هل يسبب غذاؤك الاكتئاب؟ دراسة حديثة تكشف الحقيقة

4 دقيقة
النظام الغذائي رديء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية علم الأعصاب الغذائي (Nutritional Neuroscience) في مايو/أيار 2024، عن وجود ارتباطات مهمة بين النظام الغذائي رديء النوعية وحدوث تغيرات سلبية في الدماغ تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق. وإليك ما تحتاج إلى معرفته، وكيف تُمكن الاستفادة من هذه النتائج بهدف صون صحتك النفسية.

اقرأ أيضاً: كيف يسهم الاكتئاب في اضطراب نظامك الغذائي وفقاً لدراسة حديثة؟ وما الذي يمكنك فعله؟

كيف رصد الباحثون التغير في أدمغة المشاركين؟

شملت الدراسة 30 متطوعاً قُسموا إلى مجموعتين؛ الأولى هي مجموعة تتبع نظاماً غذائياً عالي الجودة (حمية البحر الأبيض المتوسط)، والثانية تتبع نظاماً غذائياً رديء الجودة (عالي المحتوى بالسكريات والدهون).

ثم استخدم الباحثون تقنيَتين من تقنيات التصوير الدماغي لتصوير أدمغة أفراد كلتا المجموعتين؛ الأولى هي التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي من أجل قياس تركيزات بعض المستقبلات العصبية الموجودة في القشرة الجبهية الأمامية الوسطى، والثانية هي التصوير الحجمي من أجل قياس حجم المادة الرمادية في أدمغة المشاركين، خصوصاً في المناطق التي ترتبط بالاضطرابات النفسية الشائعة، ثم قارنوا هذه الصور بعضها ببعض، فتوصلوا إلى نتائج مثيرة للاهتمام.

اقرأ أيضاً: حافظ على مستويات جيدة من هذه الفيتامينات للوقاية من الاكتئاب!

ما هي التغيرات التي يُحدثها الغذاء الرديء في الدماغ؟

تبين أن النظام الغذائي رديء الجودة يؤثر كثيراً في صحة الدماغ؛ إذ يُحدث خللاً في توازن النواقل العصبية ويسبب تغيُّراً في حجم المادة الرمادية في الدماغ، وذلك على النحو التالي:

  • التغيُّر في تراكيز النواقل العصبية: وجدت الدراسة أن الأنظمة الغذائية السيئة تخفِّض تركيز حمض غاما أمينوبوتيريك (Gamma aminobutyric)؛ وهو ناقل عصبي مثبط؛ أي أنه يساعد على تهدئة الدماغ عن طريق تقليل استثارة الخلايا العصبية.

في المقابل، ترفع هذه الأنظمة الغذائية الرديئة الجودة مستويات الغلوتامات (Glutamate)؛ وهو ناقل عصبي يعزز النشاط العصبي؛ وم ثَمَّ يمكن لهذا الخلل بين حمض غاما أمينوبوتيريك والغلوتامات أن يسهم في حدوث اضطرابات المزاج وغيرها من المشكلات العصبية.

  • انخفاض حجم المادة الرمادية: تحتوي المادة الرمادية عدداً كبيراً من الخلايا العصبية في الدماغ، وقد وُجد أن المشاركين الذين تناولوا وجبات غير صحية عانوا انخفاضاً في حجم المادة الرمادية في مناطق القشرة الجبهية الأمامية الوسطى؛ وهي مناطق ذات صلة باضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تربط بين تناول المراهقين للغذاء غير الصحي والضيق النفسي

كيف فسّر الباحثون هذه التغيرات في كيمياء الدماغ وبنيته؟

ما يزال السبب الدقيق وراء تأثير النظام الغذائي في الدماغ على هذا النحو قيد البحث؛ لكن ثمة بعض التفسيرات المحتملة مثل:

  • التأثير في الاستقلاب وانتقال الإشارات العصبية: من المحتمل أن تغيّر الأطعمة العالية المحتوى بالدهون والسكريات كلاً من استقلاب حمض غاما أمينوبوتيريك والغلوتامات وانتقالهما العصبي؛ وهذا ما يتفق مع النتائج التي توصلت إليها دراسات علمية سابقة أُجريت على الحيوانات.
  • التأثير في ميكروبيوم الأمعاء: يُعتقد أن الأنظمة الغذائية السيئة تسبب خللاً في توازن ميكروبيوم الأمعاء (تشارك بعض أنواع البكتيريا في إنتاج النواقل العصبية)؛ ما يؤثّر في الآلية الخلوية التي تعمل على إنتاج النواقل العصبية المذكورة.

اقرأ أيضاً: ما تأثير بكتيريا الأمعاء في اضطراب مزاجك؟ وكيف تحسن عملها؟

  • تخفيض عدد العصبونات البارفالبومينية البينية (Parvalbumin interneurons): وهي خلايا عصبية مسؤولة عن توصيل حمض غاما أمينوبوتيريك إلى المكان المطلوب؛ ومن ثَمَّ يُحدِث انخفاض عدد هذه الخلايا بفعل اتباع الأنظمة الغذائية الرديئة خللاً في انتقال الإشارات العصبية.
  • التأثير في مستويات الغلوكوز والإنسولين: قد ترفع الأطعمة الغذائية السيئة مستويات الغلوكوز والإنسولين في الدم؛ ما يسهم في زيادة إنتاج الغلوتامات وإطلاقه مع إعاقة تخليق حمض غاما أمينوبوتيريك.
  • التأثير في الأغشية الخلوية: يعتقد الباحثون أن تناول الطعام العالي المحتوى من الدهون والكوليسترول قد يسهم في حدوث تغييرات في أغشية الخلايا؛ ما يؤثر في عملية إطلاق النواقل العصبية على النحو الذي لوحظ في الدراسة.

الجدير بالذكر أيضاً إن الدراسة تشير إلى وجود تأثير متبادل بين التغيرات في مستويات الناقلين العصبيين وبنية الدماغ والخيارات الغذائية؛ إذ تقول عالمة النفس والباحثة الرئيسة في الدراسة، بيريل هيبسومالي (Perel Hepsomali): "إن لحمض غاما أمينوبوتيريك والغلوتامات علاقة وثيقة بالشهية وتناول الطعام؛ أي قد يكون انخفاض مستويات حمض غاما أمينوبوتيريك مع زيادة الغلوتومات عاملاً دافعاً إلى اتخاذ خيارات غذائية غير صحية".

اقرأ أيضاً: اضطراب فقدان الشهية العصبي: التشخيص والعلاج

4 نصائح تساعدك على تعديل نظامك الغذائي بهدف تحسين صحتك النفسية

يقول الطبيب النفسي، إبراهيم الزايد: "إن الرياضة والغذاء الصحي معززان فعالان للصحة النفسية، فقد تكون الظروف الأخرى خارجة عن سيطرتك؛ لكن الغذاء والرياضة تحت إرادتك ولهما دوران كبيران في تعزيز صحتك النفسية". إذاً أنت حصيلة ما تأكله مثلما يُقال؛ لذا عليك أن تولي نظامك الغذائي أهمية كبيرة من أجل صيانة صحتك الجسدية والنفسية، وإليك بعض النصائح التي سترشدك في هذا السبيل:

  1. راقب عاداتك في الأكل وعدلها: إن الوعي بنظامك الغذائي وتأثيره في صحتك النفسية قد يساعدك على اتخاذ خيارات غذائية أفضل. فمن خلال تتبع نظامك الغذائي وتأثيراته في صحتك النفسية، يمكنك إنشاء دورة إيجابية حيث تؤدي عادات الأكل الأفضل إلى تحسن الحالة المزاجية والرفاهية؛ ما يشجع بدوره على الاستمرار في تناول الطعام الصحي. في المحصلة، يعزز هذا الوعي الذاتي الفوائد الصحية النفسية والجسدية الطويلة الأمد.
  2. اتبع حمية البحر الأبيض المتوسط: يرتبط هذا النظام الغذائي الغني بالفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة (القمح الكامل والشوفان والأرز البني) الطازجة أو القليلة المعالجة، والكميات المعتدلة من البروتينات الخالية من الدهون (الدواجن) والدهون الصحية (زيت الزيتون والأسماك والمكسرات)، بنتائج أفضل للصحة النفسية وبنية دماغية أكثر صحة.
  3. قلل تناول المأكولات العالية المحتوى من السكر والدهون المشبعة: مثلما رأينا؛ ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر والدهون المشبعة بمستويات غير متوازنة من النواقل العصبية وانخفاض حجم المادة الرمادية في الدماغ؛ ما قد يسهم في ظهور الاكتئاب والقلق والعديد من المشكلات الجسدية التي لا يُحمد عقباها.
  4. حافظ على صحة أمعائك: يمكن أن يؤثر النظام الغذائي الصحي في ميكروبيوم الأمعاءعلى نحو إيجابي؛ وذلك بدوره يمكن أن يؤثر في صحة الدماغ والمزاج؛ لذا قد يكون تضمين الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك (بكتيريا حية نافعة موجودة في بعض الأطعمة) مفيداً مثل الزبادي العادي غير المُحلى والأطعمة المخمرة مثل مخلل الخيار أو الملفوف.

وفي السياق نفسه، وُجد أن تناول الشوكولاتة الداكنة الغنية بالكاكاو (85% كاكاو على الأقل) باعتدال يغيّر تركيبة ميكروبات الأمعاء على نحو يحسّن الحالة المزاجية؛ بسبب إسهامها في رفع مستويات بعض أنواع البكتيريا المعوية المفيدة (Blautia obeum). من المهم أيضاً معرفة أن تناول الأطعمة المعلبة أو المصنعة التي تحتوي نسبة عالية من المواد المضافة والمواد الحافظة يعطل البكتيريا الصحية في الأمعاء.

اقرأ أيضاً: كيف تختار الشوكولاتة المناسبة لتعزيز صحتك النفسية؟