كيف يؤدي الضغط النفسي إلى الإصابة بالبهاق؟ وكيف تتعامل معه؟

4 دقيقة
البهاق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

البهاق مرض يفقد فيه الجلد الخلايا الصبغية؛ ما يؤدي إلى ظهور بقع متفرقة فاتحة اللون. ومن المفهوم أن يعاني مرضى البهاق تداعيات عديدة تمس الصحة العاطفية والنفسية والحياة اليومية والاجتماعية لكلٍ منهم؛ فالطبيعة المرئية للمرض والوصمة الاجتماعية ومشكلات العلاقات الشخصية والانسحاب الاجتماعي هي بعضٌ من العوامل التي تجعلهم أكثر عرضة إلى المعاناة نفسياً.

في الواقع، وفقاً لدراسة منشورة في دورية مضادات الأكسدة (Antioxidants) عام 2023؛ فإن 90% من مرضى البهاق يعانون اضطراباً نفسياً واحداً على الأقل، ويمثّل القلق الاضطراب الأكثر شيوعاً؛ في حين أن 40% من المرضى يُظهرون أعراضاً اكتئابية.

لكن، هل يمكن القول إن العلاقة بين الاضطرابات النفسية والبهاق علاقة متبادلة؟ بكلمات أُخرى: هل يمكن للاضطرابات النفسية أن تسبب ظهور البهاق؟ دعونا في هذا المقال نتعرف إلى العلاقة المعقدة ما بين هاتين الحالتين وكيف تؤثّر إحداهما في الأخرى.

اقرأ أيضاً: لماذا قد تمتلئ وجوهنا بالحبوب قبل المناسبات المهمّة؟

هل من المحتمل أن تسبب الاضطرابات النفسية مرض البهاق؟

في البداية، ينبغي التنويه بأن البهاق مرض مناعي ذاتي، ومسببات الأمراض المناعية الذاتية متعددة؛ منها عوامل وراثية وبيئية وهرمونية ومناعية، ومنها عوامل محرضة ما زالت غير مفهومة تماماً.

وعلى الرغم من أن الاضطرابات النفسية لا تسبب في حد ذاتها الإصابة بالبهاق على نحو مباشر، فإن العديد من الأدلة تشير إلى وجود صلة بين الضغوط العاطفية والنفسية وظهور البهاق أو تفاقمه؛ إذ ووفقاً لدراسة منشورة في دورية الشرق الأوسط لعلم النفس الحالي (Middle East Current Psychiatry)؛ فإن مرضى البهاق معظمهم يمرون بظرف مجهِد نفسياً يسبق ظهور البهاق.

وقد أكد الطبيب المتخصص في الأمراض الجلدية، محمد الجاسر، في مقال نشره في دورية الأمراض الجلدية والجراحة الجلدية (Journal of Dermatology and Dermatologic Surgery)، وراجع فيه العديد من الدراسات ذات الصلة بالموضوع، إن غالبية الدراسات النظرية تُظهِر أن أحداث الحياة القاسية قد تؤدي إلى ظهور البهاق أو تفاقمه، مع وجود الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات.

اقرأ أيضاً: ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟

كيف يسهم الضغط النفسي في ظهور البهاق؟

على الرغم من أن الآليات الدقيقة لهذا التأثير ما زالت غير مفهومة تماماً، فإن ثمة بعض التفسيرات المحتملة؛ إذ يؤدي الضغط النفسي إلى إطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين؛ التي قد تؤثر في الجهاز المناعي مُحدِثة خللاً في التنظيم المناعي الذاتي.

وقد يؤدي هذا الخلل إلى تغيير أو زيادة في إنتاج السيتوكينات؛ وهي بروتينات تنظّم الاستجابة المناعية؛ ومن ثمّ تسهم زيادة السيتوكينات في حدوث التهاب عصبي يجعل الجسم يهاجم أنسجته؛ ما يؤدي بدوره إلى نشوء أمراض المناعة الذاتية. باختصار، وبالنسبة إلى البهاق، يمكن للتغيرات الهرمونية الناجمة عن التوتر أن تضلِّل الجهاز المناعي على نحو تجعله يهاجم الخلايا الصبغية؛ ما يؤدي إلى ظهور البقع الجلدية الناصعة أو تفاقمها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن التوتر (استجابة الجسم للأحداث المرهقة) قد يكون عاملاً محتملاً في الإصابة بالبهاق، فليس المصابون بالبهاق كلهم يعانون مستويات عالية أو ثابتة من التوتر؛ لذلك لا يمكن القول صراحة إن التوتر وحده يسبب البهاق؛ وإنما قد يتفاعل التوتر مع عوامل أخرى على نحو يحفّز الإصابة بالبهاق أو يفاقمه عند الأشخاص الذين يمتلكون استعداداً وراثياً للإصابة به.

اقرأ أيضاً: هل يسبب الضغط النفسي الشيب المبكر؟ وما الذي يمكنك فعله لمواجهته؟

إذاً؛ يمكن القول إن العلاقة بين البهاق والضيق النفسي معقدة وليست مفهومة تماماً؛ لكنها متبادلة في كثير من الحالات. إذ كما يمكن لكلٍ من الضغط النفسي والصدمة العاطفية أن يؤدي دوراً في ظهور البهاق أو تفاقمه عند الأفراد المعرضين للإصابة؛ كذلك يمكن للبهاق أن يثير الضائقة النفسية أو يفاقمها مسبباً ظهور بعض الاضطرابات النفسية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن العديد من المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية؛ مثل القلق والاكتئاب والإحباط، غالباً ما تتطور نتيجة التعايش مع البهاق وليس بالضرورة قبله.

والجدير بالذكر هنا إن الإرتباط بين الاضطرابات النفسية والبهاق قد ينتج في بعض الأحيان عن وجود عوامل بيولوجية مشتركة؛ إذ وفقاً للدراسة المذكورة آنفاً في المقدمة؛ فإن ارتفاع مستويات السيتوكينات المحرضة على الالتهابات قد لوحظ في كلٍّ من البهاق وبعض الاضطرابات النفسية مثل اضطراب الوسواس القهري والاضطراب الثنائي القطب والفصام؛ ما قد يشير إلى وجود مسارات مَرَضية والتهابية مشتركة بين البهاق وهذه الاضطرابات، وليس بالضرورة أن يشير إلى علاقة سببية في الأحوال جميعها.

اقرأ أيضاً: هل يؤثر القلق والتوتر في الدورة الشهرية؟

8 نصائح تساعدك على التعامل مع الضغط النفسي

ثمة العديد من النصائح التي تساعد على التعامل مع الضيق النفسي الناجم عن حدث مؤلم في الحياة، بالإضافة إلى أنها قد تساعد على التعامل مع التوتر المزمن أيضاً الذي قد ينتج عن إرهاق عاطفي أو بيئي أو غير ذلك؛ وإليك أهمها:

  1. تقبّل ما يحدث: بالنسبة إلى الأحداث التي لا تُمكنك السيطرة عليها، فإن تعلُّم قبول الموقف قد يقلل مشاعر الضيق؛ لذا اكتب قائمة بالأحداث التي لا يمكنك التحكم بها، وامنح نفسك الإذن بألا تقلق بشأنها، ثم ركز على ما يمكنك فعله.
  2. تقبّل مشاعرك واسمح لنفسك بالحزن: المشاعر غير السارّة موجودة، سواء اعترفت بها أو لا، ومحاولة منع مشاعرك من الظهور ستؤدي إلى خلق المزيد من المشاعر السلبية وزيادة التوتر وتأخير قبول الوضع الجديد. لذلك؛ تعرّف إلى مشاعرك واعترف بها واسمح لها بالظهور، وابكِ إن شعرت برغبة في ذلك، فالبكاء يساعد على تخفيف التوتر ويحسِّن الحالة المزاجية.
  3. عبّر عن الامتنان: حاول أن تواظب على الامتنان لما تمتلكه ولو مدة 5 دقائق يومياً؛ إذ وُجد أن المواظبة على كتابة قائمة الامتنان تزيد المشاعر الإيجابية وتعزز الرضا وتقلل الاكتئاب.

اقرأ أيضاً: ما أسباب السعال النفسي؟ وكيف يمكن علاجه؟

  1. نمِّ مرونتك النفسية: عن طريق تقبل الأفكار والمشاعر السلبية دون إصدار أحكام على الذات، وممارسة اليقظة الذهنية، وإعادة صياغة الأفكار السلبية والاستعاضة عنها بأفكار واقعية، وتطوير مهارات حل المشكلات، وتطوير عقلية النمو عن طريق الإيمان بالقدرة الشخصية على التعلم من التجارب، وعَدِّ التحديات فرصاً للنمو.
  2. صُن صحتك الجسدية: اتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً؛ أي أكثِر من الخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة، واعتدل في تناول اللحوم، وقلل تناول الأطعمة العالية المحتوى من السكريات والدهون، فضلاً عن ضرورة ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
  3. تعلم استراتيجيات إدارة التوتر: يساعد التأمل واليوغا وتدوين اليوميات وممارسة التنفس العميق والأنشطة الإبداعية في الحفاظ على الثبات وتخفيف الضغوط اليومية.
  4. اطلب الدعم الاجتماعي: ابنِ شبكة قوية للدعم الاجتماعي خلال الأوقات الصعبة، وتواصل مع الأصدقاء واقضِ وقتاً كافياً معهم.
  5. ابتعد عما يثير فيك التوتر أو القلق: في بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل أن تتخلص من الأمور التي تزيد توترك أو تقلل تعرضك إليها، سواءٌ أَكانت نشاطاً أم شخصاً سلبياً.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين ضغط الدم والصحة النفسية؟ وماذا نفعل لضبطه؟

ختاماً، إذا كانت الضيق النفسي الذي تمر به شديداً أو مستمراً على نحو يصعب عليك التعامل معه بمفردك، فقد يكون من المفيد استشارة مختص في الصحة النفسية؛ إذ سيساعدك على إدارة مشاعرك على نحو أفضل؛ ومن ثَمّ يقيك خطر تطوره إلى قضايا نفسية أو جسدية أخرى مثل البهاق أو غيره.

المحتوى محمي