إن الاهتمام بتزيين منزلنا طريقة لطيفة لإيجاد توازننا الداخلي. بالنسبة لمختصي العلاج أو العلاج بالديكور أو المحللين النفسيين، فإن ترتيب مكان معيشتك هو مرآةٌ تعكس الذات ومصدرٌ للوجود. فيما يلي نقدم شرحاً مفصلاً ونصائحَ لتكون مرتاحاً في منزلك.
في أغنيته "أربعة جدران وسقف" ( Quatre Murs et un Toit)، يصف المغني بينابار بداية حياة الزوجين وما يليها من أحداث مثل الولادة ومجيء الأطفال الذين يكبرون ويغادرون للزواج وأمور أخرى وثم تُختتم المرحلة الحياتية بوجود الأحفاد في ذات المنزل ومع ذات الزوجين.
هكذا تُغيّر أحداث الحياة المنزل، لذلك فإن العناية به وتأثيثه وتزيينه تهدف إلى قضاء لحظات ممتعة وآمنة. لقد دمج مصممو الأثاث رغبتنا في الأمان تماماً بإبداعاتهم خاصة وأن الصعوبات الاقتصادية في السنوات الأخيرة جعلت من المسكن ملاذنا الآمن. في هذا السياق يوضح رئيس المجلس التنفيذي لمجموعة روش بوبوا للأثاث (Roche Bobois) جيل بونان: "لا تقتصر مهمتنا على إضفاء الجمال على الأثاث فحسب بل نحن حريصون جداً على تصنيع أثاث يمنح العائلة الهدوء والدفء. يأمل جزء كبير من عملائنا إيجاد تناسق قوي وقدرة لا متناهية لإعادة تنظيم ديكور المنزل الداخلي. لذلك نحن مهتمون جداً باختيار المواد والأقمشة وكل الأجواء التي تتسق مع الأثاث".
بالنسبة للتحليل النفسي فالديكور هو مرآتنا الثالثة التي تستحق العناية بعد البشرة والملابس ولهذا نسعى لصيانته وتزيينه. إنها معادلة طرحها جان فيليب كاش مصمم الديكور الذي يقول إن: "التصميم الداخلي المادي يعكس باطننا النفسي". لكن هل لا يزال منزلنا هو المكان المريح الذي نرغب في البقاء فيه؟ كيف يمكننا تطويره لنشعر بتحسن حياله؟
حيوية الألوان
يرى النظام الصيني فنغ شوي الذي يمتد عمره إلى 1,000 عام، الشعور بالراحة في المنزل على أنه "فن". تكمن الفكرة الرئيسية في أن تطوير بيئتنا المعيشية -وفقاً لعدد معين من المبادئ من بينها الطاقة وتكامل الين واليانغ ونظرية العناصر الخمسة؛ الماء والأرض والنار والمعدن والخشب- يجعل من الممكن الوصول إلى الثراء الجسدي والمعنوي والفكري.
تقول مؤلفة كتاب "فاستو، الديكور النفسي المستوحى من الهند" (Vastu, la Psychodécoration inspirée de l’Inde) ألكسندرا فيراج: "نحن في حوار مستمر مع مفروشاتنا، وهي في حد ذاتها انعكاسات لحالتنا العقلية". وبحسب ما ذكره الطبيب النفسي والمحلل النفسي ألبرتو إيغير؛ إذا نقل المنزل طاقته إلينا فإننا نتخلص من توترنا. المنزل يُبرز ما يشعر به الآخرون بطريقة غير مباشرة وهذا ما يجعلنا نشعر أنه يبعث ردود فعل جيدة أو سيئة.
لمساعدتنا على محاربة التوتر ومشاكل النوم وما إلى ذلك؛ يعمل المعالجون بالديكور على التركيز على العناصر التي يتكون منها ديكورنا. على سبيل المثال: كل لون له صوت يتردد صداه معك ولكن ليس بالطريقة التي تفكر بها دائماً.
ويعلق مصمم المساحات توماس ثيبون إنه: "من الأسهل أن نتخلص من الضغط في بيئة بيضاء مجردة أكثر من المساحة الدافئة الممزوجة باللون الأصفر أو أي لون دراج أو حتى حيث يوجد الخشب". استغرق الأمر سنوات حتى نجحت لارا البالغة من العمر 45 عاماً في إضفاء الألوان على مساحات منزلها. لفترة طويلة اعتقدت أن الخطوط البيضاء والنظيفة التي اختارتها لشقتها كانت مصدراً للراحة؛ حيث تقول: "كان هذا بالضبط ما أريده لكنني لم أستطع جعل المساحة خاصة بي. كان تركيب المدخنة ولهيب الحطب هو الذي أدخل الحرارة واللون الأصفر إلى المنزل وتبع ذلك الستائر والوسائد الحمراء. يبدو الأمر كما لو أنني سمحت لنفسي أخيراً بالعيش في منزلي".
في ذات السياق يوضح فرانك دوبوي؛ المصمم الداخلي وخبير الهندسة البشرية: "هناك جزء معرفي وجزء مريح وجزء جمالي في كل منزل". باستخدام النسبة الذهبية والرموز الإيجابية واللعب على الضوء يمكن أن يعطي معنى للمسافات ويخلق وحدة بحيث تكون هذه المحاور متوازنة".
خلف الكواليس
علّمنا التحليل النفسي أن اختيار منزلنا والأثاث ليس النتيجة الوحيدة لقرارات واعية ولكن أيضاً لأخرى غير واعية. يعيش البعض في أماكن خالية ويكونون على استعداد لتركها "بين عشية وضحاها". في المقابل يتطور الآخرون ويقومون بالعمل ويجددون الديكور باستمرار؛ ما يفيد أنهم غير راضين عن النتيجة أبداً.
كانت صوفي ذات الـ 50 عاماً تُغير أثاثها لعدة مرات في السنة. ثم أصبحت تفكر بمهنية أكبر وبدأت في التدريب العلاجي الذي دفعها إلى "السؤال": "لم أعد أرغب في تحريك الأثاث أبداً. أعلم أنه ليس مثالياً لكنني لن أغير أثاثي لفترة طويلة". تخبرنا اختياراتنا الكثير عن الأنماط الكامنة التي تشكل هيكل منزلنا. توضح المختصة في علوم الموطن لوريان كابريليان أن: "الأرائك المرتبة تثير الازدواجية، فهو مكان للنقاش. كما يشير كل من الأريكة والكرسيين اللذين يواجهان بعضهما بعضاً إلى علاقات هرمية، بينما تجمع أريكة الزاوية العائلة معاً وتجمعهم في الخارج أيضاً".
إذا كان بعض أماكن الحياة يمكن أن تشجع على التطور الشخصي، فإن البعض الآخر على العكس من ذلك تعيقه. هذه هي حالة المنازل غير الوظيفية أو المليئة بالأثاث الموروث من الأجداد الذي قد تربطنا به ذكريات مؤلمة. لكن لسائل أن يسأل على سبيل المثال: لمَ المنزل غير مرتب؟ لماذا اخترناه غير عملي جداً؟
يقول ألبرتو إيغير: "أحياناً تكون هذه طريقة لإخفاء ما لا تريد التحدث عنه مثل تغيير المهنة أو الشريك". تقول سلمى البالغة من العمر 38 عاماً: "لقد كنت على علاقة وانتقلت للعيش مع شريكي لمدة عامين استمر فيهما عملي". ومع ذلك فإن التخطيط لشقتي الجديدة التي صممتها بالكامل لم يشجعني على العيش معه. لم أكن أدرك ذلك ولكن بمجرد استلام الشقة انفصلت عنه".
التنظيف من حولك والتخلص من الأشياء التي أصبحت عديمة الفائدة، واستشارة مختص العلاج بالديكور يساعدك على ترتيب حياتك والتطور. تضيف لوريان كابريليان: "عندما أقوم بدراسة مسكن ما، يدرك الساكنون مشاكلهم ويخبرونني لماذا وكيف يقومون بتزيينها. وهذا ما يسمح لهم بأن يكملوا العلاج أو لا".
في الحقيقة إن ذكرياتنا ترافقنا، كما تم بناء وتجهيز جميع منازلنا في الماضي وللمستقبل لكي تتكيف مع طفولتنا. إنه المكان الذي يمثل إطار عملنا وحياتنا. وفقاً لما قاله عالم النفس باتريك إستريد؛ "رحم الأم" هو المكان الذي أتينا منه وسنعود إليه لا محالة.
جلسة العلاج بالديكور الصغيرة
- منزل مفعم بالطاقة للشّعور بالسلام. وازن بين خمسة عناصر في الغرفة ووجه أثاثك وفقاً للنقاط الأساسية: ضع الأجهزة في المنطقة الجنوبية الشرقية والشمال الغربي من المنزل، أما الأثاث القديم والموروث فاجعل مكانه في منطقة الجنوب، واجعل رأس السرير في اتجاه الشمال، وطاولة الطعام موجهة إلى الغرب.
- أيقظ حواسك الخمس من خلال عرض مواد لطيفة الملمس وأشياء جميلة المظهر وذلك بنشر الروائح الزكية والموسيقى واستحضار جزء من الخيال بفضل كتب السفر أو الطبخ الجميلة.
- لا تضفِ أثاثاً أو قطعاً للديكور لكي تضيق مساحة المنزل. يجب ترك مساحة في الغرف والممرات لحرية الحركة.
- دع الجميع يشعر بأنه في منزله. لا تنقل كرسي شريكك المفضل إلى القبو بحجة أنه ضخم. تجنب التدخل في زخرفة غرفة طفلك المراهق، فالفوضى تساعده في بناء نفسه!
- تخلص من الإجهاد من خلال تنظيف الغبار: قم بالتهوية وتنظيف وإصلاح وترتيب المنزل ثم رتب كل غرض في مكانه المناسب وتجنب وضع التلفاز في غرفة النوم مثلاً.
شهادة
بينيديكت، 45 عاماً: أنقذ نظام فنغ شوي زواجي
تقول بينيديكت: "نشكل عائلة مختلطة مع وجود ابنتيّ وشريكي. في الآونة الأخيرة كانت علاقتنا الرومانسية والعائلية والمهنية -لا سيما وأنا أعمل في نفس المكان مع شريكي فهو معالج طبيعي وأنا أعلّم اليوغا- صعبة. كنا على أبواب الانفصال. قررنا استدعاء إحدى صديقاتنا التي أصبحت مختصة في نظام فنغ شوي لمساعدتنا. لقد جاءت ومعها رقاص الساعة ثم قامت بتقييم نقاط القوة والضعف واقترحت إعادة توازن الطاقة من خلال اختيار الألوان والمواد. من الغريب أن الألوان المقترحة مختلفة تماماً عن أذواقنا وما لدينا لكنها تناسبنا.
واقترحت وضع خزانة خشبية في مكان الكمبيوتر. كما توقفنا عن إضاءة الشموع في ما وصفته بمنطقة "النار". كانت النتيجة الأكثر إثارة هي النتيجة التي حصلت عليها ابنتي البالغة من العمر 15 عاماً: لقد عانت من الربو والحساسية والاكتئاب وكانت في صراع مع شريكي. بعد رفضها للتغيير دون أن أستشيرها اعترفت بأنها تنام وتتنفس بشكل أفضل. إنها أقل توتراً حالياً وقد هدأت علاقتنا. وبعد مرور ثلاثة أشهر من انتهاء الأعمال ما زلت أنا وشريكي معاً".