إن المخاوف التي نعاني منها في عصرنا هذا لا تُعد ولا تحصى، فنحن نخاف من البطالة والإخفاق والإقصاء الاجتماعي والهجمات الإرهابية والإصابة بالأمراض، وحتى أن فكرة سيطرة مشاعر الخوف علينا في حد ذاتها تثير ذعرنا. وتشير أوجه مخاوفنا العديدة هذه إلى مفارقة كبيرة؛ ذلك أن رفاهة الأفراد اليوم تُعد محط اهتمام أكثر من أي وقت مضى. فيما يلي يشاركنا مختص علم الاجتماع فنسنت دي غوليجاك آراءه حول هذا الموضوع.
عالم خالٍ من الخوف
من الناحية الموضوعية، فإن عصرنا الحالي يُعتبر أقل فظاعةً بكثير من فترات سابقة قريبة نسبياً، ولا سيما ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عندما وقعنا بين فكيّ النازية والستالينية، وحين لم يكن ثمة اهتمام برفاهة الأفراد وسعادتهم. أما اليوم فنجد أننا نتمتع بتأمين اجتماعي في مواجهة المرض والبطالة، ورغم أنه من المسلم به أن مرضاً كمرض الإيدز في عصرنا هذا يلقي بظلاله على حياتنا، فلا يمكن مقارنته بحال من الأحوال بمرض الطاعون على سبيل المثال. وما يثير التساؤل هو معاناة الفرنسيين من القلق بصورة أكبر من بعض المجتمعات في الدول الأخرى التي لا يتمتع أفرادها بالقدر ذاته من سهولة الوصول إلى الرعاية الطبية والمساعدة الاجتماعية.
إذاً هل يقودنا هذا إلى اعتبار المخاوف التي نعاني منها غير مشروعة؟ في الحقيقة أنا أرى أن مخاوف الإنسان مشروعة دائماً؛ ذلك أن هذه المخاوف هي نتاج مجموعة من الظواهر المعاصرة التي تفضي معاً إلى انعدام الأمن الشخصي والجماعي، ولعل أولها هو تطور فكرة الفردانية كأحد العوامل التي أدت إلى عزل الذات واعتبارها قيمةً مستقلةً وأصلاً يكون الفرد مسؤولاً عنه بمفرده؛ ما يعني أن عليه الالتزام بصورة دائمة بأن يكون نفسه ويحقق ذاته على جميع المستويات المهنية والشخصية والعاطفية ليجد أنه أصبح عبئاً على نفسه.
وفي مواجهة هذا الوضع ينطوي بعض الأشخاص كالعاطلين عن العمل أو الشباب الباحثين عنه، على أنفسهم ويعتبرون أنهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن الإقصاء الاجتماعي الذي يتعرضون له، وعدم قدرتهم على القيام بما يتطلبه الاندماج في المجتمع، بينما يعاني آخرون من فرط الانفعال والقلق المستمر. تنشأ مشاعر القلق لدى الفرد عندما يجد نفسه عالقاً بين رغباته غير المحدودة من جهة، والإحباطات التي يتعرض لها خلال محاولة التعايش مع باقي أفراد المجتمع من جهة أخرى، فهذه المشاعر هي جزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية. ولكن ليتمكن من الاستمرار في الحياة فإنه لا بد أن يكون قادراً على التعبير عن هذه المشاعر والتنفيس عنها بطريقة مقبولة اجتماعياً كأن يستثمر في المثُل الجماعية العليا ومباعث الأمل التي تَعد بمستقبل أفضل، وهي أمور بتنا نفتقر إليها اليوم.
إضافةً إلى ذلك؛ نلاحظ أن جميع الاحتفالات التقليدية الجماعية، (كالكرنفالات على سبيل المثال) التي كانت تتيح لأفراد المجتمع التنفيس عن العواطف العنيفة والمشاعر السلبية، آخذة في الزوال ليبقى كل إنسان وحده حبيس قلقه. ورغم هذا الدور الذي كانت تؤديه هذه المناسبات فإن اختفاءها من حياتنا يعود أيضاً إلى ربطها بمخافة أخرى وهي وقوع الهجمات الإرهابية، وقد بدأنا نلاحظ ذلك بصورة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وكل ذلك على الرغم من أن احتمال الموت في حادث سير أكبر من احتمال الموت في تفجير إرهابي. ونشير هنا إلى أن خطة فيجيبيرات (Vigipirate) لمواجهة التهديدات الإرهابية في فرنسا لم تعد حالةً استثنائيةً وذلك منذ عدة سنوات، فقد أصبحنا في حالة تأهب دائم وهو الأمر الذي يثير شعوراً مؤلماً بأن التهديدات تطال كل مكان في البلاد.
من جهة أخرى فإن أحد أهم أسباب القلق الذي يعاني منه الأفراد هو وجود فجوة بين تخيلاتهم وتوقعاتهم من جهة، والواقع من جهة أخرى، فالتقدم العلمي والتقني وحتى القانوني جعلنا نظن أننا سنتجه نحو مجتمع أكثر تناغماً لا صراعات فيه، وأننا سنكون قادرين على التحكم في مصايرنا. لقد جعلت العبارات التي تحثنا على الإيجابية والانفتاح والتفاؤل، تقبُّل المحن والآلام أمراً عسيراً علينا وصرنا نعيش في وهم هذا العالم الجميل الخالي من الألم. فها هو مرض الإيدز الذي يأتي ليحطم الصورة الجميلة التي رُسمت للعلاقات الحميمية في الستينيات والسبعينيات كمكان للحرية وتحقيق الذات؛ إذ من الضروري اليوم أن تكون ممارسة العلاقات الحميمية آمنةً وإلا فإنها قد تسبب الموت. ولننظر أيضاً إلى المستشفيات التي نقصدها بغرض العلاج؛ كيف أصبحت في حد ذاتها مكاناً محتملاً لالتقاط عدوىً خطيرة، وكيف تحولت المدرسة من مكان يندمج الطلاب فيه إلى بيئة تتسم بالعنف والابتزاز وانعدام الأمن، فهذه المؤسسات لم تعد تقوم بدورها الوقائي المنوط بها.
إنه من الجنون بمكان أن نتخيل إمكانية التخلص نهائياً من المعاناة والمرض والعنف في عالمنا، فالمحن والخراب والموت أمور من صلب حياتنا وتتمركز في الجزء الأكثر حميمية من كياننا، وترتبط بما يسميه المحللون النفسيون الفرويديون "حافز الموت" لدينا، وكلما حاولنا إنكار هذه السلبية الموجودة في الحياة ازدادت شدةً وأصبح تحملها أصعب علينا. أخيراً نقول إن القلق الجماعي قد ساد في المجتمع عوضاً عن روح التعاون بين أفراده؛ وكأن هذا القلق قد أصبح صدىً لما يعاني منه كل منا.
سبر أغوار مخاوفنا
لا تشبه مخاوفنا اليوم تلك المخاوف المجردة التي كان البشر يعانون منها قبل ألف عام من الآن، فوفقاً لاستطلاع كان لويس هاريس قد أجراه لصحيفة ليبراسيون (Libération) اليومية بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2002؛ كان 78% من الفرنسيين يتوقعون وقوع صراع عسكري كبير، وتوقع 76% وقوع كارثة بيئية أو طبيعية واسعة النطاق وركود اقتصادي حاد، وتوقع 75% أنهم قد يجدون أنفسهم أو أحد المقربين منهم عاطلين عن العمل خلال الأشهر القادمة.
بالنسبة للعديد من علماء النفس وعلماء الاجتماع، فإن مخاوفنا الداخلية تتفاقم بسبب الأسلوب الدرامي للأخبار التلفزيونية التي تصدمنا وتُشعرنا بأننا قد أدركنا متأخرين كمية المآسي المتتالية؛ الأمر الذي يجعلنا نظن أنه لا بد من وجود "قوى شريرة" لا يمكن ردعها قد عقدت العزم على تدمير كوكبنا دون أن نتمكن من الوقوف في وجهها.
ما الذي يثير قلقك؟
كوثر ذات الـ 41 عاماً، يثير قلقها "المناخ الاجتماعي"
تقول كوثر: "يشعرني المناخ الاجتماعي بالإحباط لعدة أسباب مثل عدم توافر فرص العمل والعنف بين الناس وغيرها، وحتى لو لم أتأثر شخصياً بعدم الاستقرار الاقتصادي فأنا حساسة جداً للجو الذي يخلقه هذا الوضع وهو ينطوي على تهديد وضغط يُضعف الناس ويجعلهم عرضةً للقلق".
سامر ذو الـ 53 عاماً، يخشى "الهجمات الإرهابية"
يقول سامر: "عندما أقرأ الصحف وأشاهد الأخبار وأكتشف أن هذه الهجمات تتزايد أشعر بقلق شديد، وعندما أرى أن الكثير من الأماكن تتعرض للهجمات الإرهابية وأفكر أننا قد نتعرض لها هنا أيضاً أصاب بالهلع وأشعر بأننا لم نعد في مأمن أبداً".
أحمد ذو الـ 26 عاماً، يشعر بالقلق على مستقبله
يقول أحمد: "أقلق عندما أشعر بعدم اليقين حيال قدرتي على تحقيق طموحاتي وتوقعاتي الشخصية وتوقعات الآخرين مني فهذه الرابطة بين ما أريد أن أكون وما سأكون عليه فعلاً تثير خوفي".
حسام ذو الـ 36 عاماً، يخاف من المرض
يقول حسام: "أنا أخاف من الأمراض المنقولة في العلاقات الحميمية وهو الأمر الذي يمنعني من إقامة علاقات حميمية خارج إطار الزواج".
سمر ذات الـ 30 عاماً، تشعر بالقلق على مستقبل البيئة
تقول سمر: "أشعر بالخوف الشديد على مستقبل البيئة عندما أرى ما نفعله لكوكبنا، وعندما أرى عدم اكتراث الدول القوية لهذا الأمر ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض اتباع المعايير البيئية رغم أنها ليست معايير قاسية".
حسن ذو الـ 28 عاماً، يخاف من الإرهاب
يقول حسن: "تثير التهديدات المرتبطة بالإرهاب والصراعات خوفي الشديد، وذلك لأنني ولدتُ في بيروت خلال الحرب ولا أريد خوض هذه التجربة مرةً أخرى".
سميرة ذات الـ 20 عاماً، تخاف من الفشل
تقول سميرة: "أنا الوحيدة التي أدرس من بين إخوتي وأخواتي وتتوقع عائلتي مني الكثير؛ الأمر الذي يضعني تحت ضغط الخوف من الفشل. لكن هذا الخوف يحفز في الوقت ذاته رغبتي في النجاح لأكون مصدر فخر لنفسي وأسرتي".
ياسر ذو الـ 61 عاماً، يخاف من الحرب
يقول ياسر: "إن احتمال شن حرب على بلدي هو مصدر القلق الكبير الذي أشعر به الآن وأخشى العواقب المحتملة لذلك على بلدي وبقية العالم فقد يمهد هذا لاندلاع حرب عالمية ثالثة".
هيثم ذو الـ 23 عاماً، قلِق بشأن تخرجه من الجامعة
يقول هيثم: "أنا في سنتي الجامعية الأخيرة ولذلك فإن كل مخاوفي تتمحور حول هذا الأمر. هل سأجتاز الامتحانات النهائية؟ هل ستكون رسالة التخرج التي سأقدمها جديرةً بالتقدير؟ وهل سأتمكن بعد ذلك من الاندماج في سوق العمل وتحقيق أداء جيد؟".
سوسن ذات الـ 30 عاماً، تخاف من التقدم في العمر
تقول سوسن: "لقد أدركت منذ 5 سنوات أنني بدأت أتقدم في العمر وهذا الأمر يرعبني، فليس ثمة ما هو أبشع من النظر في المرآة وملاحظة ذلك، ومهما اعتنيت بنفسي لن أتمكن من تجاهل هذه الحقيقة".
سوزان ذات الـ 22 عاماً، تشعر بالقلق بسبب وسائل الإعلام
تقول سوزان: "لا تثير التهديدات الإرهابية خوفي بقدر ما تفعل وسائل الإعلام عندما تنشر أخبار الانتحاريين والقتلة. إنها تخنقني وتصيبني بالهلع".
وسيم ذو الـ 30 عاماً، يقلقه انحراف الشباب
يقول وسيم: "يخيفني هؤلاء الشباب المنحرفون الذين يتعاطون المخدرات ويرتكبون جرائم الاغتصاب والسرقة، فأنا أرى أن انحدارهم الأخلاقي يتزايد باستمرار؛ الأمر الذي يثير قلقاً حقيقياً في المجتمع ورغم أنني لم أتعرض للأذى على يد أحدهم فإنني أفكر بأنه يوماً ما سيكون لدي طفل وسأخاف عليه منهم".
فؤاد ذو الـ 25 عاماً، يخاف من أن تمضي حياته دون أن يفعل شيئاً لنفسه
يقول فؤاد: "ما يخيفني هو فكرة أن أجد نفسي عجوزاً في يوم من الأيام دون أن أكون قد فعلتُ شيئاً لنفسي في الحياة، فأنا لا أريد أن أكتشف في نهاية حياتي أنني تعرضتُ للاستغلال من الآخرين وقدمت لهم كل ما لدي".
ليلى ذات الـ 45 عاماً، تخاف من الوحدة
تقول ليلى: "إذا كان هناك شيء واحد أجده مخيفاً فهو الشعور بالوحدة. ورغم أنني لا أعاني منها اليوم فقد مررت بها سابقاً وأرى الكثيرين ممن حولي يعانون منها ولا أظن أنه يوجد أقسى على المرء من هذا الشعور".
نجوى ذات الـ 29 عاماً، تقلقها تصرفات السياسيين
تقول نجوى: "إن ما يثير قلقي هو نفاق السياسيين وأنانيتهم وعدم اهتمامهم بمحاربة الظلم والمعاناة".
هشام ذو الـ 35 عاماً، يخاف من مشاعر الخوف في حد ذاتها
يقول هشام: "على الرغم من أن كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة إلي في الوقت الحالي، فإنني دائماً ما أتساءل: "هل سيدوم ذلك؟". نعم في الحقيقة كل ما يخيفني في الوقت الحالي هو التعرض لأي أمر قد يثير مخاوفي؛ ذلك أن هذه المشاعر ستكون دلالةً على زوال السعادة التي أنعم بها الآن".