كيف يرتبط القلق والاكتئاب بزيادة احتمالية الإصابة بالجلطات الدموية؟ دراسة تجيب

4 دقيقة
القلق والاكتئاب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

كشفت دراسة حديثة نُشرت في المجلة الأميركية لعلم الدم (American Journal of Hematology) في الأسبوع الأول من شهر يوليو/ تموز عام 2024، عن وجود صلة مقلِقة بين اضطرابات الصحة النفسية، وخصوصاً القلق والاكتئاب، وزيادة خطر الإصابة بجلطات الأوردة العميقة. فما الذي توصلت إليه الدراسة بالتحديد؟

اقرأ أيضاً: هل يسبب الضغط النفسي الإصابة بجرثومة المعدة؟ وماذا نفعل لتخفيفه؟

بعد 3 سنوات من المتابعة، ما الذي توصّل إليه الباحثون؟

حللت الدراسة التي قادتها مديرة قسم امراض الدم في مستشفى ماساتشوستس العام (Massachusetts General Hospital)، الطبيبة راشيل روسوفسكي (Rachel Rosovsky)، بيانات تشمل نحو 119 ألف شخص؛ يعاني معظمهم القلق أو الاكتئاب أو الحالتين معاً.

وقد أجرى الباحثون عدة اختبارات شملت فحوصات التصوير المقطعي لقياس مستويات النشاط العصبي المرتبط بالتوتر في مناطق الدماغ المختلفة، مع التركيز على كلٍّ من اللوزة الدماغية المسؤولة عن معالجة التهديدات والاستجابة لها، والقشرة الجبهية الأمامية البطنية المسؤولة عن تنظيم اللوزة الدماغية والتحكم في الاستجابات العاطفية.

بالإضافة إلى قياس كلٍّ من مستويات البروتين التفاعلي سي (C Reactive Protein. CRP) العالي الحساسية؛ وهو مؤشر إلى الالتهاب، وتقلّب معدل ضربات القلب؛ وهو مؤشر إلى مدى قدرة الجسم على التكيف مع التوتر.

وقد امتدت الدراسة مدة 3.6 سنوات تقريباً، أُصيب خلالها نحو 1,780 مشاركاً بجلطة وريدية عميقة؛ حيث وجد الباحثون أن أولئك الذين يعانون القلق كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بتجلط الأوردة العميقة بنسبة 53%؛ بينما كان أولئك الذين عانوا الاكتئاب أكثر عرضة إليها بنسبة 48%، مقارنة بالأفراد الذين لا يعانون هذه الحالات.

اقرأ أيضاً: هل يسبب الضغط النفسي الشيب المبكر؟ وما الذي يمكنك فعله لمواجهته؟

وفقاً للدراسة: ما هي العلاقة بين القلق والاكتئاب وزيادة تجلط الأوردة العميقة؟

في البداية، ما هو تجلط الأوردة العميقة أو ما يُسمى "الخثّار الوريدي العميق"؟ هو حالة تنطوي على تشكّل خثرة دموية في وريد عميق، وعادة في الساقين. يمكن لهذه الجلطات أن تحد من تدفق الدم؛ ما يسبب الألم والتورم، وعادة ما تكون دون أعراض ملحوظة.

ومع ذلك، ينشأ الخطر الحقيقي إذا انفصل جزء من الجلطة وانتقل إلى الرئتين؛ ما يمنع تدفق الدم ويسبب ضيقاً في التنفس وألماً في الصدر وقد يسبب الموت. وقد اقترحت الدراسة 3 آليات أساسية يمكن من خلالها أن يؤدي القلق والاكتئاب إلى زيادة خطر الإصابة بالجلطة الوريدية العميقة.

اقرأ أيضاً: ما أسباب السعال النفسي؟ وكيف يمكن علاجه؟

1. زيادة النشاط العصبي المرتبط بالتوتر

يُظهِر الأفراد المصابون بالقلق والاكتئاب نشاطاً أعلى في اللوزة الدماغية والقشرة الأمامية البطنية مقارنة بالأشخاص غير المصابين؛ ما يشير إلى زيادة الحساسية للتوتر. وقد وُجد أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات نشاط أعلى من المعدل الطبيعي في هذه المناطق، يكونون أكثر عرضة إلى الإصابة بجلطة وريدية عميقة بنسبة 30% أعلى من أولئك الذين يمتلكون مستويات طبيعية.

حيث يؤدي هذا النشاط العصبي المتزايد إلى زيادة تحفيز محور تحت المهاد الذي يشمل كلاً من الغدة النخامية والغدة الكظرية؛ ما يؤدي إلى إطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول وزيادة الالتهاب. وقد وُجد أن مستويات الكورتيزول المرتفعة باستمرار تسهم في حالة فرط تخثر الدم؛ حيث يكون الدم أكثر عرضة إلى التجلط.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين ضغط الدم والصحة النفسية؟ وماذا نفعل لضبطه؟

2. زيادة الالتهاب

ترتبط الضغوط النفسية المزمنة والاضطرابات العاطفية ارتباطاً وثيقاً بالالتهابات؛ إذ وجدت الدراسة أن الأفراد الذين يعانون القلق والاكتئاب يمتلكون مستويات أعلى من البروتين التفاعلي سي "سي آر بي" العالي الحساسية. يمكن أن يؤدي الالتهاب إلى خلل في وظائف البطانة الداخلية للأوعية الدموية بحيث تصبح أكثر عرضة إلى الخطر، ويزيد تنشيط الصفائح الدموية وزيادة التصاقها بجدران الأوعية الدموية؛ ما يعزز تكوين جلطات الدم.

اقرأ أيضاً: ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟

3. انخفاض معدل تغيُّر ضربات القلب

يتغيّر معدل ضربات القلب وفقاً لحالة الجسم وما يفعله في هذا الوقت؛ إذ يكون المعدل بطيئاً في حالة الاسترخاء؛ في حين يصبح سريعاً في حالة النشاط أو التوتر. لذا؛ يُعد تغيُّر معدل ضربات القلب أمراً جيداً؛ لأنه يعكس مدى قدرة الجسم على التكيف مع الظروف المحيطة.

وقد لاحظ الباحثون أن الأفراد الذين يعانون التوتر المزمن والقلق والاكتئاب يُظهِرون انخفاضاً في معدل تغيّر ضربات القلب مقارنة مع الأشخاص غير المصابين؛ وهو ما يمثّل علامة على ضعف التنظيم الذاتي؛ أي يشير إلى نظام قلبي وعائي أقل مرونة، وأقل قدرة على الاستجابة للعوامل المسببة للتوتر بكفاءة؛ ما يفاقم في المحصلة زيادة خطر تجلط الدم.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يسبّب الإجهاد والتوتر سرطان الثدي؟

7 نصائح للحفاظ على صحتك النفسية والوقاية من خطر الجلطات الدموية

إذاً، تسلِّط هذه الدراسة الضوء على التأثير الكبير الذي يمكن أن تُحدثه الصحة النفسية في الصحة الجسدية؛ فالقلق والاكتئاب ليسا مجرد حالتين نفسيتين؛ بل يمكن أن تكون لهما آثار ملموسة وخطرة على الجسم.

لذلك؛ من المهم أن يكون الأفراد الذين يعانون القلق أو الاكتئاب على دراية بخطر الإصابة بجلطات الدم لاتخاذ تدابير استباقية (مثل الفحوصات الطبية المنتظمة)، وإدارة عوامل الخطر الأخرى (مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة)، والتفكير في إجراء تغييرات على نمط الحياة على نحو يقلل التوتر والالتهاب؛ وإليك أبرزها:

  1. تعلَّم استراتيجيات إدارة التوتر من خلال ممارسة اليوغا والتأمل والتنفس العميق واليقظة الذهنية وممارسة الامتنان وتدوين اليوميات.
  2. مارِس التمارين الرياضية بانتظام. أما بالنسبة إلى النشاط الرياضي المناسب لحالات القلق والاكتئاب، فيمكن القول إن أنواع التمارين الرياضية جميعها مفيدة، سواء التمارين الهوائية مثل المشي أو تمارين المقاومة أو اليوغا. لكن ومع ذلك، قد تكون تمارين المقاومة ذات تأثير أكبر في تقليل الاكتئاب؛ في حين تكون تمارين العقل والجسد مثل اليوغا والتاي تشي أكثر فعالية في تقليل القلق.
  3. اتبع نظاماً غذائياً صحياً غنياً بالفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك، مع الحد قدر الإمكان من الأطعمة العالية المحتوى من الدهون والسكريات. من المفيد أيضاً أن تكثر تناول الأطعمة المضادة للالتهابات؛ مثل الخضروات الورقية الخضراء وزيت الزيتون والطماطم والأسماك الدهنية والمكسرات والفاكهة، وتتجنب الأطعمة التي قد تحفز الالتهابات؛ مثل الكربوهيدرات المكررة (خبز أبيض ومعجنات) والبطاطس المقلية والمشروبات الغازية واللحوم المصنعة.
  4. نل قسطاً كافياً من النوم مدته 7-9 ساعات ليلياً، وحافظ على روتين نوم صحي؛ مثل أن تستيقظ وتنام في الموعد ذاته كل يوم، وأن تتبع روتيناً ليلياً يساعدك على الاسترخاء والاستعداد للنوم مع تجنُّب استخدام الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة.
  5. ابنِ علاقات قوية مع أفراد العائلة؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) عام 2024، أن الدعم الذي تقدمه لأفراد الأسرة وشركاء الحياة يقلل التوتر على نحو كبير؛ ما يؤدي إلى زيادة الشعور بالسعادة وانخفاض القلق والاكتئاب.
  6. ابتعد عما يسبب لك التوتر والقلق أو خفِّف تعرضك إلى هذه المحفزات؛ مثل تقليل التعامل مع الأشخاص السامين الذين لا تستطيع قطع علاقاتك بهم تماماً.
  7. استشر الطبيب النفسي في حال معاناة بعض الأعراض الجسدية أو النفسية غير الطبيعية أو في حال معاناة التوتر المزمن الذي لا تُمكنك إدارته بنفسك.