ملخص: تؤثر الضغوط المالية في الأزواج والزوجات بطرائقَ مختلفة، فالتوتر الناتج من هذه الضغوط يلقي بظلاله على جودة العلاقة الزوجية ويزعزع استقرارها، ويؤدي بمرور الوقت إلى العديد من المشكلات النفسية والجسدية.
محتويات المقال
"إذا دخل الفقر من الباب، هرب الحب من النافذة"! هل هذا صحيح؟ هل يستطيع المال فعلاً أن يشتري السعادة؟ حسناً، دعونا نتفق أن استمرار الزواج المستقر يحتاج إلى جهد كبير من الزوجين، حتى ولو كان كلاهما من أصحاب الملايين، فما بالك إن كانا يعانيان من مشكلات مالية. لذلك؛ من المهم أن تتعرف إلى كيفية تأثير الضغوط المالية في العلاقة الزوجية وكيف يمكن التغلب عليها والحد منها.
اقرأ أيضاً: كيف تصمد علاقة الشريكَين في وجه الأيام؟
ما هي الضغوط المالية؟ وكيف تؤثر في الصحة النفسية؟
لا شك أن المال يؤدي دوراً حيوياً في جودة المعيشة، فالأزواج الذين يشعرون بالرضا عن مواردهم المالية يشعرون غالباً بالرضا عن أنفسهم وعن زواجهم. أما الضغط المالي، فهو التوتر العاطفي المرتبط بالمال على وجه التحديد، وعلى الرغم من أنه مشكلة قد يعاني منها أي شخص؛ لكنها غالباً ما تحدث في الأسر ذات الدخل المنخفض، فقد يسبب عدم كسب المال الكافي لتلبية الاحتياجات مثل دفع الإيجار ودفع الفواتير وشراء الأغراض المختلفة شعوراً بالتوتر.
ويمكن للضغوط المالية الشديدة أن تؤثر في الصحة النفسية، وربما الصحة الجسدية أيضاً، فقد تؤدي إلى القلق، والاكتئاب، والتغييرات السلوكية مثل الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، وبعض الأعراض الجسدية مثل آلام المعدة أو الصداع.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما لا يكن لك شريك الحياة الاحترام
كيف تؤثر الضغوط المالية في العلاقة الزوجية؟
وفقاً لدراسة منشورة في مجلة الزواج والأسرة (Journal of Marriage and Family) نفذتها مجموعة من الباحثين من عدة جامعات أميركية بقيادة سيونهوا لي (Seonhwa Lee) من جامعة كاليفورنيا؛ فإن الضغوط المالية تؤثر في استقرار العلاقة الزوجية وتزعزعها لأن الأحداث المالية السلبية مثل الدخل المنخفض أو فقدان الوظيفة، غالباً ما تجبر الأزواج على إجراء تعديلات غير متوقَّعة وغير مرغوب فيها في نمط الحياة غالباً ما تثير الخلافات بينهما؛ مثل تقليل نفقات المعيشة، أو اقتراض المال لدفع الفواتير، أو بيع الممتلكات لجمع المال، أو العثور على وظيفة ثانية.
يؤدي كلٌ من الضغط المالي والضغط المرتبط بهذه التغييرات إلى زيادة التوتر بين الزوجين بمرور الوقت؛ ما قد يسبب نشوء الخلافات الزوجية التي تزيد الضغط العاطفي، وقد تزيد السلوك العدائي بين الزوجين، بالإضافة إلى أنها تقلل التفاعلات الإيجابية فيما بينهما؛ مثل تقليل الوقت الجيد الذي يمضيانه معاً، وتقليل الدعم الاجتماعي الذي يقدمانه لبعضهما بعضاً؛ ما يؤدي في المحصلة إلى زعزعة استقرار الزواج على نحو أكبر.
ويُعد عدم استقرار العلاقة الزوجية مصدر إجهاد في حد ذاته، وله عواقب وخيمة على الصحة النفسية، فقد يسبب الشعور بالضيق النفسي وتفاقم المشاعر السلبية مثل القلق والغضب والحزن والخوف، وقد يسهم في نشوء بعض مشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسبب الضغط المالي الانخراط في مجموعة متنوعة من السلوكات غير الصحية؛ مثل الإفراط في تناول الطعام، أو الإدمان على الكحول، أو تعاطي المخدرات.
جدير بالذكر إن القلق الناجم عن الضغوط النفسية والاجتماعية يسبب استثارة الجهاز العصبي اللاإرادي، وعلى الرغم من أنها استثارة تكيفية تعزز دوران الهرمونات في مجرى الدم، فإنها ترتبط بالعديد من النتائج السلبية على الصحة عندما تحدث على نحو متكرر ومستمر. وفي الواقع، لقد رُبط الإجهاد المستمر المتعلق بالمال بالصداع وآلام المعدة والصداع النصفي وأمراض القلب والسكري ومشكلات النوم.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك تجاوز البخل العاطفي مع الشريك؟
بالإضافة إلى ذلك، وعندما يكون أحد الزوجين متوتراً جداً بشأن المال، فقد يصبح أقل صبراً وأكثر عصبية وعلى استعداد دائم لافتعال الخلافات مع الشريك حول أشياء غير ذات صلة بالموضوع، ودون أن يدرك ذلك حتى؛ ما يسبب عدم الرضا الزوجي.
علاوة على ذلك، فإن الأحداث المجهدة التي تؤثر في المزاج تجعل الأزواج أكثر حساسية، فلا يفكرون بوضوح ويميلون إلى التركيز على التفاصيل التي لا يحبونها في العلاقة الزوجية. على سبيل المثال؛ إذا قال الزوج قولاً أو فعل شيئاً لا تحبه زوجته، فقد تتغاضى عن الموضوع في أثناء الأوقات الخالية من التوتر؛ لكنها لن تكون قادرة على ذلك عندما تكون تحت ضغط عاطفي شديد.
وبالطبع تؤثر المشكلات المالية في الأزواج والزوجات بطرائق مختلفة، فنظراً لأن الرجل يرى في نفسه معيل العائلة؛ فقد يعتبر نفسه فاشلاً عندما لا يستطيع توفير ما يكفي لعائلته، وقد يشعر بمشاعر سلبية أخرى مثل العداء والانفعال والانسحاب والاكتئاب، وقد يؤثر ذلك أيضاً في طريقة معاملته لعائلته.
أما بالنسبة إلى النساء، فتميل الضائقة المالية إلى التأثير في نظرتهنّ إلى الزواج بصفة عامة، وقد يكون هذا جزئياً بسبب حقيقة أن الزوجة تكون مثقلة بالمسؤوليات المنزلية، ومع وجود المشكلات المالية، فإنها قد لا تتحمل الوضع.
في الواقع، صرّح الاختصاصي النفسي عبدالله آل دربا في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات السعودية، بأن غالبية حالات الطلاق في السنة الأولى بعد الزواج في المملكة العربية السعودية تقع بسبب الضغوط المالية.
اقرأ أيضاً: من اللقاء الأول، 5 نصائح لتتعرف إلى شريك حياة مناسب
كيف يمكنك الحد من تأثير الضغوط المالية في زواجك؟
تعتمد القدرة على التعامل مع الضغوط المالية إلى حد كبير على كيفية تعامل الأزواج مع بعضهم بعضاً؛ إذ يمكن للحوار الفعال والدعم الإيجابي فيما بينهم أن يحد من التأثير النفسي للضغط المالي، ويسهل التركيز على إيجاد الحلول.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم للغاية ألا يقوم أحد الزوجين بإلقاء اللوم على الآخر وتحميله المسؤولية كاملةً، حتى ولو كان مخطئاً فعلاً؛ بل يجب تقبُّل المشكلة على أنها مشكلة تخص الطرفين كليهما وليس واحداً فقط، والعمل على إيجاد حل وسط في حدود الإمكانيات المالية؛ لأن التمسك بالاستياء والغضب يصعّب التفكير بوضوح وإيجاد حلول للمشكلات.
إذاً؛ السلوك الداعم والملكية المشتركة للمشكلة يمثلان الخطوة الأولى في الحل ولكن ليس الخطوة الوحيدة؛ إذ لا يزال يتعين على الأزواج التوصل إلى حلول عملية لإدارة الأموال. وعلى الرغم من ضرورة طلب النصائح من المختصين في هذه القضايا، فثمة نصائح قد تساعد على الحد من الوقوع في الضغوط المالية؛ مثل:
1. قيّم مشكلاتك المالية
قد يكون من المستحيل إصلاح الضغوط المالية بين عشية وضحاها؛ لكن يمكن تحقيق النجاح من خلال التخطيط الجيد. لذلك؛ اكتب قائمة بالصعوبات المالية التي تهمك وتهم الشريك، واتخذ خطوات صغيرة لمعالجة كل مشكلة على حدة.
اقرأ أيضاً: ما بعد الخيانة الزوجية: كيف يتجاوز الشريكان هذه المحنة؟
2. تحدَّث عن وضعك المالي مبكراً
التواصل الجيد هو أساس الزواج الناجح. لذلك وتجنُّباً للمشكلات المستقبلية؛ حاول أن تناقش الشريك وتفصح له عن وضعك المالي بصراحة. بكلمات أخرى؛ تحدّثا عن الديون أو القروض أو مصادر الدخل أو الاستثمارات أو الالتزامات المالية التي يمتلكها كل منكما.
3. تحدَّث عن توقعاتك ومخاوفك المالية وافهم مخاوف الشريك
في بعض الأحيان، لا تكون المشاجرات المتعلقة بالمال بسبب المال في حد ذاته؛ وإنما نتيجة الحالة المزاجية. على سبيل المثال؛ قد يكون الزوج منزعجاً لأن زوجته تنفق الكثير من المال، ليس خوفاً من عدم قدرته على تحمل هذه التكاليف؛ وإنما بسبب خوفه من عدم القدرة على دفع الفواتير أو الالتزامات يوماً ما.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود المخاوف التي تتعلق بالمال قد يسبب الشعور بالتوتر والإجهاد؛ وهو ما قد يؤدي الى افتعال مشكلات حول أشياء سخيفة لا علاقة لها بالموضوع. لذلك؛ تحدَّث عن مخاوفك واشرحها للشريك، وافهم أيضاً مخاوفه الخاصة المتعلقة بالمال.
4. تتبَّع نفقاتك وضع خطة للميزانية
إن تتبُّع الأموال ليس شيئاً يجيده الجميع، ومع ذلك، فإنه خطوة مهمة لبناء علاقة مالية صحية مع الشريك. لذلك؛ من المهم معرفة من أين يأتي المال وأين يُنفق. في الواقع، يمكن لتتبُّع نفقاتك أن يساعدك أنت والشريك على معرفة أين أُنفقت الأموال على نحو كبير وأين كان بالإمكان تقليلها، ووضع خطة للتعامل مع هذه النفقات؛ ما يساعد على الاستعداد لأي انتكاسات قد تأتي مستقبلاً. وليس بالضرورة أن يكون تتبُّع النفقات أمراً في غاية الملل أو الصعوبة، فالتكنولوجيا جعلت تتبُّع النفقات أمراً سهلا للغاية، خصوصاً مع انتشار الأدوات والتطبيقات التي يمكنك أن تتعقبها من خلال حساباتك.
اقرأ أيضاً: 5 طرق للتعافي من ألم الانفصال عن الشريك
5. لا تُخفِ الأسرار المتعلقة بالمال
لا يعني هذا أنه ينبغي الإفصاح للشريك عن كل فنجان قهوة تشتريه؛ وإنما يُقصد بالأسرار إخفاء الحسابات المالية، أو الكذب بشأن عمليات الشراء الكبيرة، أو إخفاء الديون أو القروض؛ وهو أمر من شأنه أن يسبب مشكلات عاطفية كبيرة؛ مثل الشعور بالذنب عند الشخص الذي يخفي السر، والشعور بالشك عند الشخص الذي خُدِع وقلة ثقته بالشريك؛ وهو ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الانفصال.
6. امنح الشريك بعض الحرية في الإنفاق
من المهم أن يكون لدى الأزواج بعض القواعد الأساسية لتحديد كيفية إنفاق الأموال؛ مثل تحديد الحد المعقول للإنفاق على الملابس أو ألعاب الأطفال أو الطعام. ومع ذلك، قد يكون من المفيد أيضاً تخصيص ميزانية منفصلة لكل من الزوجين بحدود يُتَّفق عليها؛ بحيث تكون لكل شريك حرية إنفاقها على الأمور التي يختارها.
7. اطلب المساعدة
في حال أوشكت الضغوط المالية أن تؤثر في زواجك على نحوٍ كبير، ففكر في طلب مساعدة شخص آخر؛ سواءً كان متخصصاً في الأمور المالية، أو مستشاراً في العلاقات الزوجية، أو متخصصاً في الصحة النفسية.
8. اعتنِ بنفسك
يمكنك تخفيف الضغط النفسي الذي تعاني منه نتيجة الضغط المالي من خلال الاعتناء بنفسك؛ لأن المحافظة على نمط حياة صحي من شأنها أن تساعدك على إدارة التوتر وتخفيف القلق. لذلك؛ حاول أن تمارس الرياضة لمدة 30 دقيقة في اليوم، أو أن تخصص وقتاً للاسترخاء والتأمل والاستمتاع بنشاط ممتع والتواصل مع الآخرين. كذلك، يمكنك أن تطلب الدعم من العائلة والأصدقاء لتقليل التوتر، وحاول إقناع الشريك أيضاً بأن يعتني بنفسه. من المهم أن تتذكر أن صحتك النفسية والجسدية وعلاقتك الزوجية أهم من المال، فالمال يأتي ويذهب!