"ننام معاً، نعيش ويحتضن بعضنا البعض، ومع ذلك؛ نظل دائماً في نهاية المطاف، وحدنا في العالم". مِن أين يأتي الشعور بالوحدة؟ هل يمكن أن نجعله أقل مرارة؟
لماذا؟
تُقِر نايا؛ المصوّرة البالغة من العمر 25 عاماً، بشعورها بالوحدة رغم إحاطتها بأفراد عائلتها والكثير من الأصدقاء، ولا تفهم لمَ هذا الشعور بالكآبة والحزن عند تناولها الغداء برفقة أقاربها أو في ساعة الذروة في المترو، وتتعجب كيف يمكنها أن تشعر بالوحدة رغم إحاطتها بالناس. الأمر غريب أليس كذلك؟ بل على العكس تماماً؛ الأمر عادي جداً، ومن طبيعة الإنسان أن يشعر بالوحدة. تقول لوري هوكس؛ المعالجة النفسية: "لا يهم ما إذا كانت العزلة حقيقيةً أم لا، فإن الطريقة التي نعيش بها هذه العزلة، هي التي قد تؤدي -أو لا- إلى الكآبة أو المعاناة. لماذا يشعر بعض الناس بحالة من الضيق، أو الاختلاف عن غيرهم، أو يساء فهمهم عندما يشعرون بالوحدة؟
أعيش في عالم مترابط
تُقلل ثقافتنا ومُثُل التواصل الاجتماعي التي تحملها هذه الثقافة، من شأن اللحظات التي نقضيها مع الذات، "ويعج عصرنا بالوسائل التي تسمح لنا بالتواصل مع الآخرين في كل وقت وحين: الهاتف أو الإنترنت أو حتى الرحلات السريعة والسهلة" كما تشير عالمة النفس والمحللة النفسية كاثرين أوديبر؛ مؤلفة كتاب "عدم القدرة على العيش بمفردنا" (Payot 2011). غير أن هذه الأدوات الجديدة تعزز الوعي بالوحدة، بما أنها -عندما تدين تلك الوحدة- فهي تسلط الضوء عليها وتبرزها. يقضي البعض، لأنهم يملكون هاتفاً ذكياً، وقتاً معتبراً في إحصاء منتظم لعدد المكالمات التي تلقوها، و"الإعجابات" الحاصلين عليها، وعدد أتباعهم ...إلخ"؛ وبالتالي أصبحت قيمتهم ومن ثمّ أمنهم، يستند إلى هذه الأعداد من المكالمات والإعجابات والمتابعين، لأن الوحدة تخفي في طياتها شكلاً من أشكال الخطر بالنسبة للشخص الضعيف؛ والذي قد يكون أي فرد منا. تواصل المعالجة النفسية حديثها قائلةً: "هنا تكمن المفارقة بأكملها: في الأساس -وبشكل رئيسي- إننا نعيش وحدانيين؛ لكن يجب أن يرافقنا غيرنا، جسدياً ونفسياً، حتى لا نموت أولاً، ثم لكي نعيش دون أن يعتم وعينا بالوحدة والموت، على الوجود برمته".
لم أتعلم كيف أنفصل عن المحيط
المرافقة أثناء تعلم العيش وحيداً، طريقة مجدية من شأنها أن تغير كل شيء. توّضح لوري هوكس: "إذا كان الطفل قد استفاد من ارتباط آمن وثقة في قدرته على الاستقلالية، فلن يكون بحاجة إلى أن يغذى قدراته من خلال التعرف على الآخر، وعلى حضوره. أما إذا كانت رغباته ومخاوفه، لم يُعتنَ بها ولم يُصغَ إليها، فعندئذ يبرز لديه شعور بالهجر والنقص". بالمقابل، فإن الطفل المحاط بعناية مفرطة، المدلل للغاية، الذي لم يتعلم كيف يفصل نفسه عن محيطه، وخاصةً عن والدته، يواجه هو الآخر بعض الصعوبة في تخيله للعزلة في جانبها البناء. بالنسبة لكاثرين أوديبر؛ إذا كانت تجارب الشعور بالوحدة سابقةً لأوانها أو متكررةً، أو على العكس من ذلك، أو إذا كانت غائبةً" فإن الفرد سيربطها بالمعاناة، وسيقضي حياته يحاول الهروب منها أو حماية نفسه منها".
أتخيل اندماج الماضي
بعد التسليم بكل ما سبق ذكره، سواء كنّا مرافَقين بشكل جيد أم لا، فإننا جميعاً نواجه لحظات الكآبة هذه. يُذّكر الطبيب النفسي كريستوف فور أنه في زمان مضى؛ كنا نُشكل كتلةً واحدة، مندمجين في بعضنا البعض. "عندما كنا في بطن أمهاتنا، اختبرنا الاندماج الذي يؤكد المعادلة المستحيلة "واحد زائد واحد يساوي واحداً". ربما أصبحنا نشعر بشكل لا رجعة فيه، بالحنين إلى تلك اللحظة القوية المثالية؛ الحاضرة أحياناً في المراحل الأولى من العلاقة الرومانسية من قبل - مرةً أخرى! – علينا أن ندعها تختفي إلى الأبد. هذا الحنين يحيلنا إلى الواقع البنيوي والأساسي، فنحن بمفردنا، سواء كنا مع الآخر أم بدونه؛ وهو ما يجعل الفرد يشعر بالتيه، حتى وهو وسط الحشود.
ما العمل؟
-
إعادة الاتصال مع الذات
"هل نخشى الوحدة، أم يرعبنا داخل ذواتنا المجهول الذي لا نعرفه؟ كما يسأل الطبيب النفسي كريستوف فور. أحياناً يكون المرء منفصلاً عن نفسه، وفي هذه الحالة يمكن لتمارين التأمل أن تملأ هذا الفراغ، فتساعدنا على التدرب على معرفة النفس بشكل أفضل؛ من خلال التساؤل حول مخاوفنا ومعتقداتنا ورغباتنا واحتياجاتنا. ومن خلال إعادة الاتصال بالبعد الداخلي الذي تجاهلناه لفترة طويلة جداً؛ تبدو الوحدة أقل رعباً لنا."
-
إعادة توطيد العلاقات
تقول المعالجة النفسية لوري هوكس: "الكثير منا يشتكي من الروابط السطحية، ومن العلاقات التي لا قيمة لها". ومما لا شك فيه، أننا سيقل شعورنا بالوحدة لو انخرطنا بقدر أكبر في نسج العلاقات بحماس ونشاط، لأن الصديق -مثل الحبيب- لا بد من مغازلته! من المفيد أخذ ما يلزم من القوت، وإبداء الاهتمام، والظهور بمظهر لائق، وصناعة الذكريات ... يتعلق الأمر هنا بإعطاء معنىً وقيمة للعلاقات الإنسانية."
-
الاعتماد على أخصائي
توّضح كاثرين أوديبر؛ عالمة النفس والمحللة النفسية: "إن معاناتنا عند مواجهة شعور الوحدة، تدعونا إلى إعادة النظر والتساؤل حول قدرتنا على العيش بمفردنا". من خلال إعادة تجربة الوحدة "الجيدة" - بحضور محلل، معالج، ممارس ... آخر؛ يمكننا أن نواجه الوحدة دون الشعور بالعجز. جوهر الفكرة هنا، هو أن يكون الفرد مصحوباً أثناء تعلم حياة الوحدة، مثلما كانت تلك الرفقة مفيدةً أثناء الطفولة."