض لعنف جسدي أو صدمة نفسية، بل قد تكون نتيجة لتجارب عاطفية أخرى مثل شعور الطفل بأن وجوده غيره مهم، وهو ما يسميه الطب النفسي "متلازمة الطفل غير المرئي".
إذا شعرت وأنت طفل أن والديك لم يهتما بمشاعرك ورغباتك واحتياجاتك، ولم يمنحانك مساحة للتعبير عنها أو لم يصغيا إليك، فربّما شعرت بأنك غير مرئي لأحد، وهذا الشعور له عواقب غير محمودة.
كيف يؤثر نقص الاهتمام في صحة الطفل النفسية؟
تقول المعالجة النفسية، شاري ستاينز، في موقع سايك سنترال (PsychCentral) الإلكتروني: "إذا نشأت طفلاً غير مرئي في عائلتك، فسوف تجد صعوبةً حين تكبر في إشباع حاجتك إلى انتباه الآخرين إليك". ولأنك نشأت سنوات دون أن يهتم بك والداك أو ينتبها إليك أو يسمعاك فقد تشعر بأنك عديم القيمة، وأن احتياجاتك وسماتك الشخصية هي عيوب في نظر الآخرين.
تضيف ستاينز: "إذا نشأت في عائلة لا تهتمّ لاحتياجاتك ورغباتك وآرائك فمن المرجح أنك شككت في حقك في الوجود". وحين لا تجد الاهتمام من والديك اللذين من المفترض أن يعتنيا بك ويهتما بك، فستتشكل لديك قناعة بأن وجودك لا يؤثر في أحد، وستشعر بأنك عديم القيمة ولا أحد يهتم لأمرك. وعندما تكبر، تتجلى تحربتك هذه في أحد هذين السلوكين: أن تسعى لتُثبت قيمتك للآخرين يوماً بعد يوم، أو أن تستسلم لإحساسك أنك عديم القيمة.
اقرأ أيضاً: ما علامات عقدتيّ النقص والتفوق؟
سلوكان شائعان لدى البالغين الذين عانوا متلازمة الطفل غير المرئي
تقول عالمة النفس جولي سميث إن شعور الشخص بأنه غير مرئي يظهر بطريقتين متناقضتين؛ إذ قالت في مقطع فيديو نشرته في منصة إنستغرام: "إما أن تحاول إرضاء الآخرين كأنك تسعى باستمرار لتنال حقك في الوجود، وإما أن تفعل العكس، أي أن تنسحب من حياتهم فلا تتواصل معهم ولا ترغب بمحادثتهم لأنك تعتقد أنه لا أحد يمكن أن يتحمّلك".
السلوك الأول شبيه بسلوك الشخص الحريص على إرضاء الآخرين تلخص المعالجة النفسية سيلفي ساكسينا هذا السلوك في موقع تشوزينغ ثيرابي (Choosing Therapy) قائلة: "يبذل الشخص كل ما بوسعه ليرضي الآخرين دائماً"، فيضحّي باحتياجاته ورغباته ومشاعره لينال قبول الآخرين وتقديرهم له.
وقد يمارس الشخص السلوك الثاني من منطلق إرضاء الآخرين أيضاً، فينسحب من حياتهم تماماً ولا يزعجهم بحضوره. تقول جولي سميث: "كلا السلوكين يضر بك، فالحريص على إرضاء الآخرين يعيش قلقاً مشغولاً بسعيه الدائم لنيل رضاهم، وفي المقابل، يواجه من ينعزل عن الآخرين صعوبة في بناء علاقات شخصية حقيقية".
اقرأ أيضاً: ما هي عقدة النقص؟