يولد بعض الناس بجينات تجعلهم أكثر استعداداً للشعور بالسعادة والبهجة مقارنة ببعضهم الآخر، ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لا يستطيعون إيجاد السعادة؛ إذ ثمة العديد من النصائح الفعالة التي ستساعد على الشعور بالبهجة حتى في أحلك الظروف؛ لكن الأمر يتطلب أكثر من مجرد قراءتها؛ بل يحتاج نية صادقة لتطبيقها أو تطبيق بعض منها على الأقل. وإليك أهمها.
محتويات المقال
1. تصالَح مع حزنك
في البداية وقبل كل شيء، لنكن صريحين قليلاً، هل تبحث عما يحقق لك البهجة خلال الأوقات العصيبة لأنك تخشى الشعور بالحزن؟ في الواقع، يخشى الناس الشعور بالحزن لأن الثقافة البشرية الحديثة تركِّز بإفراط على عدّ السعادة الهدف النهائي للحياة، وتصوِّر الحزن على أنه غير طبيعي أو علامة على الفشل. حيث يؤدي هذا "الهوس بالسعادة" إلى تحويل الحزن إلى ما يشبه المرض، الأمر يخلق ضغوطاً نفسية لتجنبه أو قمعه أو لوم الذات عليه.
لكن الحزن ليس شعوراً سيئاً، ولا ينبغي أن يكون ترفاً، إنما هو ضرورة؛ فالشعور بالحزن عاطفة طبيعية ومفيدة تدعم النمو ما بعد الصدمة؛ إذ ينطوي على معالجة للخسائر وتقدير أكبر للحياة وإعادة تقييمها بصورة إيجابية، ويزيد القوة الشخصية ويعزز المرونة النفسية خلال الأوقات الصعبة. كما يحفِّز التأمل الذاتي الذي يقلل أخطاء الحُكم ويشجع على الإبداع. في المقابل، يعوق تجنُّب الحزن النمو الشخصي ويصعِّب التعامل مع التحديات.
وليس القصد من ذلك الترويج للحزن أو التشجيع على ملاحقته أو تمنيه أو الانغماس فيه؛ إنما فقط إزالة تلك الوصمة السلبية عنه، فالمعالج النفسي، أسامة الجامع، يشرح أنه من غير الممكن أن يشعر الإنسان بحالة إيجابية طوال الوقت، بل من الطبيعي أن يتعكّر المزاج بين حين وآخر، وينبغي أن يتقبّل هذا الأمر، وأن يعترف بالمشاعر السلبية دون إصدار أحكام على الذات بسببها.
أي ينبغي الاعتراف بالحزن وتسميته دون تجاهله أو إنكاره أو قمعه، والسماح للنفس بالشعور بذلك الثقل أو انخفاض الطاقة التي قد يصاحب الحزن بدلاً من تشتيت الانتباه أو التظاهر بأن الحال بخير. وأيضاً التعبير عنه، سواء عن طريق البكاء أو كتابة المذكرات أو التحدث إلى شخص ما، والتعاطف مع النفس.
اقرأ أيضاً: سؤال بسيط يختصر طريقك إلى السعادة
2. ابحث عن المعنى
طوّر الطبيب النفسي النمساوي فيكتور فرانكل (Victor Frankl) في منتصف القرن الماضي ما يُعرف بالعلاج بالمعنى (Logotherapy)، وهو مدرسة علمية في العلاج النفسي تؤكِّد على أهمية إيجاد المعنى في الحياة في سبيل التعامل مع المعاناة والشعور بالرضا والسعادة.
حيث اعتقد فرانكل أن المعاناة أمر لا مفر منه، لكنّ الأفراد يستطيعون اختيار كيفية الاستجابة للظروف التي تسبب الألم، فأولئك الذين يجدون المعنى أو الغرض من آلامهم يكونون أكثر قدرة على الصمود.
وربما أسهمت تجربة فرانكل بوصفه ناجٍ من معسكرات الاعتقال النازية في دعم وجهة نظره بأن إيجاد المعنى هو قوة تحفيزية أساسية في الحياة، حيث يساعد الناس على تحمل المصاعب وتعزيز النمو الشخصي.
لذلك، وحتى تجد طريقك إلى البهجة في الأوقات الصعبة، حاوِل أن تعثر على معنىً أو مغزى ذات قيمة لك، مثل الإسهام في نصرة قضية ما، أو رعاية شخص مقرّب، أو التبرّع بالدم أو المال، أو المشاركة في عمل تطوعي أو خيري، أو غيرها.
اقرأ أيضاً: لماذا قد يكون سعيك وراء السعادة سبباً لتعاستك؟
3. الجأ إلى الدعم الاجتماعي
تزداد قدرة الناس الذين يشاركون آلامهم أو يتقاسمون التجارب المؤلمة والظروف الصعبة نفسهما على تحمُّل المعاناة؛ حيث يعزِّز الحزن الروابط مع الآخرين، ويعمل الألم مثل غراء اجتماعي يزيد الشعو بالتضامن بين الناس ويعزز قدراتهم على التعاون.
لذلك، تواصل مع العائلة أو الأصدقاء الموثوقين وشاركهم مشاعرك واسمح لهم بدعمك، أو فكِّر في الانضمام إلى مجموعات الأشخاص الذين يعانون الظروف نفسها أو التواصل معهم عبر الإنترنت، ولا تتردد في استشارة المتخصصين النفسيين إن شعرت أنك لا تستطيع مواجهة حزنك أو ألمك بنفسك.
اقرأ أيضاً: لا تقس سعادتك على معايير تقارير السعادة العالمية!
4. ابحث عن السلام الداخلي
تشير دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) إلى أن المعتقدات الروحية ترتبط ارتباطاً إيجابياً بالراحة النفسية. كما وجدت دراسة أُخرى منشورة في مجلة الدين والروحانية والشيخوخة (Journal of Religion, Spirituality and aging)، أن الإيمان والروحانية، من معتقدات وممارسات، يساعدا كبار السن على التأقلم مع الشدائد.
فالروحانية تمنح شعوراً بالسلام والأمل والاستقرار النفسي في الأوقات الصعبة، ما يقلل الضيق العاطفي، وتساعد على رؤية التحديات فرصاً للنمو، وتعزز الروابط مع الآخرين. لذلك، قد يكون من المفيد عند التعامل مع الأوقات الصعبة أن تستكشف الممارسات التي يمكن أن تعزز نموك الروحي أو سلامك النفسي، مثل الصلاة أو قراءة النصوص الدينية، أو اليقظة الذهنية والتأمل وقضاء الوقت في الطبيعة.
5. مارِس الامتنان واحصِ النعم
على ما يبدو، فإن الأشخاص الذين يمارسون الامتنان يميلون لأن يكونوا أكثر سعادة؛ إذ تبيَّن وجود علاقة قوية بين الامتنان والرضا عن الحياة، حيث تعمل ممارسات الامتنان على تعزيز الرفاهية العامة من خلال تحويل التركيز عما هو ناقص إلى ما هو موجود، أي التحوّل من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة.
يمكنك ممارسة الامتنان عبر الاحتفاظ بمذكرات الامتنان، وتدوين النعِم أو الأفراح الصغيرة أو الأشياء التي تمتن لوجودها بانتظام، والتعبير عن الامتنان والشكر لأحبائك، وضبط تذكيرات يومية على الهاتف للتوقف والتفكير فيما تمتن له، والتفكير في الصعوبات السابقة التي واجهتها وكيف ساعدتك على النمو والتغيُّر نحو الأفضل.
اقرأ أيضاً: صحح مفاهيمك: 8 أفكار خاطئة شائعة عن السعادة
6. نمِّ مرونتك النفسية
الأفراد الذين يتمتعون بالمرونة النفسية يتعافون من التجارب المرهقِة بسرعة وفعالية، فضلاً عن أنهم يتمتعون بعلاقة صحية مع أنفسهم وبرضا أعلى عن الحياة. لذلك، لا عجب أن يجد هؤلاء طريقهم إلى البهجة حتى في أحلك الظروف.
يمكنك أن تنمّي مرونتك النفسية من خلال تقبُّل التغيير والتكيف معه، ومواجهة التحديات بعقلية موجّهة نحو الحلول، وليس نحو الشكوى والتذمُّر، وقد يساعدك أن تقسِّم المشكلات إلى خطوات أصغر، وتتخذ خطوات عملية للتغلب عليها.
كما أن المرونة تتطلب القدرة على البقاء هادئاً ومركّزاً تحت الضغوط، لذا فإن استكشاف تقنيات إدارة التوتر، مثل اليقظة الذهنية والتنفس العميق والتأمل واليوغا وتدوين المذكرات، قد يساعدك على معالجة المشاعر بصورة صحية.
آمن بقدرتك على تجاوز هذه الأوقات الصعبة، ولا تنتقد نفسك بصورة مفرطة إن حصل وفشلت، وحافِظ على نظرة تفاؤلية بعض الشيء للمستقبل، فالمتفائلون يتمتعون بنوعية حياة أفضل مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بمستويات منخفضة من التفاؤل أو المتشائمين، فضلاً عن أن التفاؤل يؤثر بدرجة كبيرة في الصحة النفسية والجسدية من خلال تعزيز نمط الحياة الصحي، ويرتبط بقدرة أكبر على حل المشكلات والتعامل مع الخيبات.
7. لا تقع ضحية أفكارك
كُن على حذر من أن تقع ضحية التشوهات المعرفية؛ أي أنماط التفكير السلبية غير المنطقية وغير العقلانية، خصوصاً في أثناء الأوقات الصعبة، مثل توقُّع أسوأ نتيجة ممكنة في أي موقف بناء على أدلة ضئيلة أو معدومة، أو التفكير بعقلية كل شيء أو لا شيء والنظر إلى المواقف بتطرف، دون الاعتراف بأي أرضية وسطى أو توازن.
أو الاستدلال العاطفي؛ أي الحكم على النفس أو الظروف بناء على العواطف وليس بناء على الحقائق أو التفكير الموضوعي، أو تجاهُل الجوانب الإيجابية جميعها أو التقليل من شأنها والتركيز فقط على الجوانب السلبية في أي تجربة أو موقف.
ولا تلجأ إلى التركيز على حدث سلبي واحد وتحويله إلى قاعدة مستمرة أو نمط سوف يتكرر دائماً وأبداً. تذكّر أن أنماط التفكير هذه تشوِّه الطريقة التي تنظر بها إلى ظروف الحياة، ما قد يجعلك أكثر تشاؤماً وأقل قدرة على إيجاد الراحة والسعادة.
ختاماً، الشعور بالبهجة في الأوقات العصيبة لا يعني تجاهل الألم ولا الشعور بالفرح الدائم، بل إيجاد السبل لتنمية لحظات من الفرح والتواصل والمعنى والتحول تدريجياً من اليأس إلى الأمل.