الضغوط الاجتماعية في المنزل: كيف تؤثر على العمل في المكتب؟

9 دقائق
الضغوط الاجتماعية في المنزل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

نادراً ما تبقى الضغوط النفسية في المنزل، مثل الخلافات العائلية أو الخلافات الزوجية أو المشكلات المالية أو أعباء تربية الصغار أو رعاية الكبار، حبيسة جدرانه؛ بل غالباً ما تمتد إلى مكان العمل على نحو يؤثر في الأداء والعلاقات مع الزملاء والصحة النفسية. فكيف تؤثر على وجه التحديد؟ وما السبيل إلى تجنب هذه الآثار أو الحد منها؟

اقرأ أيضاً: دليل المدير المشغول لتحقيق التوازن بين العمل والحياة

5 نصائح تساعدك على تجنب تأثير الضغوط العائلية في العمل

من الصعب أن يعيش الإنسان بمنأى عن مسببات التوتر والضغوط أو أن يتخلص منها نهائياً، لذا قد يكون الحل الأمثل هو تعلم كيفية التعامل معها وإدارتها. ومن أهم التقنيات التي قد تساعدك على تقليل تأثير المشكلات العائلية والشخصية في العمل هي تقنية التجزئة.

فالتجزئة، أو التقسيم، أساساً هي آلية دفاع نفسية لا واعية يلجأ إليها الأشخاص لفصل أفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم المتضاربة نفسياً بعضها عن بعض بغية تجنب الانزعاج الناجم عن التنافر المعرفي. 

يمكن استخدام هذه الطريقة عمداً من أجل الفصل بين جوانب الحياة المختلفة وتنظيمها ذهنياً لمنعها من التداخل بعضها مع بعض. بكلمات أخرى، تمكنك هذه الطريقة من تقسيم أفكارك ومشاعرك وتجاربك إلى أقسام ذهنية منفصلة بحيث تستطيع إدارتها بكفاءة أعلى؛ وذلك عبر التركيز على جانب واحد من جوانب حياتك في كل مرة. يمكن القول إنها مثل وضع الأفكار والمشاعر في "صناديق" ذهنية مختلفة إن صح التعبير. 

وبالطبع ليس الهدف هو تجاهل المشاعر أو كبتها؛ إنما تأجيل التعامل معها إلى حين حلول الوقت المناسب. لكن ينبغي الانتباه إلى نقطة مهمة، فكما هو الحال مع آليات الدفاع النفسية، ثمة طرائق صحية وأخرى غير صحية لتقسيم المشاعر. فقد يؤدي استخدام هذا الأسلوب بإفراط دون معالجة المشكلات جذرياً إلى بعض المخاطر، مثل الكبت العاطفي وتوتر العلاقات، في حين أن تطبيقه بوعي واعتدال يجعله أداة فعالة وقيمة في إدارة التوتر وتحسين التركيز والإنتاجية وتحسين التوازن بين العمل والحياة. 

وإليك كيف تطبقه خطوة بخطوة:

1. حدد مسببات التوتر لديك:

ابدأ بتحديد ما يسبب لك التوتر بوضوح. اسأل نفسك: "ما هي الأشياء التي تدور في ذهني الآن؟"، "أيها شخصي وأيها متعلق بالعمل؟". اكتبها إن كان ذلك مفيداً، فذلك يساعدك على إنشاء قائمة ذهنية بـ "الصناديق".

ومن المفيد أن تتعلم بعض تقنيات الاسترخاء، مثل تمارين التنفس العميق واسترخاء العضلات التدريجي؛ إذ تقلل هذه التقنيات الإثارة الفيزيولوجية وتساعد على إدارة التوتر بصورة فعالة.

2. إنشاء حدود ذهنية:

الآن تخيل أن كل عامل ضغط ينتمي إلى صندوق ذهني منفصل، مشكلات عائلتك تندرج ضمن صندوق محدد، ومهام عملك في صندوق آخر، ومخاوفك الصحية تدخل في خانة ثالثة.

الفكرة هي أنك عندما تتعامل مع صندوق واحد، لا تفتح الصناديق الأخرى. على سبيل المثال، عندما تجلس على مكتبك للعمل، قل لنفسك: "الآن، سأفتح صندوق عملي. سأتعامل مع مشكلاتي العائلية لاحقاً، عند الساعة السادسة مساء بعد العمل".

3. قسم الوقت:

حدد أوقاتاً محددة لكل "صندوق". على سبيل المثال: من الـ 9 صباحاً إلى الـ 5 مساء للتركيز على العمل فقط. من الساعة 6 مساء إلى 7 مساء للتعامل مع مشكلاتك الشخصية. 

4. تدرب على إعادة توجيه أفكارك:

عندما تظهر أفكار غير ذات صلة، مثل مشكلة عائلية في أثناء العمل، قل لنفسك بلطف ودون إصدار أحكام: "هذا ليس مكانها، لقد حددت لها وقتاً لاحقاً"، ثم ركز على المهمة التي أمامك.

قد تساعدك اليقظة الذهنية على استعادة تركيزك على اللحظة الراهنة بعيداً عن التفكير في الماضي أو المستقبل، كما أن ممارسة اليقظة بانتظام ستساعدك على تطوير التقسيم عبر تعليمك كيفية الانفصال عن العواطف والظروف المحيطة بك بمجرد انتهائها.

أسهل ما يمكنك البدء به لتعلم اليقظة الذهنية هو وقت تناول الطعام، بأن تصب تركيزك على الطعام وطعمه وقوامه ورائحته ولونه، وبمجرد انتهاء تناول الطعام سوف ينتقل تركيزك تلقائياً إلى أمر آخر.

وجرب أيضاً أن تستخدم طريقة 5 4 3 2 1 لتطبيق اليقظة الذهنية في أثناء العمل؛ وهي أن تستخدم حواسك لملاحظة البيئة من حولك ومنع ذهنك من الشرود. على سبيل المثال، تسمية 5 أصوات يمكنك سماعها، و4 أشياء يمكنك رؤيتها، و3 أجسام يمكنك لمسها في مكان جلوسك، ورائحتين يمكنك شمهما، وطعماً واحداً يمكنك تذوقه.

5. خصص وقتاً للمعالجة العاطفية:

من المهم أن تعالج مشكلاتك وألا تتجاهلها الوقت كله. لذا، بعد انتهاء العمل، عد إلى الصناديق الأخرى وتعامل معها. وهنا قد يساعدك كثيراً أن تدون يومياتك، فتدوين الأفكار والمخاوف المزعجة قد يكون وسيلة لوضعها في خانة ذهنية محددة؛ لأنك، وبمجرد كتابتها، سيسهل عليك تجاهلها وقت العمل، فأنت تعلم أنها مسجلة وسوف تعود إليها لاحقاً عند الحاجة، ما يفسح المجال الذهني لأنشطة أخرى.

كما أن تخصيص الوقت للتأمل والتحدث إلى الأصدقاء والأحبة الموثوقين والمشاركة في أنشطة محببة، من شأنه أن يساعد على معالجة المشكلات الكامنة والحفاظ على التوازن العاطفي. ويرى الخبير الاجتماعي والتربوي، جاسم المطوع، أن الكثير من المشكلات العائلية عبارة عن فجوات بسيطة لا أكثر؛ لكن تجاهلها قد يحولها إلى مشكلات عميقة، وينصح بمعالجتها بالوضوح والصراحة والمودة والمحبة.

من المهم الانتباه إلى كيفية اتباع أسلوب التقسيم والتأكد من أنك لا تستخدمه لتجنب مشاكلك ومشاعرك على الدوام؛ بل ينبغي أن تسعى إلى تحقيق التوازن الصحيح ومعالجة المشكلات العائلية أياً كانت. وبالطبع، لا تتردد في طلب استشارة المتخصصين في الصحة النفسية، إذ يمكن للمتخصص في العلاج النفسي أو الأسري أن يساعدك على التعامل مع الضائقة العاطفية والمشكلات العائلية.

اقرأ أيضاً: كيف تمرن دماغك ليبقى هادئاً في أثناء تعرضك للضغط النفسي؟

كيف تؤثر الضغوط المنزلية في أدائك المهني؟

بالطبع ليس غريباً أن يتأثر عمل الإنسان بما يواجهه من مشكلات شخصية، فوفقاً لنظرية الحفاظ على الموارد التي صاغها العالم هوبفول عام 1989، يمتلك الإنسان موارد عاطفية ومعرفية ونفسية محدودة.

لذا، عندما تستنزف الصراعات المنزلية هذه الموارد، يصاب الفرد بالتوتر وتتراجع سلامته النفسية وقدرته على الانخراط مع الآخرين، ما يضعف أداءه الوظيفي في نهاية المطاف. وقد دعمت أبحاث عديدة صحة هذه النظرية وفقاً لما ورد في دراسة منشورة في دورية ساجا عام 2024. أما كيف يتأثر العمل في المكتب بهذه الضغوط، فذلك كالتالي:

  • انخفاض الإنتاجية وقلة التركيز: يصرف القلق المستمر بشأن مشكلات المنزل انتباه الشخص عن مهام العمل، ويقلل تركيزه، ويزيد احتمالية ارتكاب الأخطاء. فقد وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود أن الصراع بين الأسرة والعمل يؤثر سلباً في السلامة النفسية والرفاهية، وهما أمران ضروريان للحفاظ على التركيز والأداء الفعال.
  • زيادة الغياب: غالباً ما يدفع الضيق العاطفي الشخص إلى التأخر عن العمل، أو الغياب عبر أخذ الكثير من الإجازات أو الاستراحات المرضية، أو الغياب الذهني والشرود في العمل.
  • العلاقات المتوترة في مكان العمل: يصبح الشخص نتيجة العبء العاطفي الذي يحمله أكثر انفعالاً أو تهيجاً تجاه القضايا الصغيرة، ويغدو صبره سريع النفاد تجاه أخطاء الآخرين البسيطة أو طلباتهم، وتراه ينسحب، في الأوقات معظمها، من التفاعلات الاجتماعية في العمل. 

مع مرور الوقت، قد يلحق ذلك ضرراً بالعلاقات مع الزملاء أو المشرفين، ما يصعب التعاون ويزيد عزلة الفرد. ويتحول الأمر إلى حلقة مفرغة، إذ يمكن أن تضيف العلاقات الضعيفة في العمل مزيداً من التوتر، ما يفاقم المشكلة.

  • الاحتراق النفسي: إن التأثير التراكمي لإدارة الضغوط المنزلية المستمرة في أثناء محاولة الحفاظ على الأداء الوظيفي قد يصيب الشخص بالاحتراق؛ وهو حالة من الإرهاق الجسدي والعاطفي والذهني يمكن أن تؤدي إلى الشعور باللامبالاة وفقدان الدافعية والشعور باليأس والقلق وانخفاض الإنتاجية.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى تقنية الدوائر الثلاث لتخفيف ضغط العمل

المحتوى محمي