هل سبق لك أن وجدت نفسك تكتم تثاؤبك، وتكافح لإبقاء عينيك مفتوحتين، وأنت تحدق في شاشة حاسوبك محاولاً استجماع شتات تركيزك وانتباهك في أثناء أدائك لمهام العمل؟
محتويات المقال
في حين أن التعب البدني وقلة النوم من الأسباب الشائعة لمثل هذا النعاس الذي يداهمك في أثناء العمل، فإنه ثمة بعداً نفسياً للنعاس في مكان العمل قد تجهله. إن فهم هذه العوامل النفسية يمكن أن يساعدك على استعادة تركيزك وزيادة إنتاجيتك وتحسين صحتك العامة، إليك أهمها.
ما الذي قد يتسبب في شعورك بالنعاس في العمل؟
نعاسك في العمل قد لا يكون مجرد تعب أو كافيين غير كاف، بل علامة على أن عقلك أو عواطفك تعمل بلا توقف، والذي يحدث أنك كلما تجاهلت هذا النعاس باعتباره "شيئاً طبيعياً"، زادت الأعراض وتعمقت. إذ يشير مختص طب النوم، مشني السعيد، إلى أن النعاس الناتج عن قلة النوم قد يقود إلى تأثيرات سلبية جسدية وعقلية عديدة، منها زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري والسمنة، فضلاً عن الآثار السلبية في الانتباه والتركيز، والتأثير في مزاج الشخص واستجابته للمواقف المختلفة.
إلا أن الشعور بالنعاس في بيئة العمل لا يرتبط فقط بقلة النوم أو التغذية، بل ثمة أسباب نفسية قد تكون وراء هذا الإحساس بالخمول. إليك أبرز العوامل النفسية التي قد تؤدي إلى النعاس في أثناء العمل:
1. الاحتراق الوظيفي
في الحالة الطبيعية، يستشعر الجسم أي ضغط يتعرض له الفرد باعتباره حالة "طوارئ"، كما في المهام المتراكمة أو تنمر زملاء العمل، ما يثير رد فعل طبيعياً يعرف باستجابة الكر والفر، إذ تفرز الغدة الكظرية هرمون التوتر (الكورتيزول) الذي يهدف لإعداد الجسم لمواجهة الخطر المفاجئ. ومع ذلك، عندما يصبح العمل هاجساً يلاحق الفرد ويدفعه لبذل المزيد من الجهد، فإنه يستنزف طاقته النفسية والجسدية والعاطفية، وهو ما يعرف بالاحتراق الوظيفي.
إنها متلازمة ناتجة عن الإجهاد المزمن في مكان العمل، بحيث يصبح الفرد في حالة "كر أو فر" مستمرة بسبب المواعيد النهائية المتراكمة، أو بيئات العمل السامة، أو التكلف بمهام تفوق قدراته أو العدد غير المنطقي من المسؤوليات، فيستنزف الجسم موارده وطاقته، ويعاني التوتر المزمن.
تسبب هذه الحالة ارتفاع مستويات الكورتيزول فترات طويلة واستنزاف طاقة الفرد، ومن أعراض هذه الحالة الشعور بالتعب والنعاس نتيجة إرهاق أجهزة الجسم بسبب التنشيط المستمر للجهاز العصبي الودي وإفراز هرمون التوتر.
2. فارق التوقيت الاجتماعي
على نحو مشابه لاضطراب الرحلات الجوية الذي يحدث عند السفر عبر مناطق زمنية مختلفة، يمكن أن يحدث فارق التوقيت الاجتماعي (Social Jetlag) الذي لا علاقة له بالسفر إطلاقاً، بسبب اختلاف كبير بين جدول النوم في أيام العمل وجدول النوم في عطلة نهاية الأسبوع، بحيث يبقى الجسم في حالة "تشويش زمني"، وكأنه سافر عبر مناطق زمنية مختلفة، على الرغم من أنك لم تغادر مدينتك.
على سبيل المثال، قد يحدث عند النوم من 11 مساءً إلى 7 صباحاً في أيام العمل، ومن 2 صباحاً إلى 10 صباحاً في عطلة نهاية الأسبوع.
يؤثر هذا الاضطراب في إيقاع الساعة البيولوجية، وهو النظام الداخلي الذي ينظم النوم والهرمونات والمزاج والهضم، ما يجعل الجسم غير متزامن مع البيئة الخارجية، فيتأخر إفراز الميلاتونين (هرمون النوم) أو يفرزه الجسم في غير موعده، مثل فترة ما بعد الظهيرة.
3. تسويف النوم
ظهر مصطلح "تسويف النوم" أول مرة عام 2014، في بحث نشرته مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، لدراسة تأثير تسويف النوم في صحة النوم. تحول المصطلح لاحقاً إلى "المماطلة في وقت النوم للانتقام"، لوصف تأجيل موعد النوم من أجل أشياء لم تستطع تحقيقها خلال اليوم بسبب ضيق الجدول الزمني.
يعكس السهر الانتقامي إلى وقت متأخر الإحباط المرتبط بساعات العمل الطويلة والمرهقة التي لم تترك سوى القليل من الوقت للتمتع الشخصي؛ أي يعبر الانتقام عن استعادة بعض السيطرة على الوقت بالنسبة إلى أولئك الذين يعملون نحو 12 ساعة.
يشيع انتشار هذه الظاهرة لدى عمال الورديات، ومن لديهم وظائف عالية الضغط، وخاصة لدى البالغين الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. لكن على الرغم من السعادة المؤقتة التي ينالها من يؤجل نومه على حساب الترفيه، فإنه يواجه في اليوم التالي شعوراً غامراً بالنعاس والتعب.
4. اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
على الرغم مما توحيه تسمية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فإنه لا يسبب بالضرورة النشاط معظم الوقت، بل قد يكون النعاس المفرط في أثناء النهار أحد أعراضه، بسبب:
- اضطراب الساعة البيولوجية: غالباً ما يعاني المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً في الساعة البيولوجية ينتج عنه تأخر إفراز هرمون النوم ليلاً وبالتالي تأخر مرحلة النوم. هذا يؤدي إلى صعوبة الاستيقاظ بنشاط صباحاً والشعور بالخمول خلال النهار.
- اضطرابات النوم المصاحبة: تعد حالات مثل الأرق، وانقطاع النفس النومي، ومتلازمة تململ الساقين أكثر شيوعاً لدى الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ما يؤدي إلى سوء جودة النوم حتى مع الحصول على ساعات نوم كافية.
- الإرهاق المعرفي: تتطلب إدارة أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مثل تصفية المشتتات أو الحفاظ على التركيز، جهداً ذهنياً مكثفاً، ينتج عنه الإرهاق الذهني والنعاس في أثناء النهار.
5. اضطرابات الصحة النفسية
يمكن أن يؤدي العديد من اضطرابات الصحة النفسية إلى النعاس في أثناء النهار، إما بصورة مباشرة من خلال أعراضها وإما بصورة غير مباشرة من خلال التأثير سلباً في جودة النوم.
في الواقع، يعاني نحو 80% من المصابين بالاكتئاب نعاساً مفرطاً في أثناء النهار. بالإضافة إلى ذلك يمكن لاضطرابات أخرى، مثل الاضطراب ثنائي القطب واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب القلق العام، أن يسبب مشكلات في النوم.
8 خطوات عملية للتغلب على مشكلة النعاس في العمل
لمكافحة النعاس المفرط في أثناء النهار، من الضروري تحسين عادات النوم ونمط الحياة والروتين اليومي باستمرار. عموماً، تختلف اختيارات العلاج باختلاف الحالة التي تسبب النعاس في أثناء النهار، لكنها غالباً ما تتضمن مزيجاً من العلاج النفسي والتغييرات في نمط الحياة، وتشمل:
- إعطاء الأولوية لعادات النوم الصحية: حدد موعداً منتظماً للنوم والاستيقاظ، كل يوم وحتى في عطلات نهاية الأسبوع. الأهم من ذلك أن تخصص السرير وغرفتك للنوم فقط، وليس للعمل أو الشاشات، لذا حافظ فيها على درجة حرارة معتدلة وتميل للبرودة، واحرص على هدوئها وتعتيمها، وتجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.
- تحرك بانتظام: تعد الحركة الجسدية واحدة من أكثر الطرق فعالية لمحاربة النعاس النهاري، خاصة عندما يكون سببه نفسياً أو ناتجاً عن قلة النشاط، لأنها تنشط الدورة الدموية، فيزداد تدفق الدم إلى الدماغ والعضلات، وتعزز إفراز هرمونات مثل الأدرينالين والدوبامين، وهي مواد كيميائية تحفز النشاط الذهني وتحسن المزاج، ما يعزز اليقظة ويقلل الشعور بالخمول.
في الحقيقة إن 10 دقائق من المشي فقط كفيلة بتعزيز اليقظة الذهنية ساعات. عموماً، حاول ممارسة ما لا يقل عن 30 دقيقة من النشاط البدني الخفيف والمتوسط يومياً لزيادة طاقتك خلال النهار، بما في ذلك الوقوف والمشي مدة 5 دقائق كل ساعة، وممارسة تمارين تمدد بسيطة للرقبة والكتفين، واستخدام السلالم بدلاً من المصعد.
- استغل الضوء الطبيعي: الضوء عنصر أساسي في ضبط الساعة البيولوجية للجسم. ففي الصباح، تحفز أشعة الشمس إيقاف إفراز هرمون النوم، ما يرسل إشارات للدماغ بأن وقت الاستيقاظ قد حان. لذا فإن قضاء ساعة أو أكثر في الخارج، حتى في شمس الشتاء، وخاصة في الصباح، يساعد على تقليل الشعور بالخمول ويزيد اليقظة الذهنية.
- خذ قيلولة استراتيجية: القيلولة القصيرة (5-25 دقيقة) كفيلة بتعزيز اليقظة، شرط أن تكون قبل موعد النوم ليلاً بنحو 6-7 ساعات، وألا تزيد على ساعة. كما يمكن اتباع ما يعرف بـ "قيلولة القهوة"، وهي تقنية تجمع بين شرب القهوة ثم أخذ قيلولة قصيرة (نحو 20 دقيقة) لتعزيز النشاط والتركيز على نحو مضاعف، وذلك لأن الكافيين يحتاج إلى نحو 20 دقيقة ليصل إلى الدماغ.
- تناول وجبات متوازنة في أوقات منتظمة: يؤدي النظام الغذائي دوراً مهماً في الشعور بالخمول والنعاس خلال النهار، لذا حاول تجنب الوجبات الدسمة والغنية بالسكر، لأنها تسبب انهياراً في الطاقة، واستعض عنها بالوجبات المتوازنة الغنية بالبروتينات والكربوهيدرات المعقدة والألياف والدهون الصحية. كما حاول التوقف عن شرب المنبهات مثل القهوة خلال فترة لا تقل عن 7 ساعات قبل موعد النوم، كي لا تسبب لك الأرق.
- مارس التأمل واليقظة الذهنية: تعزز تمارين التأمل واليقظة الذهنية الهدوء والاسترخاء، لذا فإن ممارستها المنتظمة تساعد على تحسين جودة النوم ليلاً، وتخفف مستويات هرمون التوتر المزمن والإرهاق الذي يتعرض له الفرد خلال العمل.
- إدارة ضغوط العمل: في مرحلة ما من حياة الفرد يكون المستقبل المهني هو الهدف الأساسي بالنسبة له، لكن ذلك ينبغي ألا يؤثر في صحته النفسية، لذا ناقش مع مدرائك إمكانية تعديل جدول العمل، بما يساعدك على إدارة مخاطر الإرهاق، وتجنب الإصابة بالتوتر المزمن.
- اطلب المساعدة المهنية: إذا كنت تعاني النعاس نهاراً على الرغم من النوم عدداً كافياً من الساعات فقد يكون من المهم استشارة مختص في النوم أو مختص نفسي، لتحديد أسباب المشكلة والعلاج المناسب لها. مثل الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية، أو مشكلات النوم مثل انقطاع التنفس الانسدادي.