في أحد اجتماعات فريقي، وبينما كنا نناقش استراتيجية جديدة في العمل، دار الحديث في دوائر مغلقة، نعود فيها دائماً إلى نقطة البداية دون إحراز أي تقدم. وبينما بدا الوصول إلى طريق مسدود أمراً لا مفر منه، قطعت مديرتي في العمل النقاش، وهي شخص بارع وغالباً ما تعرف ما ينبغي قوله للمضي قدماً في أي مشروع. وقالت: "أفهم ما تقوله، وأعتقد أننا نستطيع إيجاد حل وسط".
محتويات المقال
في لحظة، تغير جو الاجتماع بأكمله. لقد خففت مداخلتها البسيطة والمتقنة حدة التوتر، وكشفت عن حل كان خفياً على مرأى من الجميع. عندها أدركت أن تألقها لم يكن في أفكارها فحسب، بل في طريقة إيصالها لها، فهي لم تكن مجرد مستمعة، بل كانت توجه دفة الحوار.
في الواقع، إن التواصل مع الآخرين باستخدام العبارات الصحيحة، هي إحدى سمات القادة، فاللغة التي نستخدمها في العمل لا تقتصر على كسر الصمت فحسب، بل يمكنها أيضاً بناء الجسور، وتعزيز الثقة، وتمهيد الطريق للنجاح.
في هذا السياق، تشير خبيرة التواصل جيسيكا تشين، التي تدرب المحترفين على استخدام اللغة للنجاح، إلى أن الموظف لا يحتاج إلى رفع صوته لجذب انتباه الآخرين، بل ثمة بعض العبارات التي تساعدك على النجاح في مسيرتك المهنية. إليك أهم 4 عبارات يستخدمها الأذكياء في عملهم للتميز والنجاح.
1. "أنا أسمعك": قوة الاستماع الفعال
في التواصل، هناك فرق جوهري بين "السماع" و"الإنصات". فالسماع عملية جسدية سلبية، أما الاستماع فهو جهد واع وفعال لفهم رسالة المتحدث، بما في ذلك مشاعره ونواياه الكامنة. لذا، عندما يقول أحدهم "أنا أسمعك"، فهو لا يكتفي بملاحظة صوتك؛ بل ينخرط في عملية نفسية تعرف باسم (الاستماع الفعال).
في الخلاف أو النقاش، غالباً ما تكون غريزة الشخص الأولى هي الدفاع عن موقفه، لكن عندما تقول له "أنا أفهمك" أو "أنا أسمعك"، ينشط في دماغه نظام المكافأة، فتنتابه مشاعر إيجابية حول الحديث، ويغمره إحساس بالراحة، لأنه يتلقى منك إشارات احترامك لوجهة نظره وتقديرك لمساهمته، ويتحول تركيزه من الفوز في الجدال إلى التفاهم المتبادل.
مع ذلك، من الجدير ذكره أن قول "أفهمك" لا يقتصر على الكلمات فحسب، بل يشمل أيضاً إشارات غير لفظية مثل التواصل البصري والإيماء وتعابير الوجه المناسبة.
اقرأ أيضاً: 7 نصائح لتمارس الاستماع الفعال
2. "أنا متحمس": سر نشر الطاقة الإيجابية
عندما تبادر بقول "أنا متحمس لهذا الأمر" بعد أن شرحه لك الطرف الآخر، فإنك تشير إلى موافقتك الفعلية له، بما يؤثر إيجاباً في ديناميكية المحادثة أو المشروع من خلال تأثيرها فيما يعرف بـ "العدوى العاطفية".
العدوى العاطفية هي ظاهرة نفسية يمكن فيها لمشاعر الشخص وسلوكياته ذات الصلة أن تثير مشاعر وسلوكيات مماثلة لدى الآخرين. فعندما تعبر عن حماسك الصادق، فأنت لا تعبر عن شعور شخصي فحسب؛ بل غالباً ما تنقل هذه الطاقة الإيجابية إلى من حولك.
في بيئة العمل، يمكن لقائد الفريق الذي يعبر عن حماسه، أو أحد الزملاء، أن يجعل المشروع أو المهام الصعبة تبدو أكثر سهولة في الإدارة. علاوة على ذلك، فإنه يشجع الآخرين على مشاركة أفكارهم وحماسهم، مدركين أن مساهماتهم ستقابل بقبول إيجابي مماثل بدلاً من اللامبالاة أو السخرية.
اقرأ أيضاً: هل تريد أن تؤثر في من حولك؟ ابدأ بفهمهم لا بإقناعهم
3. "إليكم الجديد": طريقة ذكية لجذب الانتباه
عندما ترغب في تذكير زميلك أو أحد المرؤوسين بشأن موضوع أو طلب كان قد طرح سابقاً ولم تتلق عليه رداً بعد، قد تلجأ لعبارة بسيطة مثل "ما الجديد؟"، بهدف إعادة فتح الحوار أو دفع الشخص الآخر للرد أو اتخاذ خطوة، دون أن تبدو الرسالة مزعجة. ومع ذلك، غالباً ما تكون مثل هذه الجملة رتيبة ولحوحة.
في المقابل، يختار الأذكياء في عملهم عبارة مثل: (إليكم الجديد) لتعزيز التواصل. الفرق بين هذه العبارة و(ما الجديد؟) جوهري؛ فالأخيرة تبدو طلباً أو إلحاحاً قد يسبب إزعاجاً، لذا فهي لا تكفي لتشجيع الطرف الآخر على التفاعل. أما (إليكم الجديد) فهي تعيد صياغة المحادثة، وتثير الفضول، وتشير إلى وجود تطور مهم يستحق الانتباه.
على سبيل المثال، بدلاً من مجرد تذكير أحدهم بمقترح مشروع سابق، يمكنك قول: "منذ محادثتنا الأخيرة التي عرضت فيها المشروع س، وجدت بعض البيانات المثيرة للاهتمام التي تدعم فرضيتي حول ص. إليك الجديد". بمشاركة رؤى محدثة أو أدلة جديدة، تعطي الطرف الآخر دافعاً لإعادة التفاعل مع الموضوع ودفع النقاش قدماً.
اقرأ أيضاً: متوتر في العمل؟ لعل ما ينقصك هو كلمة تقدير!
4. "شكراً لك على هذا الأمر": لغة الامتنان وأثرها العميق
إن التعبير عن الشكر للزملاء قد يكون وسيلة فعالة للتواصل، لكنها قد تصبح روتينية وتفقد جزءاً من قيمتها الفعلية ما لم تحدد سبب الامتنان والشكر. عندما تشكر شخصاً ما وتحدد ما أنت ممتن له، فإنك تجعل تقديرك حقيقياً وذا معنى، وتعترف بجهوده ومساهماته ذات التأثير الإيجابي.
ينشط التعبير عن الامتنان حلقة تغذية راجعة إيجابية في العلاقات. حيث أشارت دراسة نشرتها دورية "علم النفس" إلى أن كلاً من مقدم الشكر ومتلقيه يحققان فوائد عاطفية؛ فالامتنان يقلل التوتر وأعراض الاكتئاب لدى الشخص الذي يعبر عنه، ويزيد مشاعر السعادة والتواصل لدى المتلقي، ويصبح أكثر قدرة على تقديم أفضل أداء والحفاظ على ولائه.
وفي هذا السياق يشير المعالج النفسي، أسامة الجامع، إلى أهمية الملاحظات الإيجابية التي تقولها للآخرين سواء في العمل أو الصداقات، إذ حتى عبارات بسيطة مثل "وجودك كان له أثر كبير في تحسين جودة العمل" قد يدفع بمعنويات الآخر للأعلى ويعزز شعوره بالرضا والسعادة.
اقرأ أيضاً: الثقة بالنفس أم الغرور؟ إليك الفرق الدقيق الذي يصنع القائد الحقيقي