ما العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطفل؟

4 دقائق
الصحة النفسية للطفل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تؤثر العوامل النفسية في طريقة تفكير الطفل وشعوره وتصرفه، وتحدد كيفية تعامله مع ضغوط الحياة وتواصله مع الآخرين واتخاذه للقرارات، فما أهم العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطفل؟

أن تكون أحد الوالدين، فهذا يعني أن أي طفح جلدي أو عطس مفاجئ لدى طفلك، كفيل بتشغيل زر الخوف والذعر لديك، فالصحة الجسدية لطفلك من أولى اهتماماتك. ولكن، ماذا إن دخل في نوبة من الغضب، أو لاحظت سلوكاً انعزالياً لديه؟ هل يمكن لهذه الحالات أن تثير لديك رد الفعل ذاته؟ قد يكون جواب البعض لا، فمثل هذه المشاعر ليست دليلاً على اعتلال في الصحة!

وما لا يدركه معظم الآباء هو أن الصحة الجيدة لا تتمحور حول الصحة الجسدية فحسب؛ بل تتعلق بالصحة النفسية كذلك، فما أهم العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطفل؟

الصحة النفسية للطفل

الصحة النفسية للطفل هي الراحة والعافية والنمو الأمثل للطفل في المجالات العاطفية والسلوكية والاجتماعية والمعرفية. وغالباً ما تختلف عن الصحة النفسية للبالغين بسبب المعالم التنموية الفريدة التي يمر بها الأطفال؛ حيث تختلف استجابة الأطفال وطرائق معالجتهم للتجارب العاطفية والأحداث المؤلمة التي يمرون بها عن البالغين والأطفال الأكبر سناً، لذا قد يكون التشخيص في مرحلة الطفولة المبكرة أكثر صعوبة مما هو عليه عند البالغين.

تأتي أهمية الصحة النفسية للطفل من أنها:

  • إحدى الركائز الأساسية للصحة الجسدية للطفل.
  • مهمة لتهيئة الطفل من أجل مواجهة التحديات التي يفرضها النمو؛ مثل كيفية التعامل مع النكسات وخيبات الأمل والضغوط، سواء في الأسرة أو المدرسة أو مكان العمل لاحقاً.

اقرأ أيضاً: 3 قواعد للاهتمام بالصحة النفسية للأطفال.

على سبيل المثال؛ تعرَّض الطفل سامي للتعنيف الجسدي من قِبل والده، فكان رد فعله الطبيعي على الإساءة هو السلوك العدائي وإثارة المشكلات في المدرسة، حتى أصبح بنظر زملائه ومدرّسيه شخصاً غير مرحّب به. 

في مرحلة المراهقة، أصبحت المدرسة بيئة قاسية بالنسبة إليه نتيجة الرفض الذي تعرّض له، فتركها وحاول إيجاد عمل؛ إلا أنه غالباً ما كان يصطدم بزملائه ومشرفيه بسبب عدوانيته، فلم يتمكن من الاحتفاظ بعمله.

كعلاج ذاتي؛ اتجه سامي نحو تعاطي الكحول والمخدرات، واعتُقل عدة مرات بسبب الثمالة. وعندما تلقى التشخيص المناسب لاضطراب سلوكه كانت مشكلاته النفسية قد تجذّرت، وصحته الجسدية قد تدهورت.

كان من الممكن أن يتخذ السيناريو منحىً مختلفاً تماماً فيما لو شُخِّص سامي في مرحلة الطفولة من قِبل طبيب مختص، وقُدِّم له العلاج المناسب.

العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطفل

لماذا يُصاب الطفل بالاضطراب النفسي أياً كان نوعه؟ تتضافر مجموعة من العوامل للتأثير في الصحة النفسية للطفل بشكل خاص؛ وهي:

العوامل الوراثية

يشير المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة (NIMH) إلى أن الاضطرابات النفسية قد تنتقل مع الجينات؛ حيث تسهم في تطور اضطرابات الصحة النفسية. ولكن إذا كان أحد الأقارب مصاباً باضطراب نفسي فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن طفلك سيُصاب به؛ بل إنه معرّض لخطر الإصابة بالمرض ذاته، فقد يكون للبيئية المحيطة به تأثير كيميائي يسمح بتنفيذ المعلومات الوراثية أو يمنعه.

ووجدت دراسة نُشرت في "مجلة الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين" (JAACAP) أن العوامل الوراثية تسهم في الإصابة بالاضطرابات التالية:

  • ثنائي القطب وانفصام الشخصية بنسبة تتراوح بين 70% و80%.
  • اضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بنسبة تتراوح بين 60% و90%.
  • القلق والاكتئاب بنسبة 40%.

العوامل البيئية المرتبطة بالأمراض النفسية: البيئة العائلية

يستجيب الطفل للضغوط الخارجية بآلية الكر أو الفر (Fight or Flight Response) على نحوٍ فطري؛ إذ تؤدي هرمونات التوتر إلى ازدياد معدل ضربات القلب وضغط الدم. 

وعندما يكون الطفل في بيئة داعمة من البالغين، فإنه غالباً ما سيتعلم كيفية ضبط هذه التأثيرات الفيزيولوجية وإعادتها، ويطور نظام استجابة صحياً لمواجهة التوتر.

ولكن في حالات الضغط والإجهاد طويل الأمد، وعندما تكون بيئة الطفل غير داعمة، فقد تتعرض بنية دماغه وأنظمة أعضائه الأخرى للتلف؛ ما يزيد خطر إصابته بالأمراض المرتبطة بالإجهاد والضعف الإدراكي، حتى في سنوات البلوغ، فكلما زادت التجارب السلبية في مرحلة الطفولة، زادت احتمالية تأخر النمو والمشكلات الصحية اللاحقة؛ بما في ذلك أمراض القلب والسكري وتعاطي المخدرات والاكتئاب.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للوالدين التعامل مع الطفل ذي الاحتياجات العالية؟

من العوامل البيئية التي قد تسهم في الإصابة بالأمراض النفسية بين الأطفال:

  • الفقر.
  • العزلة الاجتماعية.
  • التنمر.
  • تعاطي المخدرات.
  • الشدائد وأحداث الحياة المجهِدة؛ مثل انفصال الوالدين.
  • الصدمة نتيجة الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
  • الإهمال المزمن.

اقرأ أيضاً: تربية الأبناء بعد الانفصال وفي عائلة مختلطة: مهمة صعبة تنتظر الوالدين

البيئة المدرسية

نوعية العلاقات خارج الأسرة هي عامل مهم آخر؛ إذ يمكن أن يكون للتنمر وضغط الأقران والاستبعاد الاجتماعي الذي يتعرض له الطفل في المدرسة، تأثير سلبي في صحته النفسية. ووفقاً لمنظمة اليونيسكو؛ يؤثر التنمر والعنف الجسدي والنفسي والجنسي ضمن المدراس، في:

  • الصحة الجسدية والنفسية للطلاب: يتسبب بتدنّي احترام الذات والاكتئاب والقلق.
  • الأداء الأكاديمي: قد يضطر ضحايا العنف والتنمر إلى التغيب عن المدرسة أو التسرب منها؛ ما يسبب تدنّي معدلاتهم. حيث أشار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة، المعروف اختصاراً بـ "بيسا" (PISA)، إلى وجود ارتباط بين التعرض للتنمر وانخفاض الأداء في القراءة والرياضيات والعلوم.

اقرأ أيضاً: كيف تهيئ طفلك نفسياًً لمرحلة الدراسة الابتدائية

كيمياء الدماغ: دور الرسل الكيميائية

تؤدي المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ (النواقل العصبية) دور الرسل الكيميائية لإدارة العواطف وتنظيم المزاج، وذلك من خلال تنظيم الاتصال بين الخلايا العصبية، وهو أمر ضروري للعمل الطبيعي. عندما تكون هذه النواقل العصبية غير متوازنة، تزداد فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية وتصعب إدارة العواطف. 

في الأطفال الذين عانوا من الصدمة أو الإجهاد، يمكن أن تتأثر مستويات هذه الناقلات العصبية سلباً؛ ومن أهم هذه النواقل:

  • الكورتيزول: يفرز الجسم هرمون الكورتيزول للتهدئة عبر خفض كمية الأدرينالين في الدم. عندما يتراجع الكورتيزول إلى مستويات غير طبيعية، قد يُصاب الطفل باضطرابات المناعة الذاتية وتضطرب سلوكياته وتنخفض مستويات الطاقة لديه، وكلها عوامل يمكن أن تؤثر في قدرة الطفل على التعلم والتواصل الاجتماعي.
  • السيروتونين: هو الهرمون الذي تنتجه الخلايا العصبية في الدماغ والحبل الشوكي، ويُطلق عليه
    "هرمون السعادة" لأنه قادر على التحكم في السلوك والمزاج وضبط الانتباه. تنخفض مستويات السيروتونين لدى الأطفال المهمَلين والذين يعانون من تدنّي احترام الذات، ومن ثَمّ تتراجع حالتهم المزاجية ويزدادون عدوانيةً، ويصبحون أكثر عرضةً للإصابة بالقلق والاكتئاب.
  • الأوكسيتوسين: هو الهرمون المسؤول عن شعور الطفل بالحب والثقة، ويساعده على بناء العلاقات ويعزز تعاطفه مع الآخرين. عندما يعاني الطفل من العلاقات الأسرية أو المدرسية غير المستقرة، يصبح أكثر عرضة لانخفاض مستويات الأوكسيتوسين، فيزداد خطر إصابته بالاستجابات الالتهابية.
  • الدوبامين: يفرز جسم الطفل الدوبامين عندما يشعر بالرضا كمحفز للسعادة (أو المكافأة)؛ ما يدفعه لتكرار السلوكيات التي جعلته يشعر بالرضا والسرور؛ كما أنه يرتبط بالحركة والانتباه والذاكرة والتعلم. عندما ترتفع مستويات الدوبامين في الجسم، يُظهر الطفل سلوكاً اندفاعياً وفرط نشاط للحصول على الرضا والسعادة الفورية.

أنواع الاضطرابات العقلية عند الأطفال

تُقسم الاضطرابات العقلية عند الأطفال إلى نوعين:

  • الاضطرابات النفسية: تنشأ نتيجة تضافر مجموعة من العوامل الوراثية والنفسية والاجتماعية. على سبيل المثال؛ اضطراب القلق وثنائي القطب والاكتئاب واضطراب الأكل.
  • اضطرابات النمو العصبي: تحدث خلال فترة النمو الجنينيّ أو في الطفولة المبكرة، وتؤثر في قدرة الطفل على التفكير والتعلم والتواصل؛ ومنها التوحد واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.

اقرأ أيضاً: خجل طفلك لا يعيبه، إليك طرق تقوية شخصيته

إذاً، ما يحيط بنا يشكّلنا! نعم هذا صحيح، تؤثر البيئة التي تحيط بنا بشكل كبير في مَن نكون وكيف نتطور، فتشكل قيَمنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا، وتؤثر في صحتنا الجسدية والنفسية؛ أي أن كل صفة نحملها تعود جذورها إلى الطفولة.

المحتوى محمي