عندما يصبح الرجل أباً، أو تصبح المرأة أمّاً، فإن حالة عاطفية غامرة تقترن بالأبوة والأمومة، تُحدث تأثيراً في حياة الوالدين؛ بما في ذلك تغيّر نظرتهما إلى الحياة المهنية في معظم الأحيان. تساهم هذه الحالة العاطفية في تغيير الرغبات، والطموحات، والأفكار، والطريق التي يسلكها الوالدان خلال بحثهما عن معنى الحياة، وتؤثر قبل كل شيء في النظرة إلى مفهوم التوازن بين العمل والحياة الشخصية والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية. يمكن للمرء أن يشعر برغبة في تغيير وظيفته، أو إعادة تشكيل حياته المهنية، أو حتى أخذ استراحة؛ وهي كلها مشاعر ترافق تلك اللحظة المحورية من حياته التي يصبح فيها والداً. لكن قد يصعب التوفيق بين متطلبات الأمان والاستقرار الضرورية والملازمة لولادة الطفل من جهة، ومتطلبات التنمية الذاتية الخاصة بكل فرد من جهة أخرى. توضح كلارا ديليتراز؛ الشريك المؤسس لـ سويتش كوليكتيف (Switch Collective)، وهي نفسها أم لطفلين صغيرين، 3 مخاوف ملموسة في هذا الصدد، لوحظت بين العديد من الآباء الذين شاركوا في برنامج "التقييم" (Fais le bilan)؛ وهو الجيل الجديد من برنامج تقييم المهارات، الذي تقدمه سويتش منذ 6 سنوات.
مخاوف الآباء والأمهات في العمل واستراتيجيات التعامل معها
أخشى أن أتعرض للتهميش والتمييز في العمل بعد أن أصبح أمّاً أو أباً
يخشى بعض الأشخاص من فكرة أن التغييرات التي قد يجرونها في حياتهم المهنية، بعد إنجاب طفل، قد تؤثر سلباً في مسارهم المهني. وقد تعتري المرء مخاوف بهذا الشأن تدفعه إلى التساؤل: هل سأكون قادراً على التطور بعد الآن في الشركة التي أعمل فيها؟ وهل سأتمكن من تسلق السلم الوظيفي، بينما لم يعد بإمكاني قبول الذهاب في رحلات العمل، وحضور الاجتماعات في أيام الجُمعة بعد الساعة 5 مساءً؟ إنها بالتأكيد مخاوف مشروعة وشائعة في هذا الصدد.
الاستراتيجية الصحيحة: اجعل رغبتك واضحة وعبر عنها صراحةً دون تعجّل
حاول أن تكون واضحاً حول رغباتك في العمل، ثم تحدث عن ذلك بكل صراحة. ربما اعتقدت أنه سيكون بإمكانك مواكبة الوتيرة التي كنت تعمل وفقها قبل أن يصبح لديك طفل، لكن تبين لك فيما بعد أن الأمر ليس بهذه السهولة، لذا فإن لك كل الحق في تغيير رأيك، وحتى ممارسة عمل آخر، وستكون السبل إلى ذلك أسهل مما تعتقد.
ومن الضروري أن تكون واضحاً بشأن ما تريده (أو ما لم تعد تريده)، فالوضوح يجعل كلامك أكثر تأثيراً، ويساعدك في تحقيق مبتغاك. أما إذا لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق ملائم لك مع الشركة التي تعمل فيها، فربما قد حان الوقت للمغادرة، والعثور على شركة أكثر انسجاماً مع قيمك وحاجاتك كوالد يعمل.
كان هذا هو الحال بالنسبة لـ لور، التي خضعت لبرنامج "التقييم" في عام 2018، تقول لور: "عندما انتهت إجازة الأمومة بعد ولادة طفلي الأول، عدت إلى عملي لأكتشف أنه تم إعادة تعييني إلى منصب أدنى، دون إخطاري ودون أن أوقع على أي تعديل في عقد العمل الأساسي. وسرعان ما بدأت معركة توازن القوى بيني وبين الشركة التي كانت تنتظر استقالتي من العمل، لذلك قمت بتعيين محامٍ. لقد كانت حالتي مثالاً صريحاً على التمييز ضد الموظفة التي تصبح أمّاً، لكنني تمكنت من تحصيل حقوقي المالية والمغادرة".
أخشى أن أعاني من ضائقة مادية بسبب تغيير وظيفتي ما يؤدي إلى غياب الأمان والاستقرار
قد يشعر المرء الذي اعتاد رعاية نفسه فقط بالضعف عندما يجد أنه أصبح مسؤولاً عن شخصٍ أو اثنين آخرين. وتبرز المخاوف المالية بصورة جليّة عندما يشعر المرء أن إعادة التفكير في حياته المهنية، هو أمر يتعارض مع الحاجة الملحة للاستقرار والأمان المالي في ظل قدوم مولود جديد. إن توفر وضع مادي مستقر وسلس بأي ثمن عندما يكون لديك طفل، هو اعتقاد مجتمعي راسخ، ويضاف على هذه المخاوف المالية، مخاوف الوقوع في شرك الإرهاق والتعب في أثناء السعي نحو تأمين هذا الاستقرار.
الاستراتيجية الصحيحة: استخدم جداول إكسل وحلل نفقاتك بدقة
يمكنك استخدام برنامج إكسل لإعداد جدول بنفقاتك، ومن ثم تحليل هذه النفقات من خلال تحديد ما تحتاجه منها حقاً، وتحديد تلك التي يمكنك الاستغناء عنها في حياتك وحياة عائلتك اليومية، بصورة تتيح لك إجراء التغيير الذي تفكر فيه بسلاسة. كما أن استخدام هذه الطريقة يتيح لك التخلص من الفكرة المحدودة حول المقدرة المالية التي تملكها.
يوضح باستيان؛ وهو مشارك سابق في برنامج "التقييم": "بالنسبة لي؛ كانت العوائق ماليةً في المقام الأول، وكنت خائفاً من فكرة أن أي تغيير سأجريه في حياتي المهنية سيؤثر سلباً في مقدرتي على تأمين الاحتياجات اللازمة لطفلي عندما يُولد". ويتابع: "لقد تغلبت على هذه العوائق ولم يقتصر التغيير على حياتي المهنية فقط؛ بل شمل حياتي الشخصية أيضاً، مع التمسك بحزم بهذه التغييرات. وعلى الرغم من انخفاض مستوانا المعيشي قليلاً؛ ولكنني على الأقل أقوم بأفضل ما يمكن لحياتي وحياة زوجتي وطفلي الذي لم يُولد بعد. من خلال مراجعة احتياجاتي، والتركيز على الأساسيات وعلى حياتي العائلية الجديدة القادمة؛ تمكنت من تجاوز هذه العوائق".
أخشى ألا أجد الوقت الكافي لإجراء تغيير في حياتي المهنية
عند قدوم مولود جديد، يشعر الأبوان بعدم تمكنهما من توفير الوقت الكافي لنفسيهما؛ بما في ذلك المعاناة من قلة النوم. بالإضافة إلى ذلك؛ يعتقد الأبوان أن أي تغيير في الحياة المهنية، سيتطلب مقدرةً أعلى على التكيف، وبذل جهود مضاعفة تستنزف طاقتهما تزامناً مع المعاناة من قلة النوم، وتحمل أعباء رعاية الطفل. إذاً هل يمكن لك التوفيق بين هذه النواحي؟ وكيف يمكنك توفير بعض الوقت لنفسك عندما تصبح أباً أو تصبحين أماً؟
الاستراتيجية الصحيحة: تقبّل أن موازنة هذه الأمور تستغرق وقتاً، وأنه ليس هنالك وقت مثالي لإجراء التغيير.
ومهما حاولنا تأجيل التفكير في هذا التغيير الذي نرغب في إجراءه، فإن هذه اللحظة التي نبدأ فيها بهذا الحوار مع أنفسنا آتية لا محالة.
تستغل بعض النساء إجازة الأمومة أو الحمل للتفكير في التغييرات التي يرغبن بإجرائها في حياتهن المهنية، بينما تفضل أخريات الانتظار، فكما أشرنا لا يوجد وقت مثالي لاتخاذ هذه الخطوة.
تقول مارين؛ وهي إحدى المشاركات السابقات في برنامج "سويتش": "لقد انتقلت إلى وظيفة أخرى ولكن ضمن نفس القطاع المهني الذي أعمل فيه؛ وهو وزارة التعليم الوطني، وأعمل حالياً بدوام من 80% فقط من ساعات العمل، بينما وضعت طفلي في الحضانة لأتمكن من توفير تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية وتوفير بعض الوقت لنفسي. وبهذه الطريقة؛ أتجنب إرهاق نفسي، قبل أن أمارس العمل الجديد بدوام كامل، فأنا أريد استعادة قوتي، ولا أريد أن تسير الأمور بسرعة كبيرة. إضافة إلى ذلك؛ تصطحب والدتي ووالدة زوجي ابننا من الحضانة مرتين في الأسبوع، وبينما يقضي بعض الوقت عند جدتيه قبل إيصاله إلى المنزل، فإنني أتمكن من الحصول على بعض الوقت لنفسي أيضاً، ورغم أنني لم أبدأ العمل بدوام كامل بعد، فإنني في تقدم مستمر نحو ذلك".