ملخص: يتخذ الكثيرون قرارات إيجابية في بداية العام الجديد لكنّهم يخفقون في تنفيذها؛ وقد يعود هذا الإخفاق أحياناً إلى عدم الإيمان بجدوى هذه القرارات وأهميتها. يقدّم هذا المقال 4 أسباب تؤيد هذه القرارات الإيجابية وتفسّر دواعي الحرص عليها. إليك التفاصيل.
محتويات المقال
1. لأنها تدفعنا نحو المستقبل
إنها مثل فصل الربيع الذي يتهيّأ للظهور في أوج فصل الشتاء؛ حيث تواصل النباتات نموّها تحت طبقات الثلج؛ وكذلك نحن تتولّد لدينا في نهاية العام حاجة إلى بدء العام الجديد بقواعد جديدة وإحداث التغيير في حيواتنا. فما سبب هذا التعطّش إلى التجديد؟ يقول الطبيب النفسي ومؤلف كتاب "أفضل معالج هو أنت" (Le meilleur thérapeute, c’est vous) الصادر عن دار النشر أوديل جاكوب سنة 2023 (Odile Jacob) آلان براكونييه (Alain Braconnier): "تمثل الرغبة التي تحرّكنا دافعاً من دوافع الحياة ومولّداً للطاقة يدفعنا إلى التقدم، اتخاذ قرارات إيجابية يعني الإيمان بقدرات التطوّر الذاتية وإمكانية المبادرة وتحدّي النفس بل إدهاشها، والتعبير عن هذه الرغبة الذاتية والمتفائلة في التغيير علامة على الصحة النفسية الجيدة، فالأشخاص المصابون بالاكتئاب مثلاً لا يقوون على اتخاذ هذه القرارات؛ لأن الحياة في نظرهم معركة خاسرة أصلاً". لذا يغرس اتخاذ القرارات الإيجابية روح الأمل والحماس في نفوسنا؛ بل إنه يكاد يكون إكسير شباب، فلا شيء أكثر إحباطاً للإنسان من شعوره بالجمود.
2. لأنها تُشعرنا بالأمان
من الصعب أن ننتبه إلى ما هو إيجابي في عصر الكوارث وعدم اليقين الذي نعيش فيه. يضيف المعالج النفسي: "في ظلّ استحالة تغيير العالم فإن السيطرة على واقعنا الشخصي تمكنّنا من محاربة الشعور بالعجز وتخفيف القلق". يكفي أن نفكّر في الهدف الذي وضعناه كي نشعر بارتياح وثقة أكبر في المستقبل.
يحلّل الطبيب النفسي آلان براكونييه هذه المسألة قائلاً: "لِقرارات العام الجديد الإيجابية مفعول التميمة النابع من الفكر الطفولي السحري؛ كأنّ اتخاذ هذه القرارات يسمح لنا بتحقيق رغباتنا وتجنّب المصائب المحتملة: إذا توقفت عن التدخين سأبعد عنّي مرض السرطان، هكذا يقول المدخّن في نفسه مثلاً".
3. لأنها تشجعنا على تحقيق التقدّم
"كن هادئاً" أو "اجتهد في دراستك" أو "رتّب غرفتك". كنّا نسمع هذه الأوامر من آبائنا في الطفولة وكنّا نُلزم أنفسنا بالاجتهاد لإرضائهم. إذا كنّا اليوم نتعهّد بالاهتمام بحالاتنا الصحية من خلال التوقف عن التدخين أو ممارسة الرياضة أو التغذية المتوازنة أو التقليل من الغضب، وإظهار المزيد من الحزم في العمل فإن الهدف من ذلك كلّه هو تحسين صورتنا في نظر أنفسنا ونظر الآخرين.
يوضّح الطبيب النفسي آلان براكونييه ذلك قائلاً: "التقدّم مسألة مسجّلة في ماضينا النفسي، والقرارات الإيجابية تجبرنا على اختبار ضمائرنا؛ إنها تضعنا في مواجهة عيوبنا ونواقصنا وعاداتنا السيئة، لا سيّما آلياتنا الدفاعية المعوّقة أو تصرّفاتنا المندفعة التي تبعدنا عن غاياتنا المثالية، فالتساؤل عن سبب الفشل في تنفيذ قرار من هذه القرارات أو التفكير في القدرات الشخصية التي مكّنتنا من النجاح في قرار آخر سابقاً يولّد تأملاً مذهلاً في ذواتنا التي تبقى وحدها المؤهَّلة لمساعدتنا على التغيير الحقيقي".
تجبرنا القرارات الإيجابية على اختبار ضمائرنا من خلال وضعنا في مواجهة عيوبنا.
4. لأنها تعلّمنا التواضع
تظلّ "قراراتنا الكبرى" مجرد أحلام مستحيلة في أغلب الأحيان. إذا تحلّينا بالحكمة الكافية لتقبّل هذه الحقيقة فإنها لن تكون مخيّبة لآمالنا كثيراً. يقول آلان براكونييه: "تُعلّمنا هذه الأماني الصادقة مبدأ الواقعية وتذكّرنا بمحدودية قدراتنا البشرية وعيوبنا الحتمية، ولا سيّما أن إنكار صعوبة المسار الذي علينا قطعه لن يقودنا إلا إلى الفشل".
لذا يحذرنا الطبيب النفسي آلان براكونييه قائلاً: "نخطئ غالباً في تحديد رغباتنا الحقيقية، ونحن نتقدّم في حياتنا الودّية والعاطفية والمهنية والأسرية حتّى إن لم نكن واعين بذلك بالضرورة؛ لأن هذا التقدّم ليس مرئياً ولا فورياً ولا يحدث في الميادين التي نتصورّها بالضرورة".
كيف نتّخذ القرارات المناسبة؟
تجنّبْ الأهداف المجرّدة والمستحيلة، ولا تستخدم صيغ "يجب" و"عليّ أن" التي تذكّر بسلطة الوالدين أو المجتمع. اهتمّ بالرغبات التي تعبّر عن شخصيتك وتُشعرك بالمتعة ولها معنى في نظرك مثل الحرص على الرجوع مبكراً إلى البيت من أجل قضاء المزيد من الوقت مع أسرتك أو العودة إلى ممارسة نشاط رياضي أو فنّي كنت تمارسه في الصِّغر أو تجديد الاتصال بصديق من أصدقاء الطفولة.
- تأكد من أن الوقت مناسب للتغيير. إذا كنت منشغلاً أصلاً ببذل الجهد في حل مشكلة معينة فمن الممكن أن تؤجل قرارات العام الجديد دون أن تشعر بالذنب.
- خذ رغبة الآخر بعين الاعتبار لأن أمور حياتك لا تعتمد "كلّها" على قراراتك وحدك؛ بل إن تنفيذها بقوة قد يولّد مقاومة لدى من حولك.
- لا تتردد في طلب المساعدة من خلال إحاطة نفسك بأصدقاء يتمتعون بالعقلية نفسها أو طلب النّصح من ذوي الخبرة أو استشارة مدرّب أو استخدام بعض التطبيقات المختصّة.
- اعتمد على العلاج النفسي لتتمكن من حصر رغباتك "الحقيقية"، التي قد تكون أحياناً حبيسة توقعات الوالدَين أو أزمة ولائك لهما.
اقرأ أيضاً: