في لحظات كثيرة قد يشعر الشخص بأن رأسه ممتلئ بالأفكار الثقيلة، وأن الكلمات تختنق قبل أن تجد طريقها إلى الآخرين. قد لا يتوفر دائماً من يستمع له، أو ربما يصعب عليه التعبير عما يؤلمه بصوت واضح. في تلك اللحظة قد تتحول الكتابة إلى مساحة أكثر أماناً؛ مكان يمكن للفرد أن يضع فيه مشاعره دون خوف من الحكم أو سوء الفهم، وأن يقول عبر الكلمات ما لم يستطع قوله شفهياً.
من هنا ظهر ما يعرف بالعلاج النفسي النصي بوصفه أحد الأساليب العلاجية الحديثة. إذ مع تطور العلاج النفسي وتحول الكثير من ممارساتنا اليومية نحو الكتابة الرقمية، بدأ هذا الأسلوب يلفت الانتباه بوصفه خياراً علاجياً يمكن أن يساعد بعض الأشخاص على الاقتراب من ذواتهم بطريقة أكثر وضوحاً وهدوءاً. ومع ذلك، يبقى هذا النوع من العلاج تجربة لها حدودها وسلبياتها، ولا تعتبر بديلاً كاملاً للعلاج النفسي التقليدي، فمتى يساعدك ومتى يضرك؟ سنعرف في هذا المقال.
محتويات المقال
ما هو العلاج النفسي النصي؟
قد تقول لنفسك: ما هو الفرق بين العلاج النفسي النصي والدردشة مع صديقي الذي يجيد الاستماع وتقديم النصائح؟ تكمن الإجابة في طبيعة العلاقة والمحتوى الذي يقدم. العلاج النصي هو أحد أنواع الدعم النفسي المهني، يوفره معالجون مرخصون ومتخصصون في الصحة النفسية عبر التواصل الكتابي الرقمي، سواء من خلال الرسائل النصية، أم البريد الإلكتروني، أم عبر تطبيقات مخصصة لهذا الغرض.
ينقسم هذا النوع من العلاج عموماً إلى نمطين أساسيين، وفهم الفرق بينهما جوهري لضبط توقعاتك:
- المراسلة غير المتزامنة: وهو النموذج الأكثر شيوعاً، حيث تتعامل مع غرفة الدردشة كأنها "يوميات رقمية" يقرؤها معالجك. يمكنك كتابة أفكارك في الثالثة فجراً أو أثناء استراحة الغداء، ثم يقرؤها المعالج ويرد عليها عادة مرة أو مرتين يومياً خلال ساعات عمله. يمكن القول إنها حوار بإيقاع بطيء، ما يتيح لك مساحة أعمق للتأمل بين كل رسالة وأخرى.
- الدردشة الحية المتزامنة: هذا النمط يعد الأقرب لجلسات العلاج التقليدية؛ حيث تتفق مع معالجك على وقت محدد، وتتبادلان الرسائل الفورية في الوقت الفعلي لمدة تتراوح غالباً بين 30 إلى 50 دقيقة.
اقرأ أيضاً: العلاج النفسي بالأحلام: عندما تتحول أحلامك إلى مفتاح التعافي
تعرف إلى فوائد العلاج النفسي النصي
يعد العلاج النصي طفرة حقيقية لمن يجدون في العيادات التقليدية حواجز شاهقة. وتتجلى أهم مميزاته في النقاط التالية:
1. كسر حاجز الخجل ورهبة المواجهة
يواجه البعض ما يعرف بـ "قلق البدايات"، بينما يعاني آخرون من قلق اجتماعي يمنعهم من الجلوس أمام معالج نفسي وجهاً لوجه. وهناك ببساطة من يفضل بيئة آمنة وهادئة يعرف تفاصيلها جيداً ويرتاح لها. لذا، قد يجد هؤلاء في الكتابة من خلف الشاشة "درعاً نفسياً" يحميهم من ثقل نظرات الآخرين، ويشجعهم على البوح بأسرار ومشاعر يعجز عن نطقها وجهاً لوجه.
2. فسحة مفتوحة لمعالجة المشاعر
لدى الفرد في الجلسات المباشرة فسحة زمنية محددة تتراوح غالباً بين 30-60 دقيقة. وهي ليست مساحة كافية دائماً للهدوء والتفكير، بل إن البعض قد ينشغل في التفكير في الوقت أكثر من انشغاله بمعالجة المعلومات والإجابة بصدق عن الأسئلة المطروحة عليه أثناء العلاج.
أما في الكتابة، فالزمن أكثر مرونة، حيث يمكن للفرد أن يتوقف قليلاً ويفكر ويعيد القراءة، ثم يصوغ مشاعره وما يجول بخاطره بدقة أكبر، دون تردد أو تشتت، ما يساعده على اكتشاف جوانب كانت ستضيع في ضغط الحوار المباشر.
3. الكتابة أحياناً أصدق من الكلام
هناك أشخاص تتدفق مشاعرهم حين يكتبون أكثر مقارنة بحين يتحدثون، إذ تمنحهم الكتابة فرصة للتأمل واستحضار المهارة وتنظيم الفكرة قبل مشاركتها.
4. العودة إلى سجل المحادثات
في الجلسات التقليدية، قد ينسى المراجع بعض ما قاله أو ناقشه مع المختص فور مغادرته. أما في العلاج النصي، تساعدك خاصية "الذاكرة المكتوبة"، عبر الرسائل المحفوظة، في العودة إلى النقاشات والأحاديث لاحقاً، وقراءتها بعين مختلفة، وتأمل النصائح وفهمها من جديد، ما يمنح العملية العلاجية امتداداً لما بعد انتهاء الجلسة.
5. شعور أقل بالأحكام
على الرغم أن المعالج النفسي لا يحكم على مريضه، فإن مشاعر الخجل والعار والقلق قد تجعل المراجع يشعر بأنه خاضع للرقابة والأحكام. في المقابل، تخفف الكتابة هذا العبء في غياب المواجهة البصرية، ما يقلل الخوف من الحكم أو الرفض، فيفتح قلبه بسهولة أكبر.
3 سلبيات للعلاج النفسي النصي
رغم إيجابياته، فإن العلاج النصي ليس مناسباً لكل حالة؛ فالنص وحده قد يكون قاصراً عن حمل القدرة على الشفاء للأسباب التالية:
1. غياب لغة الجسد وسوء التأويل
يتواصل البشر بلغتين، الأسلوب اللفظي، وهو اللغة الكلامية التي نتحدث بها، وآخر غير لفظي، وهو ما يعرف بلغة الجسد، بما فيها نبرة الصوت وتعبيرات الوجه الدقيقة ووضعية الجسد ونظرات العين. يمكن لهذه التفاصيل أن تعبر عن حقيقة مشاعر الشخص وأفكاره حتى لو كان كلامه يروي عكس ذلك، وهو ما قد يفتقده العلاج النصي؛ إذ لا يمكن للمعالج أن يدرس لغة جسد المريض، ما قد يخلق مجالاً لسوء الفهم أو نقص في المعطيات.
2. عدم الكفاءة في حالات الأزمات الكبرى
لا يمكن للعلاج النفسي النصي أن يكون بديلاً عن العلاج التقليدي في حالات الأمراض النفسية الشديدة أو الأزمات الحادة. فإذا كنت تعاني من أفكار انتحارية نشطة، أو حالات ذهان، أو نوبات هوس، أو أعراض انسحاب شديدة من مواد مخدرة، فمنصات الدردشة ليست تدخلاً كافياً، لأن أي تأخير في الرد في هذه اللحظات قد يكون له عواقب كارثية. ورغم أن هذه المنصات لديها بروتوكولات للأزمات، فلا يمكنها أن تعوض شبكة الأمان الفورية التي توفرها العيادات أو غرف الطوارئ.
3. فخ "العلاج السطحي"
في بعض الحالات، قد تكون جلسات العلاج النصي مجرد "فضفضة" عن أحداث اليوم والحصول على تأييد سريع من المعالج، دون الغوص في جذور المشكلات والأنماط السلوكية. أي يمكن وصفها بـ"مسكن رقمي مؤقت" فقط، وليست علاجاً حقيقياً، ما يوقع الفرد في فخ العلاج السطحي.
في المقابل، يشير المعالج النفسي سامي العرجان، إلى أن "العلاج النفسي ليس مجرد فضفضة أو حديث نتبادله مع معالج! إنه عملية عميقة تعيد تشكيل تشابكات الدماغ، وتحفز المناطق المسؤولة عن الوعي والتفكير والمنطق وصنع القرار. إنه إعادة برمجة داخلية تمنحك القدرة على رؤية الحياة بصورة أفضل". لذا يتطلب لعلاج الفعال في حالات معينة مواجهة تحديات مباشرة من المعالج، وهو أمر يصعب تكراره بدقة عبر الرسائل النصية.
اقرأ أيضاً: 6 نصائح عملية لتهزم خوفك من العلاج النفسي