3 تحديات نفسية في الشركات العائلية العربية مع حلول عملية

12 دقيقة
الشركات العائلية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

الواسطة، وعدم تكافؤ الفرص، وعدم وضوح الحدود بين العمل والأسرة، والمجاملة المفرطة، كلها مشكلات شائعة في الشركات العربية العائلية، وهذه المشكلات تفرض تحديات نفسية وعاطفية عديدة على الموظفين، سواءً كانوا من أفراد العائلة أو من خارجها. فما هي هذه التحديات بالضبط؟ وما السبيل للتعامل معها؟ إليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: كيف تواجه ثقافة الإنجاز وضغط العيب الاجتماعي في بيئة العمل العربية؟

1. الضغط النفسي الناتج عن الحدود غير الواضحة بين العمل والأسرة

وفقاً لدراسة منشورة في المجلة الأوروبية للعمل وعلم النفس التنظيمي، فإنه كثيراً ما تتداخل الأدوار العائلية والمسؤوليات المهنية في الشركات العائلية، فقد يعمل الموظفون تحت إدارة أقارب يعاملونهم بناء على روابط شخصية، أو قد يتبوأ أفراد العائلة أدواراً دون مسؤوليات واضحة.

بكلمات أخرى، قد يتولى أفراد العائلة في هذه الشركات أدواراً مزدوجة، فهم عائلة من ناحية وموظفون أو مدراء أو محاسبون من ناحية أخرى، ما يؤدي إلى صراع معقد في الأدوار. غالباً ما تؤدي هذه الازدواجية إلى توتر وضغط نفسي أو صراعات داخلية، لأن توقعات العائلة قد تتعارض مع متطلبات العمل.

وما ينطبق على الشركات العائلية العالمية ينطبق أيضاً على الشركات العائلية العربية، إذ ذكرت دراسة منشورة في مجلة استراتيجية الأعمال العائلية، أن الشركات العائلية العربية تعمل في إطار ثقافة جماعية تؤكد الولاء والانسجام العائلي، وهو ما يطمس بطبيعته الخطوط بين الأدوار العائلية والعمل، ما يفاقم التوترات والصراعات التي ترتبط في كثير من الأحيان بتوقعات الأدوار والحدود.

كما قد تبرز قضية الإيثار المتبادل في الشركات العائلية، وهي تعني تنفيذ أعمال أو تقديم تضحيات للآخرين على أمل أن يجري ردها في وقت لاحق. قد تؤدي هذه العقلية في الشركات العائلية إلى زيادة صراع الأدوار، لأن الناس قد يشعرون بأنهم ملزمون بإعطاء الأولوية لمصالح العائلة على مصلحة العمل، أو العكس، ما يسبب التوتر والارتباك في كلتا الحالتين.

كيف يمكن تجاوز هذه المشكلة؟

إذا كنت تعمل في شركة عائلية وتواجه صعوبة في تحديد الأدوار غير الواضحة، فإليك ما يمكنك فعله بناء على تقرير بحثي صدر عن المركز الوطني للمنشآت العائلية في المملكة العربية السعودية عام 2023:

  1. وضح دورك ومسؤولياتك: لا تفترض أن الآخرين يعرفون مسؤولياتك أو صلاحياتك، بل عليك أن تبحث عن أوصاف وظيفية واضحة ومكتوبة، كما ينبغي معرفة حدودك في اتخاذ القرارات حتى لو كنت أحد أفراد العائلة. هذا ما قد يقلل الغموض ويساعدك في التركيز على واجباتك المهنية بدلاً من التركيز على الروابط العائلية.
  2. حافظ على حدودك المهنية: حاول فصل القضايا العائلية عن شؤون العمل في تعاملاتك. تعامل مع زملاء العمل، بمن فيهم أفراد العائلة، بناء على أدوارهم المهنية، لا علاقاتك الأسرية.
  3. كن متسقاً في سلوكك: تعامل مع العمل على أنه عمل، وتجنب استخدام نفوذ العائلة للالتفاف على القواعد المهنية. إذ ينبغي الحفاظ على احترافية الأداء والمساءلة والسلوك، خاصة في أثناء الاجتماعات أو التقييمات. تذكر أن خلط السلوك الشخصي مع السلوك المهني يخلق حالة من الارتباك والتوتر لدى الجميع، بمن فيهم أنت.
  4. تحدث عندما يحدث تجاوز للحدود: إذا عاملك أحدهم معاملة غير عادلة بناء على روابط عائلية (إيجابية أو سلبية)، فعبر عن قلقك باحترام. وضح الأمر في إطار الأدوار، لا في إطار المشاعر.
  5. تواصل بصدق واحترام: تعلم إجراء محادثات مفتوحة وصادقة، ومعالجة الخلافات بهدوء، والتعبير عن خلافاتك ومخاوفك بناء على الحقائق، بعيداً عن الانفعال العاطفي أو الشخصي. كما من المهم تعلم التسوية وإيجاد الحلول الوسطى المربحة للجميع، والاستعداد للتنازل عن بعض القضايا أحياناً حفاظاً على الانسجام.
  6. اطلب الدعم من أطراف محايدة: إذا ما تفاقمت النزاعات أو أصبحت عاطفية ومعقدة جداً، فاطلب تدخل وسطاء محايدين أو خبراء موارد بشرية موثوق بهم. يمكن لهذه الأطراف الثالثة المساعدة على تسهيل الحوار والحل وفصل الأعباء العاطفية عن مناقشات العمل.
  7. طور المرونة العاطفية والتسامح: في الواقع، إن فوضى الأدوار أمر شائع في الشركات العائلية، لذا فإن بناء الصبر والتسامح مع التركيز على أدائك ونموك الشخصي، يمكن أن يساعدك على التعامل مع المواقف الصعبة بنجاح.
  8. شجع الشركة على وضع سياسات رسمية: مثل توضيح أوصاف الوظائف والتقييمات ومعايير الترقية وبروتوكولات حل النزاعات. يساعد ذلك الجميع، وليس أنت فقط، على معرفة ما يمكن توقعه، فالقواعد المكتوبة تقلل الافتراضات والتوتر العاطفي.

اقرأ أيضاً: 7 نصائح لطمأنة موظفيك خلال الأزمات الاقتصادية

2. الإحباط الناجم عن الواسطة وعدم تكافؤ الفرص

تعتبر شركات عديدة، خصوصاً العائلية، أن توظيف الأقارب ضمان للثقة والولاء والالتزام، ويعزى ذلك إلى أن العديد من المجتمعات العربية تقدر الروابط العائلية والقبلية وتعدها جوهرية للحياة الاجتماعية والتجارية.

وعلى الرغم من أن الواسطة قد تقلل في بعض الأحيان تكاليف المعاملات وتساعد الناس على تجاوز الأنظمة البيروقراطية المرهقة وغير الفعالة التي غالباً ما تهدر الوقت والموارد، فإن لها آثاراً سلبية عديدة على الموظفين؛ خصوصاً عندما يمنح أفراد العائلة معاملة تفضيلية بغض النظر عن جدارتهم.

وهنا، قد تفاقم المحسوبية شعور الموظفين بالظلم والإحباط وتضعف رضاهم الوظيفي ومعنوياتهم ودوافعهم للعمل. وهذا ما أكدت عليه دراسة منشورة في المجلة الأوروبية للشركات العائلية عام 2024، إذ بينت أن الموظفين في الشركات العائلية في الشرق الأوسط غالباً ما ينظرون إلى المحسوبية على أنها غير عادلة أو إقصائية، ما يقلل في المحصلة رضاهم ويضعف التزامهم ويقلل إنتاجيتهم ويحفزهم على ترك الوظيفة.

فكيف يمكن تجاوز هذه المشكلة؟

في الواقع، يتطلب التغلب على المحسوبية استراتيجيات تنظيمية وفردية على حد سواء؛ إذ يقع على عاتق المؤسسات تطبيق سياسات شفافة، مثل تطوير إجراءات توظيف وترقية واضحة وقائمة على الجدارة وتطبيقها، إضافة إلى وضع معايير تقييم موضوعية وموحدة للموظفين جميعهم، بغض النظر عن العلاقات الشخصية.

لكن، وإلى حين اختفاء الواسطة والمحسوبية أو معالجتها جذرياً، إليك ما عليك فعله بصفتك موظفاً في شركة عائلية:

  1. تعلم التنظيم العاطفي: مارس اليقظة الذهنية والتنفس العميق والتأمل وتدوين اليوميات لإدارة مشاعر الإحباط أو الاستياء. تعرف إلى مشاعرك وسمها، ولكن ركز على ردود الفعل البناءة بدلاً من التركيز على الشعور بالظلم.
  2. ركز على النمو الشخصي: طور مهاراتك، واطلب الملاحظات البناءة من المدراء والزملاء، ووثق إنجازاتك. يسهم السعي للنمو في الحفاظ على الدافعية والثقة بالنفس، حتى في بيئة عمل غير عادلة.
  3. ابن شبكات الدعم: تحدث إلى زملاء عمل موثوق بهم أو متخصصين في الصحة النفسية إذا كانت المحسوبية تؤثر في صحتك.
  4. حافظ على حدودك المهنية: حتى لو كانت ثقافة الواسطة شائعة في بيئة العمل، فينبغي دائماً إنجاز المهام بحرفية وإتقان، وتجنب الانخراط في السلوكيات غير الصحيحة، والعمل على بناء سمعة مهنية طيبة والحفاظ عليها حتى لو لم يفعل الآخرون ذلك.
  5. عالج المشكلات بطريقة بناءة: إذا كنت تشعر بالارتياح، فاطرح على مديرك أو قسم الموارد البشرية مخاوفك بشأن المعاملة غير العادلة. وحينها، اطرح بهدوء وواقعية أمثلة محددة عن المحسوبيات الحاصلة، وركز على كيفية تأثير الموقف في عملك ومعنويات الفريق وإنتاجيته، وليس تأثيره في مشاعرك.

3. الكبت العاطفي الناتج عن المجاملة الزائدة

انعكاساً للأعراف الاجتماعية والتعاليم الدينية؛ تولي المجتمعات العربية اهتماماً كبيراً لاحترام التسلسل الهرمي واللباقة في بيئة العمل، لذا، غالباً ما يطغى على بيئات العمل العربية والعائلية أسلوب التواصل غير المباشر، وكثيراً ما يقلل الناس أهمية آرائهم حفاظاً على ماء الوجه واللباقة، وتراهم يفضلون الصمت أو التعبيرات المخففة على النقد الصريح أو المواجهة المباشرة.

لكن، وعلى الرغم من أهمية اللباقة في بناء العلاقات والتماسك الاجتماعي، فإن الإفراط في المجاملة، والكبت المستمر للمشاعر الحقيقية والمخاوف والخلافات تلبية للتوقعات، قد يؤديان إلى الإصابة بالإرهاق العاطفي والاحتراق النفسي، إضافة إلى التوتر والقلق المزمنين، فضلاً عن سوء التواصل والصراع غير المباشر مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: 6 نصائح للتعامل بذكاء مع المجاملة في بيئة العمل العربية

فكيف يمكن تجاوز هذه المشكلة؟

للتعامل مع التوتر الناتج عن الصمت والاحتقان العاطفي وتحسين بيئة العمل، يمكن اتباع النصائح التالية:

  1. تعلم أساليب التواصل المباشر المحترم: أي التعبير عن الآراء الصريحة وصياغة الملاحظات البناءة بتهذيب واحترام ووضوح، وتقبل هذه الملاحظات أيضاً. وهنا ينبه الخبير الاجتماعي والتربوي، جاسم المطوع، إلى ضرورة تحقيق التوازن بين الصراحة والمجاملة، وأن تصاغ الصراحة بذكاء؛ أي أن تصاغ المعلومات وتوظف بطريقة لا تجرح مشاعر الآخرين، وينصح باستخدام المقدمات التمهيدية قبل الإدلاء بالملاحظات.
  2. شارك في الحوار المفتوح: شجع نفسك على المشاركة في النقاشات المتعلقة بالعمل، وعدم الخوف من طرح المشكلات أو الاقتراحات، لأن الصمت قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات ويؤثر سلباً في الأداء. وتذكر أن الوضوح في بيئة العمل لا يقتصر على التعبير عن أفكارك بشفافية فقط؛ بل يتطلب أيضاً الاستماع إلى وجهات نظر الآخرين والتفاعل معها.
  3. طور مهارات الذكاء العاطفي: تعلم كيفية التعرف إلى مشاعرك ومشاعر الآخرين، وإدارتها بطريقة إيجابية، يساعد ذلك على تقليل الصراعات الداخلية ويعزز التعاون والاحترام المتبادل داخل الفريق.
  4. ركز على العمل الجماعي وروح الفريق: بناء علاقات إيجابية مع الزملاء والعائلة داخل الشركة يخلق بيئة داعمة تساعدك على تقليل التوتر وتعزيز الانتماء والالتزام الوظيفي.
  5. اهتم بصحتك النفسية والجسدية: جهز نفسك بمجموعة من الأنشطة الإيجابية التي ستساعدك على تعزيز الوعي العاطفي وضبط المرونة النفسية، مثل ممارسة الرياضة وتدوين اليوميات والتحدث إلى الأشخاص الداعمين والتنفس العميق واليقظة الذهنية واسترخاء العضلات التدريجي.
  6. اطلب الدعم عند الحاجة: لا تتردد في طلب الدعم النفسي أو الاستشارات المهنية إذا شعرت بضغوط نفسية أو توتر عال لا تستطيع التعامل معها بنفسك.

المحتوى محمي