عندما تفكر في العادات الصحية التي يمكن أن تحسّن جودة حياتك وتطيل العمر وتؤخر الشيخوخة؛ ما الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهنك؟ هل هو تناول الطعام الصحي المتوازن الذي يحتوي على الخضروات والفاكهة؟ أم ممارسة الرياضة والتركيز على التأمل والاسترخاء؟ في الحقيقة إن هذه الأنشطة مفيدة للغاية ولا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من أهميتها، لكن ثمة عنصراً مهماً جداً يمكن أن يعزز صحتك النفسية والجسدية ويؤخر شيخوختك، وهو علاقاتك الاجتماعية، فكيف يمكن لعلاقاتك أن تبكر شيخوختك أو تؤخرها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
هل ثمة رابط بين العلاقات الاجتماعية والشيخوخة؟
البشر مخلوقات اجتماعية، مبرمجة على تكوين العلاقات مع الآخرين، لذلك تُحسّن تلك العلاقات الاجتماعية حالتك المزاجية، وفي الوقت نفسه يمكن أن تؤثر الوحدة والعزلة الاجتماعية سلباً في صحتك النفسية والجسدية، وفي هذا السياق تؤكد دراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine) وجود علاقة سببية بين العلاقات الاجتماعية والوفيات؛ فالافتقار إلى العلاقات والروابط الاجتماعية القوية يزيد احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة 50% على الأقل.
ويوضح أستاذ علم النفس في جامعة بيبرداين الأميركية (Pepperdine University)، لويس كوزولينو (Louis Cozolino)، أن الأشخاص الذين يعيشون حياة طويلة هم أولئك الذين حافظوا على علاقات وثيقة مع الآخرين، إذ يتمتع هؤلاء الأشخاص بصحة نفسية أفضل، وعادة ما تتأخر الشيخوخة لديهم، وذلك لأن العلاقات الاجتماعية تساعد على تهدئة نظام الاستجابة للتوتر حيث تخفّض مستويات الكورتيزول.
ويضيف كوزولينو أن العلاقات الاجتماعية تسهم في تعزيز الخلايا العصبية، علاوة على ذلك، فإن العلاقات الاجتماعية تعزز جهاز المناعة وتحمي الجسم من الإصابة بالعدوى، إضافة إلى أنها تحد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وآلزهايمر والخرف، وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، ويمكن القول إن الأشخاص الذين يمتلكون علاقات اجتماعية ضعيفة هم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى ذلك، فإن الوحدة تزيد خطر الإصابة بنوبة قلبية أو ذبحة صدرية أو سكتة دماغية.
على الجانب الآخر، فإن مشاعر الرفض والعزلة تؤدي إلى إطلاق بعض ردود الفعل الفيزيولوجية؛ ففي الماضي البعيد، كانت العلاقات الاجتماعية والمجموعات تحمي البشر من هجمات الحيوانات المفترسة أو الأعداء، وفي يومنا الحالي، حين يحس الشخص بالوحدة أو العزلة يطلق جسده النورأدرينالين والكورتيزول، ومن ثم يصبح العقل متيقظاً للتهديدات ويتحفز الجسم للعدوان.
وفي الوقت نفسه، يبدأ الجهاز المناعي بزيادة إنتاج الجزيئات الالتهابية للدفاع ضد مسببات الأمراض، وعندما يكون الجسم مستعداً باستمرار للتوتر والعدوان، فإنه يضع ضغطاً إضافياً على القلب، وفي حال قضى الأشخاص وقتاً طويلاً في العزلة والوحدة فإن هذه التغييرات يمكن أن تزيد خطر الإصابة بالأمراض والوفاة المبكرة.
وتشرح المختصة في أمراض الشيخوخة، روز آن كيني (Rose Anne Kenny)، أن الأشخاص يحتاجون إلى العلاقات الاجتماعية كاحتياجهم إلى الطعام والشراب، وأضافت كيني أن حرمان الأشخاص من التفاعل الاجتماعي يتساوى مع حرمانهم من احتياجاتهم الغذائية.
وحين ينخرط الأشخاص في العلاقات المسيئة أو المرهقة ترتفع نسبة التوتر ويفرز الجسم هرمون الكورتيزول، ومع مرور الوقت يصيب الجسم الالتهاب المزمن، الذي يعد مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وضعف الجهاز المناعي، بل ويمكنه حتى تسريع عملية الشيخوخة.
في هذا السياق، يوضح استشاري الطب النفسي، خالد بن حمد الجابر، أن العلاقات السيئة تؤثر تأثيراً سلبياً في الحالة النفسية؛ حيث تؤدي إلى تفاقم أعراض القلق والاكتئاب، ويمتد تأثيرها السلبي إلى العمل والإنتاجية وهذا ينعكس على طبيعتك وتصرفاتك الاجتماعية.
اقرأ أيضاً: هل ترغب في علاقات اجتماعية وعملية ناجحة؟ عزز ذكاءك العاطفي
5 إرشادات لتبني علاقات صحية تؤخر شيخوختك
يحمل بناء العلاقات الصحية العديد من الفوائد، بما في ذلك زيادة احترام الذات والشعور بالقيمة، وتحسين الصحة النفسية، وفرص تعلم أشياء جديدة عن أنفسنا والعالم من حولنا، وحتى تبني علاقات صحية وتؤخر شيخوختك حاول اتباع الإرشادات التالية:
1. تواصل بفعالية
الطريقة التي تتحدث بها مع أصدقائك وأفراد عائلتك مهمة للغاية، وحين تبني علاقات صحية مع الآخرين يجب أن تكون قادراً على إيصال مشاعرك وآرائك دون خوف من سوء الفهم، ومن أهم أمثلة التواصل الفعّال محاولة التوضيح بدلاً من افتراض ما يفكر فيه الطرف الآخر، والتحدث بصدق دائماً.
2. ابذل الجهد لتستمر علاقاتك
العلاقات الصحية ليست موجودة في حياتك بصفتها أمراً مسلماً به، لكنها تحتاج إلى بذل الجهد حتى تستمر، لذلك عليك الالتزام والاستعداد للحضور حين يحتاجك الطرف الآخر، وحتى تبني علاقتك مع الآخرين على نحو صحي حاول أن تخصّص لهم جزءاً من وقتك واجعلهم أولوية في حياتك.
3. ضع الحدود الواضحة
الحدود هي عبارة عن إرشادات جسدية وعاطفية ونفسية يضعها الشخص لنفسه ويجب على الآخرين احترامها، فحين تضع الحدود الصحية فإن هذا يعني أنك تفصل رغباتك واحتياجاتك وأفكارك ومشاعرك عن رغبات الآخرين واحتياجاتهم وأفكارهم ومشاعرهم، ومن دون حدود واضحة ستصبح علاقاتك مع الآخرين سامة وغير مرضية، ومع مرور الوقت سوف تشعر بالإرهاق والتوتر والاستنزاف، ويمكن القول إن الحدود الصحية تمنحك شعوراً بالحرية واحترام الذات، علاوة على أنها تشجع الاستقلالية وترفع جودة حياتك الشخصية.
4. قدّم الدعم في الأوقات الصعبة
تخضع العلاقات الاجتماعية للاختبار خلال الأوقات الصعبة، ولهذا من المهم جداً أن توجد بجوار أصدقائك وأفراد عائلتك المقربين عندما يمرون بأوقات عصيبة. قدّم لهم الدعم من خلال الإنصات وأخبرهم بأنك موجود من أجلهم.
5. حاول إضفاء جو من المرح
عندما يتعلق الأمر ببناء العلاقات الصحية، ثمة عنصر مهم يجب أن يكون حاضراً بقوة وهو المرح، وسواء كنت تقضي الوقت بصحبة عائلتك أو أبنائك أو أصدقائك فإن إضفاء جو من المرح، مثل مشاركة الضحك أو اللعب، يمكن أن يعزز الثقة ويصنع الكثير من الذكريات المشتركة السعيدة، وعلى الجانب الآخر فإن المرح يخفف التوتر ويعزز التواصل ويعمّق الارتباط.
اقرأ أيضاً: كيف تستثمر في علاقاتك مع الآخرين؟