لا يعبر تاريخ الميلاد المدوَّن على بطاقة الهوية الخاصة بك دائماً عن عمرك الذي تشعر به في داخلك، وهو ما تحدث عنه علماء النفس منذ وقت طويل، وبالفعل فقد أكدت دراسة كبيرة صحة نظرياتهم.
عندما سمعتِ صاحب متجر البقالة يقول لكِ: "تفضلي سيدتي" لأول مرة فقد تلفتِ حولكِ ظناً منك أنه يكلم أحداً آخر، وفي كل مرة تحتفلين فيها بعيد ميلادك تعدين الشموع على قالب الحلوى وتقولين لنفسك: "أنا لا أصدق أنني أصبحت في هذه السن". لكن لا بأس فلستِ وحدك من تشعرين بأنك أصغر من عمرك الحقيقي. يشعر الكثير من الناس اليوم بأنهم أصغر سناً من عمرهم الحقيقي وهذا ما أكدته أبحاث مفصلة؛ إذ درس المحاضِر في الإدارة بجامعة أنجيه (Université d`Angers)، دوني غيو (Denis Guiot) هذا التناقض بين العمر الحقيقي والعمر المدرَك لدى الكثيرين، وأطلق عليه اسم "العمر الذاتي".
العمر الذاتي والصورة الذاتية
يسود بين الفرنسيين شعور بالشباب إذ يعتبرون أنهم أصغر من عمرهم الحقيقي بتسع سنوات في المتوسط، بينما يرتفع هذا الرقم إلى 20 سنة وسطياً لدى الأشخاص ممن تجاوزوا سن الـ 65، وعلى العكس من ذلك يشعر المراهقون والشباب في العشرينيات بأنهم أكبر من عمرهم الحقيقي بعامين في المتوسط. ويرى دوني غيو أن "العمر الذاتي" هو أحد أهم العناصر المكونة للصورة الذاتية،
وتشير دراسته على سبيل المثال إلى نساء لا يبدو عليهن أنهن ربات منازل في الخمسين من العمر، إذ يعشقن الاستماع إلى موسيقى الراب، ويهوَين السفر، ومن الملاحَظ أن القواسم المشتركة بينهن وبين أحفادهن تزداد أكثر فأكثر.
غياب الفروقات بين الأجيال
تؤكد هذه الدراسات، من بين مسائل أخرى، ما ذهب إليه مختصو علم النفس الاجتماعي حول عدم وضوح الفروقات بين الأجيال في مجتمعاتنا الحالية، وهو ما نراه في الاتجاهات الحالية، فمثلاً ثمة الكثير من البالغين الذين تمتد مرحلة المراهقة لديهم إلى ما لا نهاية. ومن جهة أخرى نرى الكثير من الأطفال الذين ينضجون مبكراً مدفوعين إلى ذلك من الكبار أنفسهم الذين يشعرون أنهم أصغر سناً؛ ما أدى إلى غياب الحدود بين الأجيال.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه التغيرات التي طرأت على الأجيال تؤكد مدى تأثير قيم المتعة والتفاؤل في سلوكيات الأفراد.على سبيل المثال فإن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50-64 عاماً ويشعرون بأنهم أصغر من عمرهم الحقيقي، ما زال لديهم طموح لتحقيق الإنجازات،ولذلك فهم يتشاركون القيم ذاتها مع المراهقين الذين ينضجون بسرعة نتيجة العمل على مشاريع مهمة.
يقول الطبيب النفسي وطبيب الشيخوخة ومؤلف كتاب "دليل الشيخوخة الصحية" (Guide du bien-vieillir)، أوليفييه دو لا دوسيت (Olivier de Ladoucette): "اعتباراً من سن الـ 45 تختلف علامات التقدم في السن من شخص لآخر فالذين يعتنون بأجسادهم سيكونون أفضل حالاً من أولئك الذين يهملونها. ولذلك فإن هنالك تفاوتات كبيرة بين الأشخاص في السن ذاته وهي ترجع إلى اختلاف العمر البيولوجي والعمر الزمني (العمر المُقاس بالسنة واليوم والشهر والساعة منذ لحظة الولادة وحتى الآن) والعمر العاطفي بينهم، وذلك على الرغم من أن جميعهم يتقدمون في السن في الواقع.
شباب الروح وليس المظهر
ولذلك فإن ما نتحدث عنه هنا هو شباب الروح وليس المظهر وهو شعور يزداد في مراحل معينة من الحياة كالسنتين التاليتين للتقاعد مثلاً؛إذ يشعر الفرد خلال هذه الفترة بأن لديه الكثير من المشاريع التي يود إنجازها. ومن جهة أخرى فإن الشاب الذي بدأ حياته المهنية للتو قد يشعر بانه أصبح أكبر سناً.
إضافةً إلى أنه يمثل انعكاساً للصورة الذاتية؛ يكشف "العمر الذاتي" عن موقف الفرد تجاه حياته بالمجمل ومراحلها التي ما زال يعيشها وتلك التي تخلى عنها، وهو ما ذهب إليه علماء النفس إذ أشاروا إلى أن خيارات الفرد وسلوكياته اليومية ترتبط بـ "العمر النفسي" لمرحلة النضج العاطفي أكثر من ارتباطها بعمره الحقيقي. ووفقاً للتحليل التفاعلي الذي يميز بين الذوات المختلفة في الشخصية الواحدة، فإنه يمكن للفرد نفسه أن يتصرف كطفل خائف أو شيخ حكيم، ويتوقف ذلك على الصراعات الداخلية العالقة في النفس التي تمنع الشخص من التصرف بهذه الطريقة أو تلك. لذلك ربما كان الجنرال ماكارثر (MacArthur) محقاً عندما قال: "الشعور بالشباب هو حالة روحية لا علاقة لها بالسن".
مراحل الحياة
- مراحل الحياة بالنسبة للذين يشعرون أنهم أصغر سناً
- من سن 20 إلى 34 عاماً: ولادة الطفل
- من سن 50 إلى 64 عاماً: بداية مرحلة التقاعد والانفصال عن الزوج.
- مراحل الحياة بالنسبة للأشخاص الذين "يشيخون"
- من سن 15 إلى 19 عاماً: نهاية مرحلة الدراسة الثانوية.
- من سن 20 إلى 34 عاماً: الحصول على رخصة القيادة، ونهاية مرحلة الدراسة والدخول في الحياة العملية ومغادرة منزل الوالدين والاستقرار في بيت الزوجية.
- من سن 50 إلى 64 عاماً: مغادرة آخر الأبناء منزل الأسرة.