يرن المنبه، ثم تستيقظ من نومك وتتوجه مباشرة إلى المطبخ لتناول القهوة، في طريقك إلى العمل، تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وحين تصل إلى هناك، تغوص على الفور في الرد على رسائل البريد الإلكتروني، وقبل أن تنتهي من عملك تعود مرة أخرى إلى تصفح الإنترنت استجابة للإشعارات التي لا تتوقف، وتتأخر كثيراً في إنجاز مهام عملك.
محتويات المقال
هل سبق ولاحظت أن يومك مليء بالعادات، وأن بعضها راسخ بعمق لدرجة أنك تفعلها دون قصد؟ هل تجد نفسك أحياناً عالقاً داخل حلقة مفرغة من العادات السيئة متسائلاً عن سبب صعوبة التخلص منها؟ في الحقيقة إن العام الجديد يقدم لك فرصة فريدة للبدء مرة أخرى، ما يجعله الوقت المثالي للتغلب على العادات السيئة التي تعوقك، وإليك عبر هذا المقال كيفية التخلي عن عاداتك السيئة وبناء عادات أكثر نجاحاً.
ما هي العادات وكيف تتشكل؟
العادة هي ممارسة تكررها بانتظام لدرجة أنك قد تواجه صعوبة في تغييرها؛ على سبيل المثال، قضم أظافرك عندما تشعر بالقلق، أو الإفراط في تناول الطعام في أثناء مشاهدة التلفزيون نهاية اليوم. وفي الحقيقة إن عاداتك اليومية ليست كلها سيئة، فهناك عادات صحية وجيدة مثل ممارسة التمارين الرياضية في الصباح وقراءة الكتب قبل الخلود إلى النوم، والفرق الرئيسي بين العادة والروتين يتجسد في الوعي؛ فكلاهما عبارة عن أفعال منتظمة ومتكررة، لكنّ الفرق بينهما هو أن العادة تلقائية، بينما الروتين مقصود.
وحتى تتشكّل العادات يجب أن تصبح السلوكيات آلية، أو بمعنى آخر تحدث دون تخطيط، وفي هذا السياق يوضح مؤلف كتاب "قوة العادات" (The Power of Habit) تشارلز دوهيغ (Charles Duhigg) أن جوهر كل عادة دائمة هو نمط نفسي يسمى حلقة العادات، وتتضمن تلك الحلقة 4 خطوات بالترتيب وهي:
الإشارة أو المحفز: تعد الإشارة الشرارة الأولى التي تشعل حلقة العادة، ويحدث ذلك عندما يحدد دماغك محفزاً مميزاً مرتبطاً بعمل معين، وفي هذه الحالة تعمل الإشارة بصفتها تذكيراً لك، ما يدفع دماغك إلى الاستعداد للعمل، ونظراً لأن الإشارة تعني أنك قريب من الحصول على مكافأة، فسوف تؤدي بطبيعة الحال إلى الخطوة الثانية.
الرغبة الشديدة: هي القوة التحفيزية التي تقف وراء كل عادة، وذلك لأنها تمنحك سبباً للتصرف، ويمكن القول إن ما ترغب في فعله رغبة شديدة ليس العادة نفسها وإنما الشعور أو التغيير الذي تحصل عليه. في النهاية، تنبع الرغبة الشديدة من الحاجة إلى تغيير حالتك الداخلية.
الروتين أو الاستجابة: بمجرد أن يتعرف دماغك إلى الإشارة، تنتقل إلى مجموعة محددة من الإجراءات، ومع مرور الوقت قد تصبح العادة راسخة لدرجة أن السلوك يكون آلياً، ولا يتطلب سوى القليل من الجهد الواعي.
المكافأة: تشعر بمكافأة عاطفية أو جسدية بعد إكمال العمل؛ حيث تعزز هذه المكافأة حلقة الإشارة والاستجابة، ما يزيد احتمالية تكرار السلوك في المرة التالية التي تحدث فيها الإشارة.
اقرأ أيضاً: من الفوضى إلى التنظيم: كيف تسيطر على حياتك في العام الجديد؟
لماذا يصعُب التخلص من العادات السيئة؟
يؤكد أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة ولاية كارولاينا الشمالية (University of North Carolina)، ستيفن بوزينسكي (Steven Buzinski)، أن العادات لا تختفي بسهولة، وذلك لأنها راسخة بقوة داخل عقلك، ويمكن القول إن هناك عدة أسباب تُصّعّب التخلص من العادات السيئة، منها على سبيل المثال:
1. العادات متجذرة بعمق داخل نظام المكافأة في دماغك
تتجذر عاداتك بعمق داخل نظام المكافأة في دماغك، ففي كل مرة تنجز فيها أحد الأعمال أو الأنشطة اليومية يفرز دماغك الدوبامين، ما يعزز السلوك، ومع مرور الوقت، يشكل هذا التكرار مسارات عصبية، ما يجعل العادة تلقائية. وفي حين أن هذه الآلية مفيدة لبناء روتين إيجابي مثل ممارسة الرياضة أو القراءة، إلا أنها يمكن أن تجعل التخلص من العادات السيئة، مثل الإفراط في الأكل أو التدخين أمراً صعباً. وغالباً ما توفر العادات السيئة مكافأة عاطفية سريعة، سواء كانت تخفيفاً للتوتر أو تشتيتاً أو شعوراً بالسيطرة، وهذا هو السبب في صعوبة التخلي عنها.
2. الحواجز العاطفية أمام التغيير
إن التخلص من عادة سيئة لا يتعلق فقط بالتوقف عن سلوك ما؛ بل يتعلق أيضاً بمعالجة المشاعر المرتبطة بهذا السلوك، حيث تعمل عادات عديدة بصفتها آليات للتكيف مع بعض مشاكل الصحة النفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو الصدمات، على سبيل المثال، قد يلجأ شخص يعاني التوتر إلى الإفراط في تناول الطعام، بينما قد يجد آخرون صعوبة في الانفصال عن هواتفهم لتجنب مواجهة المشاعر الصعبة.
ومن دون معالجة هذه المحفزات العاطفية الأساسية وتلك المشاكل النفسية الأعمق، قد تستمر العادة أو تحل محلها عادة أخرى سيئة، وهذا هو السبب في أن التغيير المستدام وتبنّي العادات الإيجابية يتطلب أكثر من قوة الإرادة، فهو يحتاج إلى الفهم والوعي والتعافي.
3. التخريب الذاتي
هناك حاجز شائع أمام التخلص من العادات السيئة وهو التخريب الذاتي، وعادة ما يحدث هذا التخريب حين تخاف النجاح وتقف عائلاً أمام تحقيق أهدافك، وذلك لأنك تشعر في أعماقك بأنك لا تستحق النجاح، ولهذا فأنت تقاوم التغيير الإيجابي دون وعي.
اقرأ أيضاً: لماذا قد نقف أحياناً في طريق نجاحنا؟ تعرف إلى التخريب الذاتي
7 نصائح للتخلص من العادات السيئة وتبنّي عادات إيجابية في العام الجديد
إذا كنت ترغب في التخلي عن عادة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، أو الإقلاع عن التدخين أو التوقف عن الإفراط في تناول الطعام أو غير ذلك من العادات السيئة، فهناك خطوات يمكنك اتخاذها لتحقيق ذلك، لن يكون الأمر سهلاً لكنه يستحق المحاولة، وإليك أهم النصائح التي يمكن أن تساعدك:
1. افهم سبب رغبتك في التخلي عن العادة السيئة
حدد الأسباب التي تجعلك ترغب في تغيير العادة السيئة، هل تريد تحسين أدائك المهني، أم بناء علاقات أفضل، أم تعزيز ثقتك بنفسك؟ مهما كان الهدف الذي تريد الوصول إليه، فإن فهم أسبابك جيداً سوف يكون حافزاً داخلياً قوياً خلال الأوقات الصعبة، ولذلك اكتب تلك الأسباب في مكان تراه عينيك باستمرار لتذكير نفسك بالرغبة في التخلص من عادة سيئة.
2. اكتب ما تشعر به بالتفصيل بعد فعل العادة السيئة
ينصح الطبيب النفسي، يوسف الحسني، بضرورة كتابة ما تشعر به بعد فعل العادة السلبية، لذا احرص على كتابته على نحو تفصيلي، واحتفظ بما كتبت، وعندما تشعر بأنك تريد أن تكرر هذه العادة اقرأ ما كتبت واستشعر الإحساس جيداً، وتساءل: "هل يستحق هذا الفعل الذي يسبب متعة لحظية أن يجعلني أقاسي الشعور بالذنب وجلد الذات؟".
3. قلل التعرض إلى المحفزات
غالباً ما تظهر العادات السيئة استجابة لمحفزات خارجية، سواء كانت نابعة من العواطف أم البيئات أم مواقف محددة، على سبيل المثال، قد يؤدي الإجهاد في العمل إلى الإفراط في تناول الطعام، أو قد يؤدي الشعور بالملل إلى قضاء وقت طويل في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي. ودون فهم ما يحفز السلوك وتقليل التعرض لهذا المحفز، من الصعب كسر العادة.
لهذا إذا كنت تكافح للابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، حاول أن تشغل وقت فراغك بممارسة هوايتك المفضلة، وعلاوة على ذلك، احرص على إزالة التطبيقات من الشاشة الرئيسية، أو استخدم تطبيقات التركيز، أو ضع هاتفك في غرفة أخرى.
4. استعد للشعور بعدم الراحة
عندما تحاول التخلص من عادة سيئة، فإن أحد أهم الأشياء التي يجب عليك إدراكها جيداً هو إعداد نفسك للشعور بعدم الراحة، وفي هذا السياق، تشرح المعالجة النفسية، ناتاشا ديوك (Natacha Duke)، أن البشر يميلون إلى تجنب المشاعر غير المريحة، وعندما يبدؤون عملية التغيير قد يغادرونها مبكراً لأنهم غير مستعدين لتحمل الشعور المؤقت بعدم الراحة، وتنصح ديوك بضرورة تحمل هذه المشاعر من خلال إفساح المجال لها، وتعلم طرائق صحية لتهدئة الذات.
5. استبدل بالعادات السيئة أخرى إيجابية
بدلاً من التركيز على التخلي عن عادة سيئة غير مرغوب فيها، ركّز على بناء عادة إيجابية جديدة في مكانها؛ حيث إن تقديم سلوك إيجابي يشغل المساحة نفسها التي يشغلها السلوك السلبي يمكن أن يخلق انتقالاً أكثر سلاسة، على سبيل المثال، إذا كنت تريد التوقف عن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي قبل النوم، ففكر في استبدال بضع دقائق من التأمل أو القراءة بتلك العادة، وسيساعدك هذا النهج على تعزيز المكافأة والنتائج الإيجابية.
6. ضع نفسك في بيئة داعمة
أحط نفسك بأشخاص يتسمون بالتفكير الإيجابي ولديهم أهداف مماثلة لأهدافك، وذلك لأنك تتأثر بما يفعله الآخرون في محيطك، وهذا يعني أن وجودك بين مجموعة إيجابية يمكن أن يكون المحفز الأكبر لمساعدتك على الحفاظ على عاداتك الإيجابية الجديدة.
7. اجعل ممارسة العادة السيئة صعبة
عادة ما تترسخ العادات السيئة لأن إنجازها سهل بما يكفي للإاخراط فيها، ولهذا إذا جعلت السلوك صعباً فلن تتمكن من إنجازه بسهولة. على سبيل المثال، إذا كنت تفرط في تناول الطعام غير الصحي، لا تجعله أمام عينيك في البيت، واحرص على عدم شرائه، في هذه الحالة، إذا أردت أن تتناول ذلك الطعام سيتعيّن عليك ارتداء ملابسك والخروج من أجل شرائه وهذا قد يكون صعباً بعض الشيء.