ما هو العلاج الجدلي السلوكي؟ وما الاضطرابات النفسية التي يعالجها؟

3 دقائق
العلاج الجدلي السلوكي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يقدّم العلاج الجدلي السلوكي عدداً من التطبيقات العلاجية الفعّالة للتعامل مع الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب الشخصية الحدية. وفي هذا المقال، نتعرف إلى تقنيات هذا الأسلوب العلاجي وطرائق استخدامه.

برز العلاج الجدلي السلوكي بوصفه نهجاً علاجياً يحمل الأمل للأفراد الذين يعانون الاضطرابات العاطفية، واضطراب الشخصية الحدية، ومجموعة من تحديّات الصحة النفسية الأخرى. فهو ليس مجرّد طريقة علاجية وحسب؛ إنه إطار علاجي شامل أحدث ثورة في الطريقة التي نفهم بها الاضطراب العاطفي ونتعامل معه.

حيث يوضّح الطبيب النفسي ليث العبادي، إن هذا النوع من العلاجات يركّز أكثر على تقلّبات المشاعر عند الأشخاص حين تؤثّر في سلوكياتهم على نحوٍ مؤذٍ لهم أو لمن حولهم. لذلك؛ يقدّم العلاج الجدلي السلوكي فرصة لهم لتعلّم مهارات حياتية مهمّة تجعل منهم تدريجياً معالجين لأنفسهم عوضاً عن الاستمرار في الاعتماد على الجلسات العلاجية مع المختص.

ما هو العلاج الجدلي السلوكي؟وما فوائده؟

العلاج السلوكي الجدلي (Dialectical Behavior Therapy) هو نوع من العلاج السلوكي المعرفي الذي طوّرته في الأصل عالمة النفس الأميركية مارشا لينهان (Marsha Linehan) في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، لعلاج الأفراد الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder). ولكنه كُيِّف واستُخدم استخداماً فعّالاً منذ ذلك الحين لمعالجة مجموعة كبيرة من المشكلات العاطفية والسلوكية.

ويشير الطبيب النفسي ليث العبادي إلى فكرة العلاج الجدلي السلوكي التي تكمن في مساعدة الأشخاص على تقبّل الواقع والمشاعر السلبية دون رفضها، وتطوير مهارات التغيير نحو الأحسن؛ أي تمكين الأفراد من موازنة مشاعر الرفض والتقبّل.

إذ يسهم هذا المبدأ العلاجي في إبعاد الشخص عن التفكير بتطرّف حيال واقعه، وتوسيع إدراكه لاستيعاب الزوايا المختلفة للمشكلة الواحدة؛ ومن ثمّ اكتساب مهارات تنعكس إيجابياً على الجوانب الحياتية كلها مثل المرونة.

وتستهدف العلاجات الكلامية مثل العلاج الجدلي السلوكي التأثير في التفكير والسلوكيات، والنتائج المترتّبة عليهما. ويُستخدم على نحو أساسي مع حالات اضطراب الشخصية الحدية الناتج من عدم الاستقرار العاطفي وتقلّبات الحالة المزاجية التي قد تؤدّي إلى ردود الأفعال الانفعالية والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر.

غير أنه لا يقتصر على هذه الحالة فقط؛ إذ يمكن لأيّ شخصٍ تحقيق الاستفادة القصوى من العلاج الجدلي السلوكي لكونه مفيداً حتّى في حالة عدم وجود اضطراب نفسي؛ لأنه يساعد على اكتساب مهارات التحكّم في المشاعر والأفكار والسلوكيات.

اقرأ أيضاً: هل يساعد العلاج بالدلافين الأطفال المصابين بالتوحد؟

ما الفرق بين العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الجدلي السلوكي؟

يندرج العلاج الجدلي السلوكي (DBT) ضمن أنواع العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، ولعلّ هذا هو سبب تشابه هذين المفهومين، فالهدف من هذه العلاجات النفسية يكمن في تعلّم أنماط التفكير الإيجابي، واكتساب مهارات تعايش حياتية نافعة. وتتمثّل أبرز الاختلافات ما بين العلاجين فيما يلي:

  • مبادئ العلاج: يعتمد العلاج المعرفي السلوكي على تغيير أنماط التفكير السلبي مثل التهويل (Catastrophizing)، وإعادة التوجيه؛ بينما يركّز العلاج الجدلي السلوكي على تعليم الأشخاص تحقيق التوازن في الأمور الحياتية من خلال توضيح الفرق بين تقبّل الأفكار وطرائق تغييرها.
  • عامل الوقت: تنتهي الجلسات المعرفية السلوكية خلال 6 أسابيع إلى 20 أسبوعاً، حين تكون الأهداف من العلاج قد تحقّقت؛ على عكس العلاج الجدلي السلوكي الذي يحتاج إلى فترة أطول من 6 أشهر، وقد تصل إلى سنواتٍ في بعض الحالات.
  • طريقة الممارسة العلاجية: لا يقتصر العلاج المعرفي السلوكي على ما يحدث داخل الجلسات العلاجية الفردية الأسبوعية، فقد يطلب المُعالج واجبات منزلية معينة من العملاء؛ بينما يركّز العلاج الجدلي السلوكي على الجلسات الجماعية الأسبوعية التي يكتسب فيها الأشخاص مهارات التأقلم والمرونة.
  • طبيعة النتائج: يعمل العلاج المعرفي السلوكي في الأساس على الكشف عن أنماط التفكير السلبية، وتفسير سلوكيات الأشخاص وتغيير رؤيتهم للواقع؛ بينما يستهدف العلاج الجدلي السلوكي في المرتبة الأولى تنظيم العواطف، وتنمية مهارات العلاقات الشخصية.

ما الاضطرابات النفسية التي يعالجها العلاج الجدلي السلوكي؟

اشتُهر العلاج الجدلي السلوكي بوصفه نهجاً علاجياً فعّالاً لمساعدة الأفراد الذين يواجهون مشكلات في التنظيم العاطفي (Emotional Regulation). وعلاوة على ذلك، أثبت هذا الأسلوب في العلاج فعاليته في علاج مجموعة متنوّعة من اضطرابات الصحة النفسية؛ ومن أبرزها اضطراب الشخصية الحدية، والحالات التي تتّسم بالميل إلى سلوكيات إيذاء النفس، والتفكير الانتحاري، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطراب تعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل، بالإضافة إلى الاكتئاب والقلق.

وما يجعل الجلسات الجدلية السلوكية مؤثّرةً بصفةٍ خاصّة في هذه الحالات هو التركيز على استبدال استراتيجيات التحكّم العاطفي غير الصحيّة والمثيرة للمشكلات بآليات تكيّف صحيّة. لذلك؛ يقدّم هذا النوع من العلاجات النفسية بالفعل بصيصاً من الأمل للأفراد الذين يواجهون هذه التحديّات من خلال تزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع مشاعرهم بطريقة أكثر سلاسةً وتوازناً.

ما التقنيات المستخدمة في العلاج الجدلي السلوكي؟

تعتمد الجلسات الجدلية السلوكية على مبدأ التوازن بين الرفض والتقبّل، لذلك؛ يستخدم المعالج نوعين رئيسَين من التقنيات كالآتي:

  • تقنيات التقبّل: تشجيع الأفراد على اكتساب فهم أعمقٍ لأنفسهم وأفكارهم وعواطفهم وسلوكياتهم، والتعرّف إلى الأسباب الكامنة وراء تصرّفاتهم، ولا سيّما إذا كانت مؤذية لهم؛ بحيث تدفعهم إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات كآلية تكيّف للتعامل مع المشاعر الشديدة. عندها، يوضّح المعالج في سياق الصراع العاطفي للمتعاطي، إن ذلك سلوك بدر منه كمحاولةٍ لإدارة محنته؛ غير أنّه مضرّ له على المدى الطويل.
  • تقنيات التغيير: استبدال السلوكيات الإيجابية والهادفة بالسلوكيات المؤذية من خلال طرح الأسئلة، ومعالجة أنماط التفكير غير البَنّاءة، وتحفيز الفرد على استكشاف أساليب جديدة لإدارة ضائقته النفسية.

اقرأ أيضاً: العلاج بالقراءة: روايات تساعد على علاج الاكتئاب 

ختاماً، يجمع العلاج الجدلي السلوكي بين تقنيات التقبّل والتغيير؛ حيث يوفّر للأفراد بوصلة للتنقّل وسط الفوضى التي تُحدثها الاضطرابات العاطفية؛ ما يجعل منه أسلوباً علاجياً للواقعين في ضائقة عاطفية، ناهيك بفعاليته في علاج حالات أخرى مثل اضطراب الشخصية الحدية، واضطرابات تعاطي المخدرات.

المحتوى محمي