أهم 9 أسئلة حول القلق يجيب عنها طبيب نفسي

اضطرابات القلق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لاضطرابات القلق أنواع عديدة، وهي جميعها تمنع المصابين بها من عيش حياتهم بصورة سليمة، وعلى الرغم من صعوبة علاجها فإن التشخيص المبكر يُحدث فارقاً كبيراً في عملية تعافي المريض. وفيما يلي، يحدثنا الطبيب النفسي ديفيد غوريون عن هذا الموضوع بالتفصيل، مع نصائح في نهاية المقال للوقاية من القلق.

يسبب القلق معاناة نفسية وجسدية للمصابين به ويفسد حياتهم، وهم لا يتمكنون دائماً من التعبير عن حالتهم هذه. وفيما يلي، يحدثنا الطبيب النفسي ديفيد غوريون (David Gurion) بالتفصيل عن هذه المشكلة ويقدم نصائحه حول كيفية التعامل معها.

ديفيد غوريون هو طبيب نفسي ومختص مع الهيئة العليا للصحة، وله عدة مؤلفات. يركز في مقاليه الأخيرين “مضاد التوتر” (Anti Stress) و “شفاء أرواحنا المثخنة بالجراح” (Healing Our Wounded Souls) على اضطرابات القلق والأساليب المختلفة لعلاجها، ولنعرف تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، أجرينا معه المقابلة التالية.

1. ما هو القلق؟

ديفيد غوريون: هو مبالغة في شعور نشعر به جميعاً ومهم للبقاء؛ ألا وهو الخوف الذي لولاه لكانت المفترسات أكلتنا منذ زمن بعيد. إنه آلية دفاعية تجهزنا لاستجابة الكر أو الفر الموجودة لدى الكائنات كلها. ولأسباب معقدة؛ يتسم جهاز استشعار الخوف لدى المصابين باضطرابات القلق بأنه حساس جداً، ويمكن تشبيهه بنظام إنذار الأمان المنزلي الذي يكتشف عمليات الاقتحام بدقة شديدة. هل يشبه تسرب المياه من أحد الصنابير اندفاع شاحنة نحوك؟ بالتأكيد لا، فدرجة الخطر مختلفة تماماً؛ لكن الشخص القلق بطبيعته يرى مستوى التهديد متساوياً في الحالتين إذ يصعب على دماغه التمييز بينهما.

2. ماذا يحدث في الدماغ في حالة القلق؟

ديفيد غوريون: تخيل أن الدماغ مكوّن من طابقين: في الأعلى توجد قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التفكير والمنطق؛ وهو نظام متطور به توصيلات عصبية كثيرة ومن ثم فهو بطيء، أما أدناه، لديك الجهاز الحوفي؛ وهو بسيط للغاية ويسمح لك بالتصرف بسرعة. إذا أخذت وقتاً عندما تواجه ثعباناً لمعرفة ما إذا كان ساماً أو لا فأنت ميت لا محالة؛ إذ تحتاج في مثل هذا الموقف إلى عملية لا إرادية لا تمر عبر قنوات التفكير والعقلانية والذكاء، وهذه هي وظيفة المسار الحوفي؛ وهو مسار بُدائي يعزل المنطق والتفكير ويحفز هرمونات التوتر (الأدرينالين والنورأدرينالين والكورتيكوستيرويدات) التي تجهزك للتصرف (أي الكر أو الفر)، وتنجم عن ذلك تأثيرات جسدية: تسارع التنفس، وخفقان القلب، وأحياناً آلام المعدة، والشعور بالاختناق، والدوار.

3. تقول إن القلق يبدأ غالباً في مرحلة الطفولة؟

ديفيد غوريون: نعم، تبدأ اضطرابات القلق عموماً في مرحلة مبكرة بين سنَّي 10-12 عاماً وبين سنَّي 20-25 عاماً؛ إذ يعاني المرء في هاتين المرحلتين العمريتين هشاشة نفسية أكثر من أي وقت آخر، وكلما اكتشفنا الاضطراب مبكراً كان علاجه أسهل. يبدأ اضطراب القلق بحالتين رئيستين هما قلق الانفصال وقلق الأداء: يعاني الطفل المصاب بقلق الانفصال قلقاً شديداً عندما يبتعد عن والديه ومنزله، فلا يمكنه الذهاب في إجازة، أو في عطلات نهاية الأسبوع لزيارة الأصدقاء؛ إذ يقلق جداً عندما يغادر المنزل، وتنتابه مخاوف مثلاً من أن يحترق المنزل، أو يُقتحم، أو أن يموت والداه، ويفكر في هذه السيناريوهات طوال اليوم ما يصيبه بالحزن. قلق الأداء هو الخوف من عدم النجاح: في هذه الحالة يخاف الطفل كلما طُلب منه الخروج إلى السبورة، وفي أثناء الاختبارات والامتحانات، وعندما يتلقى درجاته الامتحانية، ويعاني تشنجاً في معدته صباحاً عند وصوله إلى المدرسة، ثم تسيطر عليه هذه الحالة وتتطور مع الوقت لتتحول إلى رهاب المدرسة.

4. ذكرتَ أيضاً دور العوامل الوراثية في اضطرابات القلق، هل يمكن أن توضح هذه النقطة لنا؟

ديفيد غوريون: أجرينا دراسات على عدة توائم؛ يعاني توأم في كل ثنائي منها اضطراب القلق، ولاحظنا أنه في حالة التوائم الأخوية (الثنائية الزيغوت)، ثمة فرصة 10% بأن يُصاب التوأم السليم باضطراب القلق؛ في حين ترتفع هذه النسبة في التوائم المتماثلة (الأحادية الزيغوت) إلى 50%؛ ومن ثم فإن للحِمل الوراثي دور في الإصابة باضطرابات القلق. لكن بيئة الفرد، ولا سيّما الأحداث الصادمة وتاريخه الشخصي، لا تقل أهمية عن ذلك، فالتعرض إلى الهجر والعنف والإساءة والتنمر المدرسي هي كلها عوامل تسهم في الهشاشة النفسية التي تؤدي إلى الإصابة باضطرابات القلق. أضف إلى ذلك فخ تعاطي المواد المخدرة والكحول الذي يقع به البعض أحياناً؛ إذ يكتشف أن لها قدرة على إزالة القلق فوراً لكن هذا التأثير المهدئ سرعان ما يؤدي إلى تأثير عكسي، فعلى الرغم من أن هذه المواد قد تهدئ القلق لحظة تعاطيها فإنها تزيده أضعافاً مضاعفة في اليوم التالي، ويتحول الأمر إلى حلقة مفرغة.

5. هل يمكن أن توضح لنا الأنواع المختلفة لاضطرابات القلق؟

ديفيد غوريون: النوع الأكثر شيوعاً هو اضطراب القلق المعمم؛ وهو قلق كامن ودائم وغير مستقر، والمخاوف التي تنشأ عنه إما أن تكون غير ذات صلة، وإما أن تتمحور حول موضوعات محددة، وأكثرها شيوعاً هي الصحة، صحة الشخص أو صحة أحبائه، والخوف من الحوادث، أو ضياع الفرص، أو الصعوبات الاقتصادية، أو الاستبعاد الاجتماعي، أو فقدان الوظيفة، أو التعرض إلى الرفض في العمل أو الحياة الشخصية. يتميز المصاب باضطراب القلق بمخيلته الواسعة، ولذلك؛ فإنه ينشئ في ذهنه سيناريوهات مزعجة للغاية.

وكان الكاتب المعروف مارك توين قد قال ذات مرة: “كانت لديّ مخاوف كثيرة في حياتي، ومعظمها لم يتحقق”، وهو يصف بدقة حال الأشخاص المصابين باضطراب القلق المعمم. لفترة طويلة، تعامل العديد من الأطباء النفسيين مع هذا الاضطراب بوصفه حالة عابرة؛ لكن الدراسات الحديثة أظهرت أنه يغير نوعية الحياة على نحو كبير؛ إذ يزيد احتمالات الإصابة بالاكتئاب والإدمان والانتحار وفقدان الوظيفة ويؤدي إلى مشكلات اجتماعية ومهنية، وغير ذلك.

6. ما هي اضطرابات القلق الأخرى؟

ديفيد غوريون: ثمة 5 اضطرابات قلق أخرى وهي: الرهاب البسيط: مثل رهاب الحيوانات ورهاب المرتفعات ورهاب الدم، وعلى الرغم من أننا قد لا نوليها أهمية كبيرة فإن عواقبها قد تكون وخيمة. رهاب القيء: أو الخوف من التقيؤ؛ وهو رهاب شائع بين المراهقين وقد يمنع المصاب به من حضور المناسبات أو الذهاب إلى المدرسة وما إلى ذلك.

اضطراب الهلع مع أو دون رهاب الخلاء: يتميز بنوبات قلق مصحوبة بضيق شديد وأعراض جسدية مختلفة؛ مثل خفقان القلب، والتعرق، والاختناق، والدوار، والشعور بأن كل شيء عبارة عن وهم، وهو اضطراب يسبب القلق التوقعي. ويستخدم المصاب باضطراب الهلع سلوك التجنب؛ أي يتجنب الذهاب إلى الأماكن التي سبق له أن أُصيب فيها بنوبه هلع، وفي بعض الأحيان، قد لا يخرج مطلقاً من المنزل.

وهناك أيضاً اضطراب القلق الاجتماعي الذي يصيب 5% من أفراد المجتمع، ويمكن أن يمنع المريض من عيش حياته بصورة سليمة لأنه يجبره على تجنب مختلف المواقف الاجتماعية مثل الخروج مع الأصدقاء وحتى أنه قد لا يذهب إلى العمل، وتتفاقم المشكلة مع حالة العزلة التي يدخل بها المريض تدريجياً.

وأيضاً اضطرابات الوسواس القهري الذي ينطوي على وساوس تركز على النظافة، والجراثيم، والنظام، والتناسق، والترتيب، وما إلى ذلك، أو حتى سلوكيات قهرية مثل غسل اليدين، والتحقق باستمرار من أقفال الأبواب أو موقد الغاز، ويحاول المريض بهذه السلوكيات احتواء قلقه لكن ذلك يكون مؤقتاً فقط؛ إذ يدخل في حلقة مفرغة وتصبح هذه الحلول المتصورة هي المشكلة في النهاية.

وأخيراً، اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي يحدث نتيجة مواجهة الموت في مرحلة ما. يعاني الأشخاص الذين تعرضوا إلى هجوم أو انفجار أو حادث خطِر أو كارثة، حالة من التوتر الحاد لبضعة أيام أو أسابيع بعد مثل هذه الحوادث، ويُصاب نحو 50% منهم بعد ذلك باضطراب ما بعد الصدمة، فيفقدون اتجاهاتهم المكانية والزمانية، ويظلون في حالة تأهب، ويعانون كوابيس متكررة كما يعانون أحياناً فقدان الذاكرة الناجم عن الصدمة، ثم تصبح هذه الأعراض مزمنة فتسبب لهم عجزاً نفسياً شديداً؛ الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة.

7. هل يمكنك اقتراح حلول للتخلص من اضطرابات القلق؟

ديفيد غوريون: من النادر أن تُشخص اضطرابات القلق كما ينبغي؛ لكن كلما اكتُشفت مبكراً ازداد احتمال التعافي منها. يتضمن علاج اضطراب ما بعد الصدمة الخضوع إلى علاجات موجهة مثل إزالة الحساسية وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين (EMDR)، أو تقنية التكامل العمري (Lifespan Integration) في حالة الصدمات المتكررة، مصحوبة أحياناً بوصفات دوائية.

وفي حالات اضطرابات القلق المتفاقمة التي تمنع المريض من عيش حياته بصورة سليمة والتي لا تستجيب إلى العلاج وحده، يستخدم المختصون أدوية السيروتونين المساعِدة بالاشتراك مع مضادات الاكتئاب، على سبيل المثال، مع توضيح عيوبها للمريض: تستغرق مدة 3 إلى 6 أسابيع لتبدأ بالعمل، ويمكن أن تقلل من الرغبة الجنسية، وتزيد الشهية والوزن. نتجنب اليوم المهدئات والبنزوديازيبينات مثل ترانكسين أو زاناكس قدر الإمكان، فعلى الرغم من أنها توفر راحة مؤقتة للمريض فإنها تسبب الإدمان.

8. ما العلاجات التي تنصح بها للاضطرابات غير المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة؟

ديفيد غوريون: ثمة عدة علاجات؛ لكن ينبغي قبل استخدامها تحديد مشكلة المريض بدقة. لذا؛ أقترح استشارة الطبيب العام في البداية، وإذا كان مدرَّباً سيتمكن من تشخيص الاضطراب وإحالة المريض إلى أحد مختصي علم النفس البارعين. فيما يتعلق بالعلاجات، فإن العلاجات السلوكية المعرفية (CBT) هي الأكثر استخداماً: تقدم العلاجات السلوكية تقنيات التعرض التدريجي التي تستخدم الواقع الافتراضي، وتساعد العلاجات المعرفية على إعادة هيكلة الأفكار غير العقلانية والتحيزات المعرفية.

أخيراً، تركز أساليب العلاج السلوكي المعرفي الحديثة على العواطف والمعنى باستخدام تأمل اليقظة الذهنية أو العلاج بالقبول والالتزام، وجدير بالذكر هنا إنه ينبغي الاهتمام بتعزيز المرونة المعرفية، وبخاصة في حالة الوسواس القهري الذي يصاحبه تفكير متصلب. لكن هذه العلاجات تتطلب التحفيز؛ إذ ثمة تمرينات تنبغي ممارستها، وهي رحلة طويلة وكأن المرء يتعلم لغة جديدة أو يتعلم قيادة السيارة؛ ومن ثم يمكن أن تستغرق 6 أشهر أو سنة. يمكن أيضاً استخدام أداة التحليل النفسي للخوض في عمق النفس وتفاصيلها.

9. هل يمكن لعادات محددة أن تجنبنا القلق؟

ديفيد غوريون: بالطبع، ثمة عادات إيجابية يمكننا تبنيها ومنها: ممارسة الأساليب التي تهدئ الذهن وتخلصك من اجترار الأفكار مثل تنظيم العواطف واليوغا وغيرها، وقد أنشأ العديد من البلدان في شمال أوروبا برامج للتأمل والتعاطف والاسترخاء للأطفال. من جهة أخرى، هنالك دور كبير لنمط الحياة في زيادة احتمال الإصابة باضطرابات القلق أو الوقاية منها، فالنشاط البدني المنتظم يمنع اضطرابات القلق؛ في حين أن كثرة تناول المنبهات تزيدها سوءاً على المدى الطويل.

وتُعد جودة النوم عاملاً رئيساً أيضاً؛ إذ إن تدنيها يؤثر سلباً في المعنويات ويؤدي إلى سرعة الانفعال، ولا يتلخص الأمر في مجرد النوم لـ 7 أو 8 ساعات؛ بل ينبغي أن يكون النوم منتظماً وفي الموعد ذاته كل يوم وحتى خلال عطلات نهاية الأسبوع. والأهم ليس وقت النوم بل وقت الاستيقاظ، فانتظامه سيُجنّبك الشعور بالإرهاق الجسدي والنفسي عند الاستيقاظ في أول يوم من أسبوع العمل.

ويساعد اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، وبخاصة حمية البحر الأبيض المتوسط، على الحد من القلق. لكن على الرغم من ذلك، فإن كل ما سبق ذكره لن يكون كافياً في حالة القلق الشديد، ويمثل الخضوع إلى العلاج المناسب حينئذ ضرورة لا مفر منها.

اقرأ أيضاً: كيف تميز بين التوتر والخوف والقلق والهلع؟

error: المحتوى محمي !!