اشتريت منذ قرابة العام هاتفاً ذكياً جديداً في البداية جذبتني فيه خاصية ضمن خصائص الكاميرا، وهي إمكانية إضفاء لمسات تجميلية على الوجوه البشرية بعد التقاط صورها، لا أخفيك سراً أعجبتني تلك الخاصية لكن بمرور الأيام وجدت تطوراً خطيراً؛ وهو أنه حتى تلك الصور التي خضعت للتجميل لم تعد تنال إعجابي وصرت أبحث عن المزيد من اللمسات التجميلية، وهنا تراجعت وتوقفت تماماً عن استخدام هذه الخاصية.
محتويات المقال
الحقيقة أن ما حدث معي تكرر مع الكثير مع الأشخاص ووصل الحال ببعضهم إلى تشوه علاقته بذاته نتيجة خضوعه لمعايير شديدة القسوة، وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى الإصابة باضطراب من اضطرابات الأكل، فما هي كواليس هذه العلاقة المعقدة؟ وكيف نحمي أنفسنا منها؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال.
كيف تتشابك العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي واضطرابات الأكل؟
أجرى باحثون من الكلية الملكية للجراحين بجامعة البحرين الطبية دراسة علمية نشرت نتائجها مؤخراً أكدت وجود علاقة قوية بين تصفح السوشال ميديا وتشوه صورة الجسم والإصابة باضطرابات الأكل في الدول العربية، إذ أظهرت النتائج أن الاستخدام المفرط للسوشال ميديا يعزز المقارنات السلبية مع المشاهير ما يؤدي في النهاية إلى عدم الرضا عن المظهر الخارجي، وتبني سلوكيات أكل مضطربة.
وتنتشر هذه المشكلة بالأخص بين الفتيات الجامعيات والمراهقين، فقد اعتقدت 29% من النساء ذوات الوزن الطبيعي في الإمارات أنهن بدينات، وتراجعت هذه النسبة بين الرجال إلى 8% فقط، كما ترافق استخدام السوشال ميديا مع التركيز على معايير الجمال الغربية.
وهذا الاختلاف بين الجنسين في التأثير تفسره المختصة النفسية كيسي غودباستر بأن النساء يفكرن في المثالية النحيفة، بينما يفكر الرجال في المثالية العضلية، مؤكدة أن النساء يقضين وقتاً أطول في تصفح السوشال ميديا، ما يعني مزيداً من الوقت في مقارنة أنفسهن ومشاهدة المحتوى الذي يضر بصحتهن النفسية.
هذا الضرر يختفي في صور لسيدات جرى العمل على تنميقها بعناية شديدة ليظهرن في النهاية بأنهن خاليات من العيوب، ما يضع معايير غير واقعية من الصعب بلوغها لتبدو المرأة مرغوبة، فالمقارنة هنا بالأساس مع نسخة غير حقيقية لشخص آخر، يترافق مع ذلك الترويج لأنظمة غذائية ضارة هدفها الوصول إلى تلك الصور الوهمية، وللأسف تنساق وراءها بعض الفتيات نتيجة قلة الوعي ما يوقع ضرراً جسدياً ونفسياً بهن.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم الاكتئاب في اضطراب نظامك الغذائي وفقاً لدراسة حديثة؟ وما الذي يمكنك فعله؟
ماذا تفعل لتستخدم السوشال ميديا دون أن تضر علاقتك بجسمك؟
يوضح استشاري الطب النفسي عبد الإله الحديثي أن اضطرابات الأكل تعد من أخطر الاضطرابات النفسية، ففي حالة فقدان الشهية العصبي يصاب المريض بخوف شديد من زيادة الوزن يترافق مع اضطراب صورة الجسد، إذ يرى نفسه بديناً على الرغم من نحافته المفرطة، لذا يتعمد الامتناع عن الأكل أو ممارسة الرياضة بإفراط للوصول إلى النحافة المثالية، ما يصيبه بنقص شديد في الفيتامينات والمعادن واضطراب الأملاح، وفي مراحل متقدمة قد يصل التأثير إلى حد الوفاة نتيجة مضاعفات الجوع أو الانتحار، لذا حتى لا يصل الشخص إلى هذه المرحلة؛ هناك العديد من الخطوات العملية التي عليه القيام بها، أهمها:
- في البداية عليك فلترة الحسابات التي تتابعها على السوشال ميديا، وإلغاء متابعة الحسابات التي تروج للمعايير المثالية المتعلقة بالجسم، أو تشجعك على سلوكيات الأكل غير الصحية، ومن ناحية أخرى تابع الحسابات التي تعزز علاقتك بذاتك وتزيد ثقتك بنفسك وتتبنى معايير واقعية فيما يتعلق بصورة الجسد.
- تعلم التفكير النقدي تجاه المحتوى الذي يعرض أمامك، ففي حال رأيت صورة لشخص ما بجسم شديد المثالية فكر: هل هذه الصورة حقيقية أم خضعت للتعديل باستخدام تقنيات رقمية؟
- لاحظ إن كان تصفحك للسوشال ميديا يجعلك تشعر بالذنب بعد الأكل أو يدفعك لتقليل الطعام بهدف تقليد الآخرين، فهذه إشارة إنذار مبكرة، لذا لا تلجأ للحميات القاسية، بل اطلب استشارة مختص نفسي لتستعيد علاقتك المتوازنة مع جسدك وطعامك.
- بادر إلى الإمساك بدفة التوعية، وعندما يعرض أمامك محتوى يحرض على المعايير المثالية المتعلقة بالجسم افتح نقاشاً توضح من خلاله التأثير السلبي لهذا النوع من المحتوى، وانتقد بوضوح المفاهيم غير الواقعية التي يجري الترويج لها، وستجد بمرور الوقت أنك صنعت فارقاً إيجابياً في محيطك.
اقرأ أيضاً: كيف يساعدك التأمل على مقاومة رغبتك الشديدة في الأكل؟