ملخص: تؤثر فينا الأحداث المؤلمة بطريقة أو بأخرى، سواء أتعرضنا إليها على نحو مباشر، أم حدثت لأحد المقربين منا، أم تجسدت بصورة حرب أو كارثة طبيعية. في الأحوال جميعها، سنشعر بالقلق والخوف وعدم اليقين والعجز، فكيف نتعامل مع الشعور بالعجز؟ الإجابة في هذا المقال.
قد نشعر في الكثير من الأحيان بالعجز وقلة الحيلة، وبخاصة حين نتعرض إلى الأخبار المزعجة حول الأحداث العالمية؛ بما فيها الحروب والصراعات السياسية والاضطرابات الاجتماعية وتغير المناخ وغيرها من الكوارث التي تبدو ساحقة وغير قابلة للحل. وحين نشعر بالعجز، نغوص في حالة من اليأس، وأحياناً نظل عالقين هناك؛ ما يجعل الحياة صعبة للغاية، وبخاصة حين يكون لزاماً علينا أن نستيقظ كل صباح، ونواجه تحدياتنا اليومية. ومن خلال هذا المقال، سنتعرف معاً إلى كيفية التعامل مع إحساس العجز حيال أحداث الحياة المؤلمة.
ما هو الإحساس بالعجز؟
الإحساس بالعجز هو شعور يحدث للكثيرين من الأشخاص بعد التعرض إلى الأحداث المؤلمة مثل وفاة أحد أفراد الأسرة أو الكوارث العالمية مثل الحروب، ويمكن أن يشعر الأفراد بالعجز أيضاً من جراء الضغوط المزمنة مثل الفقر والبطالة والمرض. وعادة ما يحدث هذا الشعور بسبب اعتقاد هؤلاء الأفراد أنهم غير قادرين على السيطرة على الوضع أو تغييره، ويؤدي الإحساس بالعجز إلى زيادة مشاعر التوتر والاكتئاب.
9 علامات للشعور بالعجز
تؤكد المعالجة النفسية يولاند رينتيريا (Yolanda Renteria)، إن الناس يشعرون بالعجز لأنهم يصبحون غير قادرين على اتخاذ أي إجراء حيال ما يحدث معهم، والحقيقة أن ثمة علامات مرتبطة بالشعور بالعجز؛ وهي:
- تدني احترام الذات.
- انخفاض الدافع.
- مشاعر الإحباط.
- السلبية.
- الشعور بالاستسلام.
- عدم القدرة على إتمام المهام اليومية.
- فقدان القدرة على السيطرة.
- الشعور بالإرهاق.
- اضطرابات النوم.
ما الأسباب التي قد تؤدي إلى الشعور بالعجز؟
غالباً ما يحدث الإحساس بالعجز استجابة إلى المواقف التي يشعر فيها الشخص بأن سيطرته محدودة على النتيجة، وهذه أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذا الشعور:
- التجارب المؤلمة: إذا كانت ثمة أي تجارب مؤلمة في حياة الشخص، فقد تؤدي إلى الشعور بالعجز؛ وذلك لأن الشخص قد يشعر بأنه غير قادر على التعامل مع ما حدث، وأنه عاجز عن تغيير الأمور، ويمكن أن تشمل التجارب المؤلمة سوء المعاملة والعنف والحوادث وصدمات الطفولة.
- أحداث الحياة السلبية: يمكن لأحداث الحياة السلبية أيضاً أن تجعل الشخص يشعر بالعجز، وقد تتجسد هذه الأحداث في فقدان الوظيفة، أو الطلاق، أو تشخيص إصابة طفل بمرض ما، أو الكوارث العالمية التي تحدث للآخرين ولا يمكننا التصرف حيالها.
- الإصابة بالأمراض المزمنة: إذا كان شخص ما يعاني مرضاً مزمناً، فقد يؤدي ذلك إلى شعوره بالعجز لأنه قد يشعر بأنه لا يتحكم في حياته، وأن مرضه يملي عليه ما يمكنه فعله وما لا يمكنه فعله، وقد يشعر أيضاً بأنه يشكل عبئاً على المحيطين به.
- الاكتئاب: غالباً ما يرتبط الاكتئاب بمشاعر العجز؛ وذلك لأن الشخص المصاب به قد يشعر وكأنه عالق في دائرة من الحزن واليأس، فلا يرى أي إيجابيات في حياته، ويعتقد أن الأمور لن تتحسن أبداً.
اقرأ أيضاً: 9 نصائح لتتجاوز الأيام الثقال وتخفف وطأتها
كيف تتغير حياتنا عندما تفاجئنا الأحداث المؤلمة؟
تحدث أحداث الحياة المؤلمة أو الحوادث المأساوية في الغالب دون سابق إنذار، ويمكن أن تحدث لنا شخصياً أو نتعرض إليها إما من خلال تجربة صديق أو جار وإما عبر وسائل الإعلام والتقارير الإخبارية. وعادة يكون من الصعب للغاية تجنب واقع الموت والألم والمأساة، ونتيجة لذلك؛ يمكن أن يبدو العالم وكأنه مكان مخيف، ويصبح الشعور باليأس والعجز أمراً شائعاً.
وعندما نشهد حادثاً مؤلماً، فإن الشعور بالعجز غالباً ما يجلب معه الغضب واليأس والخوف؛ حيث نتحد مع الحزن والمشاهد المأساوية. وحين يحدث ذلك، حتى أبسط الأشياء يمكن أن تجعلنا نشعر بالإرهاق! أولاً نُصدم من الحدث نفسه، ثم يتغلب علينا طوفان من المشاعر التي لا نملك المكان ولا القدرة ولا الوقت على معالجتها، فبعض الأشخاص يعجزون عن متابعة أيامهم بصورة طبيعية، والبعض الآخر منهم لا يملكون الكلمات للتعبير عما يشعرون به.
وفي الكثير من الأحيان، يقع بعض الأشخاص في حلقة من التفكير السلبي تتمثل في إعادة عرض الأحداث، ثم التفكير فيها على نحو متكرر، وبعد ذلك تأتي مرحلة تفكير "ماذا لو؟" والتساؤل عما كان بوسعنا فعله لمنع ما حدث. وحين ندرك أننا لا يمكننا القيام بشيء، نُشغل بأفكار القلق والذعر، ويمكن أن نشعر بالتهديد أو الخوف.
ما التأثيرات النفسية للأحداث المؤلمة؟
تجعل الأحداث المؤلمة الكثير من الناس يشعرون بالخسارة والإحباط واليأس والخوف، ويمكن أن تسبب مجموعة من الاضطرابات الجسدية والنفسية؛ مثل:
- البكاء وصعوبة التركيز.
- القلق والخوف.
- الحزن والاكتئاب.
- الشعور بالذنب أو العار.
- الإحساس بالانفصال عن الآخرين.
- اضطرابات النوم.
- الصداع.
- تسارع ضربات القلب.
- آلام المعدة.
- الشعور بالدوار والإغماء.
- معاناة اضطرابات في الشهية.
اقرأ أيضاً: لماذا تتوقف حياة البعض عند الصدمات النفسية، بينما ينجو منها البعض الآخر؟
7 طرائق فعالة للتعامل مع الشعور بالعجز تجاه الأحداث المؤلمة
في أثناء وقوع الأحداث المؤلمة، يختبر الأفراد مجموعة واسعة جداً من المشاعر؛ وأهمها العجز. والحقيقة أنه لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتعبير عن مشاعرك؛ ولكن من المهم للغاية التوصل إلى طرائق صحية للتعامل مع إحساس العجز تجاه الأحداث المؤلمة؛ ومن أهم تلك الطرائق:
- لا تقمع مشاعرك أو تنكرها: قد تشعر أن أفضل طريقة لممارسة حياتك اليومية هي قمع ردود أفعالك العاطفية تجاه ما تشاهده على شاشة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكن ذلك غير صحي. اسمح لنفسك بتجربة كل ما تشعر به، هذه المشاعر تخصك، وهي صحيحة، امنح نفسك المساحة للتعامل معها. هل الإحساس بالعجز يجعلك غاضباً أم خائفاً أم قلقاً أم حزيناً أم محبطاً؟ إن الاعتراف بهذه المشاعر وتحديدها يمكن أن يساعدك على معالجتها.
- ركّز على ما يمكنك التحكم فيه: عندما تقضي الكثير من الوقت وأنت تفكر في الأشياء التي لا يمكنك تغييرها، فمن المرجح أن تزيد مشاعر العجز؛ وذلك لأن التركيز على تلك الأشياء غير القابلة للتغيير يجعلك تشعر بمزيد من الهزيمة. وفي المقابل، فإن الاهتمام بالأشياء التي يمكنك التحكم فيها يمكن أن يساعدك على الشعور بالإيجابية، فهو يوفر إحساساً أكبر بالقوة، وقد يمنحك الدافع والطاقة للعمل على إحداث التغيير. على سبيل المثال؛ لا يمكنك حل مشكلة المناخ لكن يمكنك دعم مبادرات الحفاظ على البيئة.
- ممارسة اليقظة الذهنية: يغرقك الشعور بالعجز في الأحداث المؤلمة وكأن عليك التحكم في كل شيء! ولأنك لا تملك القدرة على تغيير الأحداث؛ فسوف ينتهي بك الأمر إلى الشعور بمزيد من الحزن. في هذه الحالة، يمكن لليقظة الذهنية والتركيز على الوقت الحاضر، أن يكونا من الطرائق الأكثر فعالية للتغلب على الإحساس بالعجز؛ وذلك لأن السيطرة على حاضرك قد تجعلك تشعر بحزن أقل ورضا أكبر عن الحياة.
- احصل على قسطٍ كافٍ من النوم: يجد بعض الأشخاص صعوبة في النوم بعد وقوع حادث أليم، أو يستيقظون طوال الليل. إذا كنت تواجه مشكلة في النوم، فلا تذهب إلى السرير إلا عندما تكون مستعداً للنوم، وتجنب استخدام الهواتف المحمولة أو أجهزة الحاسوب في السرير. ابتعد تماماً عن شرب الكافيين قبل 6 ساعات على الأقل من الذهاب إلى السرير، وإذا استيقظت ولم تتمكن من النوم مرة أخرى، فحاول كتابة ما يدور في ذهنك.
- أبقِ نفسك مشغولاً: إحدى الطرائق الأساسية لمنع نفسك من الشعور بالعجز هي إبقاء نفسك مشغولاً. قد يكون من المفيد أيضاً التركيز على الأشياء التي تجيدها، أو التي تجعلك سعيداً. سيساعدك ذلك على تعزيز ثقتك بنفسك، ويجعلك تشعر ببعض السيطرة. وعندما تكون ثمة أوقات لا يمكنك فيها تجنب الشعور بالعجز، حاول أن تتذكر أنه مجرد شعور مؤقت سيمر.
- تحدث إلى أحد المقربين: عندما تشعر بالعجز، فإن التحدث إلى صديق أو أحد أفراد العائلة سيساعدك على الشعور بالتحسن؛ حيث يمكنه تقديم الدعم والمشورة حول كيفية التعامل مع المشاعر التي تمر بها، وفي بعض الأحيان، مجرد وجود شخص ما للتحدث إليه يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً.
- كن لطيفاً مع نفسك: يداهمنا في أثناء وقوع الأحداث المؤلمة الكثير من المشاعر السلبية مثل العجز والإحباط والقلق والتوتر، وحتى تُمكنك معالجة هذا الكم الهائل من المشاعر، عليك أن تكون لطيفاً مع نفسك؛ اعتنِ بها وتناول طعاماً صحياً واحصل على قسط من الراحة، ولا تنسَ الخروج للتمشية وممارسة التمارين الرياضية؛ حيث يؤكد المختص النفسي محمد البنا إن ممارسة الرياضة تعمل على إفراز هرمون الدوبامين ومن ثَمّ يمكنها أن تزيد الإحساس بالسعادة، وتحد من الإحساس بالعجز.
في النهاية، إذا لم تتمكن من التغلب على الإحساس بالعجز، واستمرت هذه المشاعر لأكثر من أسبوعين، ففي هذه الحالة يجب طلب المساعدة المتخصصة؛ حيث يمكن للطبيب النفسي تقييم حالتك ومناقشة خيارات العلاج المناسبة مثل العلاج المعرفي السلوكي أو العلاج بالأدوية، وتذكر دائماً أن ما يحدث في العالم من أحداث مؤلمة ليس مسؤوليتك الشخصية.