إذا كان هناك عيب نتمنى امتلاكه، فقد يكون طلب الكمال. ومع أن طلب الكمال ينطوي على العديد من السلبيات، فإنه يمثّل من الناحيتين الشخصية والمهنية حليفاً للطَموحين والساعين إلى تطوير مسارهم المهني. إنه يدفعنا للأمام، ويساعدنا في تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها. لكن لماذا نعتبره عيباً؟
محتويات المقال
ربما يكون طلب الكمال في بعض الأحيان حليفاً لمسارنا المهني، لكنه ليس مفيداً دائماً لصحتنا النفسية. يضع من يطلب الكمال معايير عالية، كما أنه يخشى الفشل، ويميل إلى التسويف؛ أي أن السعي إلى الكمال لا يسمح لنا دائماً بتحقيق التميز، وهنا يجب أن ننتبه لنفهم الفرق.
مختصة نفسية تخبرنا بالفرق بين طلب الكمال والسعي للتميّز
نادراً ما يكون طلبنا للكمال صدفةً، فهو من جوانب الشخصية التي غالباً ما تتكون في أثناء مرحلة الطفولة. كتبت المختصة النفسية، نوال مصطفى، في منشور على إنستغرام: "ربما تعلّمنا أن قيمتنا مرتبطة بالنجاح. إذا لم تتلق الثناء إلا على نجاحاتك، وتعرضت إلى الانتقاد بقسوة بسبب أخطائك وفشلك، فالأرجح أنك فهمت الكمال بطريقة خاطئة. وهذا لأن طلب الكمال سببه الخوف؛ الخوف من الفشل، والخوف من خذلان الآخرين، والخوف من عدم التمتع بالكفاءة اللازمة. وفي المقابل، فإن التميز يرجع إلى الرغبة في النمو والتحفيز الشخصي".
يساعدنا تعلم التمييز بين أسلوبي النمو الشخصي على اختيار مسار صحي ومتوازن أكثر لتطوير أنفسنا. وقد عددت مصطفى في منشورها الخصائص المختلفة لكل أسلوب. إن دافع طلب الكمال هو رغبة المرء في اعتراف الآخرين به أو نيل رضاهم عنه، وخوفه من ألا يكون جيداً بما يكفي في أعين الآخرين وعدم تلبية توقعاتهم. فيركز طلب الكمال على تجنب الأخطاء أو الأحكام. ويدفعنا إلى التعامل مع النصائح والتعليقات على أنها نقد للقيمة، ما يؤدي إلى اتخاذ موقف دفاعي.
على العكس من ذلك، فإن دافع السعي للتميز هو الرغبة في تحقيق الذات بصورة كاملة، والشعور بالفائدة، والتماشي مع القيم الشخصية والعمل من أجل تطوير الذات. فيركز السعي للتميز على التقدم بدلاً من بلوغ الكمال، ويدفعنا إلى التعامل مع النقد على أنه فرصة للنمو، والترحيب به على أنه وجهة نظر بنّاءة تتيح تحسين المهارات.
كيف يمكن أن يؤذي طلب الكمال صحتنا النفسية والجسدية؟
يفيد التفريق بين هذين الأسلوبين في التخلص من "عيب" طلب الكمال. تنبهنا المختصة النفسية على ذلك: "عندما نفكر سلباً في أنفسنا بصورة متكررة، فإننا نقوي تلك الروابط في الدماغ التي تدعم هذه الأنماط الفكرية السلبية. فإذا قلنا لأنفسنا باستمرار عبارات مثل: 'أنا لست جيداً بما فيه الكفاية' أو 'لن أكون جيداً بما فيه الكفاية أبداً'، يبرع الدماغ في التفكير تلقائياً بهذه الطريقة، ما يجعل كسر هذه الدورة صعباً". وهذا ما يصنعه طلب الكمال بالضبط. إنه يرسّخ شعورك بأنك لست جيداً بما فيه الكفاية.
لقد أشارت دراسات عديدة حول الموضوع إلى أن لطلب الكمال عواقب وخيمة على الصحتين النفسية والبدنية. ومع أن المفترض هو أن يمنحنا طلب الكمال زخماً، لكنه يدفعنا إلى التسويف خشية عدم إتقان العمل بما فيه الكفاية. كما يشير موقع ويب إم دي (WebMD) الإلكتروني إلى أنه عامل إجهاد وقد يرتبط بالقلق والاكتئاب. ويمكن أن يسبب الإعياء الشديد ويؤدي إلى اضطرابات مرتبطة بالإرهاق، مثل مشاكل الذاكرة أو الانتباه أو المخاطر على الصحة القلبية الوعائية.