لماذا قد يكون سعيك وراء السعادة سبباً لتعاستك؟

3 دقيقة
تكيف المتعة
shutterstock.com/fotogestoeber

ملخص: ما هي علاقة السعادة بجهاز ممارسة المشي؟ يتميز هذا الجهاز بوجود حزام ملحق به يتحرك باستمرار لكنه يعود في كل مرة إلى نقطة انطلاقه الأولى. هكذا يتصور بعض المختصين في علم النفس الإيجابي مفهوم السعادة. إنها شعور نسبي وعابر وبعيد المنال. لذا؛ فإن مبدأ تكيف المتعة الذي يشبّه السعادة بهذا الحزام يقدم لنا تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة. قارن العلماء الذين بلوروا هذا المبدأ مجموعة من الفائزين بجوائز مالية ضخمة بمجموعة من المصابين بالشلل النصفي، واكتشفوا أن الفرد يعود باستمرار بعد حدث مؤثر من الناحية العاطفية إلى نقطة السعادة المرجعية السابقة على هذا الحدث. كما وجدوا أن السعادة تتأرجح بين مجموعة من النقاط المرجعية مثل الرضا العام عن الحياة والرفاهة الذاتية. وهذا يعني أننا لسنا متساويين في الشعور بالسعادة، وفقاً لمبدأ تكيف المتعة. وفي هذا السياق كشف الباحث الأميركي دانيال تود غيلبرت أن السعادة ترتكز أساساً على الأوهام، لأنها شعور ذاتي قد لا يظهر بالضرورة حيث نتوقعه. لذا يحذّرنا من تطبيق معاييرنا الشخصية على السعادة.

ماذا إذا كنا مخطئين في سعينا الشديد إلى السعادة؟ لقد كتب عالم النفس سيغموند فرويد: "يريد الناس أن يكونوا سعداء، وأن يبقوا كذلك". صحيح أن السعادة ضرورية للنوع البشري لأنها تحفزنا وتنشطنا، وتمنحنا الشعور بالتوازن، وتقرّب بعضنا من بعض، لكنها قد تكون مضرة أيضاً لصحتنا النفسية.

لماذا؟ لأننا نميل إلى الاعتقاد أنها ستأتي يوماً ما دون إنذار سابق. وهذه هي المشكلة. بحسب علم النفس الإيجابي فإن خيالنا "يسد النواقص" التي نشعر بها في الواقع، لصياغة فكرتنا المثالية عن السعادة من خلال إسقاط مشاعرنا الحالية على المستقبل.

في الواقع، يمنعنا هذا السلوك من الاستمتاع بالحاضر، ويدخلنا في سباق غير عقلاني من أجل سعادة غير ملموسة وغير واضحة المعالم، وهذا ما يجعلنا في النهاية تعساء. بعبارة أوضح، قد نكون مخطئين في سعينا وراء اللذة والمتعة. وبينما يزداد تراجع الصحة النفسية لمعظم الناس، ننشغل بالرغبة في قياس السعادة وتحديدها، ونحن مخطئون في ذلك وفقاً لمبدأ يتحدى أفكارنا المسبقة، إنه مبدأ تكيف المتعة.

مبدأ تكيف المتعة: لكل شخص سعادته الخاصة

ماذا إذا كان مفتاح السعادة مرتبطاً بحالتنا الذهنية الخاصة؟ إن مبدأ تكيف المتعة هو موضوع حظي بالدراسة المستفيضة في علم النفس الإيجابي، وبحسب هذا المبدأ، فإن السعادة "نقطة مرجعية" في مسار يشبه جهاز ممارسة المشي أو الحزام الملحق به، وليست هدفاً يجب تحقيقه.

في سنة 1978 أجرى الباحثون ورواد تحليل مبدأ تكيف المتعة فيليب بريكمان (Philip Brickman) ودان كواتس (Dan Coates) وروني جانوف بولمان (Ronnie Janoff-Bulman) دراسة موسعة بعنوان: "الفائزون بالجوائز المالية الضخمة وضحايا الحوادث: هل السعادة نسبية؟"(Lottery winners and accident victims: is happiness relative?). قارن الباحثون في هذه الدراسة مجموعة من الفائزين بجوائز مالية كبيرة الذين من المفترض أنهم سعداء، ومجموعة من المصابين بالشلل النصفي الذين من المفترض أنهم تعساء، مع مجموعة محايدة.

واستنتج الباحثون أن هناك مجموعة من نقاط التوازن الخاصة بالسعادة: إحداها تتعلق بالرضا العام عن الحياة، والأخرى بالرفاهة الذاتية، وهذا ما يسمح بتباين مقومات السعادة في نطاق معين. وخلصوا أيضاً إلى أننا نعود جميعاً إلى نقطة التوازن المحايدة نفسها بعد مرورنا بحدث مؤثر على المستوى العاطفي.

وهذا يعني أننا لسنا متساويين في الشعور بالسعادة، وفقاً لمبدأ تكيف المتعة. مهما كان الحدث الإيجابي الذي يحفزنا أو الحدث السلبي الذي يفاجئنا فإننا نعود باستمرار إلى مستوى السعادة الشخصي، وهو ما يمثّل نقطة تكيف المتعة الخاصة بنا.

السعادة مسار طويل وهادئ، لكنه مشوب بالمزالق والعثرات وتتخلله لحظات من النشوة. لكن مهما كانت الأحداث التي نواجهها فإن هذا المسار يتواصل ويعود إلى النقطة نفسها مثل جهاز ممارسة المشي أو الحزام الملحق به.

هل السعادة مجرد وهم؟

ما هي أسس السعادة؟ هل ترتبط بالمال أم الحب أم الشهرة أم غير ذلك؟ لاحظ الباحثون من خلال الدراسات العلمية أنه لا وجود لدليل أو كتيب للسعادة. وإذا كان هناك دليل من هذا النوع فمن الصعب أن يتضمن تعريفاً موحداً للسعادة. في هذا السياق، اهتم الأستاذ بجامعة هارفارد دانيال تود غيلبرت (Daniel Todd Gilbert) بهذا الموضوع. وكشف هذا الباحث الأميركي في تجربة أجراها بمساعدة فريقه أن السعادة ترتكز أساساً على الأوهام.

على غرار أيّ شعور آخر، فإن السعادة تمثّل بالدرجة الأولى تعبيراً عن عاطفة معينة، ومن ثمّ فإنها شعور ذاتي قد لا يظهر حيث نتوقعه. لذا؛ بإمكاننا جميعاً أن نستحضر في أذهاننا شخصاً "يمتلك كل مقومات السعادة"، لكنه لا يُظهر أبداً أيّ علامة من علاماتها. وهذا ما يدفع غيلبرت إلى تنبيهك بقوله: "احذر أن تطبّق معاييرك الشخصية على السعادة".

المحتوى محمي