كيف يسلبك الفراغ العاطفي استمتاعك بالحياة؟

4 دقائق
الفراغ العاطفي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

قد تظهر الإجابة المقتضبة "أنا بخير" كأول الردود وأسلمها عندما يسألنا أحدهم عن حالنا رغماً عما نشعر به. ويكون ذلك الرد محاولة منّا لإخفاء حقيقة الخدر والخواء والملل الذين يملؤون نفوسنا دون أن نفهم أسبابهم أو طبيعتهم، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى كلمات تعبر عن جوهر ذلك الشعور الذي يُعرف بـ "الفراغ العاطفي".

ما هو الفراغ العاطفي؟

يشير مفهوم الفراغ العاطفي إلى الشعور المزمن بالفراغ والخدر أو اليأس، وهو شعور قريب إلى حد ما من أعراض بعض اضطرابات الصحة النفسية والعقلية؛ مثل الاكتئاب أو انعدام الشعور بالسعادة أو الفصام. وينتج من الفراغ العاطفي انفصال الفرد عن ذاته وعمن حوله نتيجة تغلغله في كل جانب من جوانب حياته، وكذلك سلبه الشعور بوجود معنىً وهدف لها.

يوضح الطبيب النفسي الإكلينيكي مايكل فريدمان (Michael Friedman) في مقاله، إن الفراغ العاطفي هو أكثر من شعور بالخواء أو عدم الارتباط والتقيد بأي شيء؛ بل يمكن أن يكون هذا الشعور مزعزعاً للاستقرار والتوازن الداخلي للفرد ليصبح غير متأكد من كيفية المضي قدماً في حياته.

كذلك، قد يدفع هذا الفراغ العاطفي الشخص للوم نفسه على شعوره بذلك، ليتفاقم القلق الناتج من هذا الشعور. وفي هذه الحالات، قد يلجأ الفرد إلى طرائق تكيّف غير صحية لاستعادة الشعور بأي شيء من حوله؛ مثل الإفراط في تناول الأطعمة غير الصحية أو الانخراط في علاقات محفوفة بالمخاطر.

ويضيف فريدمان إن الفراغ العاطفي لا ينم دائماً عن مشكلة بداخل الشخص؛ بل يمكن أن يكون نتيجة صراع بين ذاته ومحيطه السام، فيلجأ الشخص إلى هذا الشعور بالخدر وعدم التفاعل مع ما ومَن حوله لأن هذه البيئة السامة لا تتوافق مع أهدافه، أو أن ما يريده ويسعى إليه غير متوفر فيها، فيكون هذا الشعور بالفراغ آلية لرفض العقل والجسم الاتصال بالبيئة السامة والاحتفاظ بمساحة آمنة للذات.

اقرأ أيضاً: ما تأثير العلاقات السامة في صحتنا النفسية والجسدية؟

ما أسباب الفراغ العاطفي؟

لا يمثل الشعور العابر بالفراغ مشكلة حقيقية إلا أن استمراره لفترة طويلة قد يشير إلى مشكلة نفسية أعمق.

ووفقاً لاستشاري علم النفس الإكلينيكي والأستاذ المساعد في علم النفس والعلوم السلوكية بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، سامي العرجان فقد تنبت جذور الفراغ العاطفي خلال مرحلة الطفولة بسبب تعرض الطفل لصدمات نفسية؛ مثل فقدان أحد الأبوين أو انفصالهما أو التعرض للتحرش، وكذلك نشأة الطفل في بيئة أُسريّة غير آمنة أو تحثه على كبت مشاعره وأن يكون أكثر صلابة عند محاولته التعبير عنها، أو تعاقبه على ذلك.

نتيجةً لذلك يتعلم الطفل كبت مشاعره، ومع التقدم في العمر يشعر بالخواء والملل والوحدة حتى خلال وجوده مع أشخاص آخرين، بالإضافة إلى فقدان المعنى والهدف والشغف والاستمتاع بالإنجازات لأنه من داخله يفتقد قيمة الأشياء ولا يستطيع الاستمتاع بما يحدث في حياته.

كما يرتبط الفراغ العاطفي بعدد من الاضطرابات النفسية بحسب مستشارة الصحة العقلية السريرية واختصاصية الإدمان، هيلي شافير (Hailey Shafir):

1. اضطراب الشخصية الحدية (BPD)

غالباً يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية من صدمة شديدة دفعتهم إلى تطوير طرائق تكيف غير صحية كما يمكن أن يعانوا من الشعور المزمن بالفراغ العاطفي.

2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

يعاني بعض الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة من خدر عاطفي أو شعور بالفراغ بعد حدث صادم في محاولة غير واعية منهم لحماية أنفسهم من الألم العاطفي المرتبط بالذكرى المؤلمة؛ والذي قد يسبب الكوابيس أو استرجاع ذكريات تجعلهم يعيشون الصدمة مرة أخرى.

3. الصدمة المعقدة

الصدمة المعقدة ليست تشخيصاً رسمياً؛ ولكن يمكن تعريفها بأنها تجربة فريدة من نوعها من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة تظهر غالباً على هيئة سمات وسلوكيات مرتبطة باضطراب الشخصية الحدية، يفقد فيها الفرد قدرته على تنظيم عواطفه، بالإضافة إلى شعوره بالفراغ أو الخدر أو الانفصال عن هويته.

4. الكآبة المعقدة

يُطلق على هذا الاضطراب اسم اضطراب الكآبة أو الفجيعة المعقدة والذي يحدث عندما يمتد حزن الشخص على فقدان أحد أفراد أسرته لفترة طويلة من الزمن؛ ما يتسبب في مشاعر الحزن والوحدة والفراغ والشوق العميق لمن يحب.

5. الاكتئاب الحاد

غالباً يعاني الأشخاص المصابون باضطراب اكتئابي حاد من فترات طويلة من الحزن والوحدة أو انعدام الشعور باللذة، ويصفون هذه الحالة بأنهم يشعرون بالفراغ داخلياً.

6. القلق

على الرغم من أنه أقل شيوعاً؛ إلا أن بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق قد يختبرون أيضاً مشاعر الفراغ العاطفي، وبخاصة عندما يدفعهم قلقهم إلى عزل أنفسهم اجتماعياً.

المشاعر المتعلقة بالفراغ العاطفي

تشير شافير في مقالها أيضاً إلى ارتباط الفراغ العاطفي بعدد من المشاعر الأخرى التي قد تفسر استمرار الشعور بالخواء لفترة طويلة كما يلي:

  1. فقدان الاستمتاع (Anhedonia): يصف هذا الشعور فقدان الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة التي كانت مصدراً للمتعة سابقاً، فقد يستمر الشخص الذي يعاني من هذه الحالة في ممارسة الأنشطة لكنه يشعر بالملل أو عدم الرضا عنها.
  2. اليأس: وهو نوع من الفراغ يشعر الفرد أنه لن يزول، مع عدم وجود احتمالية تحسًّن الأمور في المستقبل؛ ما يتسبب في الاستسلام أو الشعور بأن الحياة لا طائل منها.
  3. انعدام القيمة: ينطوي ذلك على الشعور بالخزي أو عدم الكفاءة؛ حيث يصف الفرد في هذه الحالة نفسه بأنه دون قيمة أو أنه غير مهم، ويأتي الفراغ من شعوره بأنه يفتقر إلى الصفات الجيدة أو المواهب أو نقاط القوة.
  4. الانفصال: قد يشعر الفرد بالانفصال العاطفي عن الآخرين، بينما يشعر آخرون بالانفصال العاطفي أو الجسدي عن أنفسهم أو عن الحياة.
  5. الخدر: يُعد الشعور بالخدر أو عدم القدرة على تجربة أي مشاعر على الإطلاق آلية دفاعية يطورها الفرد للتعامل مع الألم العاطفي، ويمكن أن يتطور ذلك رداً على صدمة أو سوء معاملة أو خسارة أو لمجرد تشتيت انتباهه عن عواطفه.

3 طرق للتغلب على الفراغ العاطفي

لما كان الشعور بالفراغ العاطفي أمراً قد نمر به جميعاً في مرحلة من مراحل حياتنا نتيجة المرور بصدمة أو حدث مؤلم أو المعاناة من الاكتئاب والقلق؛ تظهر أهمية إيجاد طرائق للتغلب عليه ويشير إليها فريدمان في مقاله كما يلي:

  1. قبول التجربة بدلاً من تجنبها: يساعد هذا النهج على خلق نمط صحي للاستماع إلى الجسم بدلاً من قمع تجاربه من خلال السلوكيات غير الصحية. ويشمل ذلك التأمل اليقظ أو كتابة المشاعر مع التركيز على التجربة الجسدية للفراغ: هل الفراغ شيء تشعر به في الجسد كله أم أنه موضعي في الرأس أو القلب أو المعدة؟ هل تشعر بألم؟ مهما كان الشعور، كلما تمكنت من ملاحظة الأحاسيس الجسدية للفراغ أصبحت أكثر وعياً بالتجربة.
  2. محاولة فهم سبب الفراغ العاطفي: لمحاولة فهم سبب هذا الشعور واستخدامه كعملية للتطور والتعلم؛ قد تفيدك كتابة قصة تشمل الخبرات السابقة ذات الصلة، والخسائر أو خيبات الأمل التي تعرضت لها مؤخراً والتي جعلتك تشعر بالانفصال عن ذاتك وحياتك.
  3. التفكير في استراتيجيات تكيُّف للشعور بقدر أقل من الفراغ: على سبيل المثال؛ قد تشعر عند ممارسة الرياضة أو الانخراط في شكل من أشكال العمليات الإبداعية كعزف الموسيقى، بمزيد من التكامل والتواصل مع نفسك. لذلك من المهم التفكير في أكبر عدد ممكن من استراتيجيات التكيف الممكنة التي تساعدك عند المرور بهذه الحالة العاطفية.

وأخيراً، يضيف فريدمان إنه بمجرد استكشاف ذلك الفراغ وفهمه والتعامل معه يمكن البدء في استخدام هذه المعلومات لتطوير خطة استباقية للمساعدة على منع الشعور بالفراغ العاطفي في المستقبل. كما يمكن البدء في تحديد المواقف التي تجعلك تشعر بمزيد من الراحة، والأخرى التي تجعلك تشعر بمزيد من الفراغ.

المحتوى محمي