هل تجد نفسك تخشى التوقف عن الإنتاجية؟ هل تدفع نفسك إلى تحقيق إنجازات أكثر من اللازم فقط لتشعر أنك شخص منتج؟ هل تحس بالقلق المستمر من عدم تحقيق أهدافك بالسرعة الكافية؟ دعني أخبرك أني أعرف هذا الشعور جيداً، وحتى هذه اللحظة أتذكر الليالي المليئة بالقلق والخوف قبل امتحانات الدراسة حتى بعد المراجعة مراراً وتكراراً، كانت هذه هي طفولتي ومراهقتي، وفي الواقع إن السعي إلى التميز والتفوق أمر جيد لكن المشكلة تكمن في المبالغة، وإليك عبر هذا المقال كيف يدمر السعي المفرط إلى الإنجاز صحتك النفسية والجسدية.
محتويات المقال
ما هو السعي المفرط إلى الإنجاز (Overachievement)؟
يمكن وصف السعي المفرط إلى الإنجاز بأنه الرغبة الشديدة في تحقيق أشياء عظيمة للغاية وعدم التوقف عند هذا الحد، فهناك دوماً المزيد من الأحلام الكبرى التي يجب تحقيقها على الفور؛ والشخص الذي يسعى سعياً حثيثاً ومفرطاً إلى الإنجاز لا يرضى أبداً بما حققه ولا يقبل بالفشل، وعادة ما يهدف إلى تحقيق أداء يتجاوز التوقعات جميعها، ولذلك يضع معايير مرتفعة للغاية لنفسه، وعلى الرغم من أن هذا التوجه يمكن أن يؤدي إلى نجاح أكاديمي ومهني عظيم، فإن السعي المفرط إلى الإنجاز يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالفراغ وعدم التوازن في الحياة.
9 علامات تخبرك أنك تسعى سعياً مفرطاً إلى الإنجاز
نعيش في عصر يتسم بالتطور السريع والتنافسية الشديدة، ولهذا أضحى السعي نحو الإنجاز هاجساً يلاحق الكثير من الأشخاص، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، لكنّ ثمة حداً فاصلاً يكمن بين السعي الصحي إلى تحقيق النجاح والسعي المفرط، والعلامات التالية تخبرك أنك تسعى بإفراط إلى تحقيق الإنجاز:
1. النتيجة أهم دوماً من المحاولات
إذا كنت تسعى سعياً مفرطاً إلى الإنجاز فأنت تعتقد أن الشيء الوحيد المهم هو الوصول إلى النجاح؛ الأمر لا يتعلق بالرحلة للوصول إلى هناك، وهذا يعني أن الفشل غير مقبول نهائياً في قاموس حياتك، علاوة على ذلك، يمكن أن تكون النتائج السيئة مدمرة، لذلك غالباً ما تفعل كل ما يلزم لتجنب مثل هذه الإخفاقات.
2. تبني عقلية الكمال
حين تتبنى هذه العقلية، فهذا يعني أنك تضع أهدافاً كبرى صوب عينيك، وحين تبدأ في عملية تحقيقها لا ترضى بأقل من الكمال، وحتى لو بذلت قصارى جهدك سوف تكون ساخطاً؛ لأن أي نتيجة أقل من الكمال بالنسبة لك مساوية تماماً للفشل، ويحذر الطبيب النفسي، بندر آل جلالة، من الرغبة في الكمال لأنها تؤدي إلى الإصابة بالقلق والتوتر المزمن، ويضيف آل جلالة أن الرغبة في الكمال قد تكون في السلوك والمشاعر أيضاً، حيث يعتقد صاحب تلك العقلية أن المشاعر لا بد أن تكون دائماً إيجابية، ولا يسمح بوجود شيء من المشاعر السلبية العابرة الطبيعية، فحينها يحس بالإحباط.
اقرأ أيضاً: هل أنت شخص يتطلع إلى الكمال في كل ما تفعل؟ احذر من الأضرار النفسية
3. النقد الذاتي المفرط
من الطبيعي أن تنتقد أوجه القصور لديك، ولكن إذا كنت تسعى بإفراط إلى الإنجاز فأنت توبخ نفسك باستمرار لأنك لم تحقق مستوى التوقعات المرتفعة، وعلى الجانب الآخر، قد تضع لنفسك أهدافاً من المستحيل تحقيقها ثم تلوم نفسك وتنتقد ذاتك بشدة لأنك لم تحققها.
4. القلق المستمر بشأن المستقبل
لا يعيش الأشخاص الذين يسعون بشدة إلى الإنجاز في الحاضر لأنهم مشغولون جداً بالقلق بشأن الأشياء التي قد تحدث أو لا تحدث في المستقبل، إضافة إلى أنهم غير قادرين على الاستمتاع بالأشياء لأنهم قلقون بشأن ما سيأتي بعد ذلك، وإذا كنت واحداً من هؤلاء فهذا يعني أنك تقضي معظم وقتك بالانشغال في تجنب الفشل والنتائج السلبية، وهذا يجعلك تهمل الوقت الحاضر ولا تعيش فيه.
5. انعدام التوازن بين العمل والحياة الشخصية
أنت بحكم سعيك الدائم إلى الإنجاز ترفض أن تأخذ يوم إجازة كما ترفض العطلات، وتظل حتى وقت متأخر في العمل ولهذا أنت تهمل حياتك الشخصية وترى الوقت الذي تقضيه في رعاية النفس أو الانشغال بالهوايات ضائعاً؛ لذلك تتخطاه من أجل تحقيق الأهداف الكبرى، وهذا يؤدي إلى انعدام التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وهو ما يرتبط بانخفاض مستويات الرضا عن الحياة والوظيفة، فضلاً عن زيادة معدلات القلق والاكتئاب.
6. المجازفة الخطيرة من أجل تحقيق الأهداف
في الكثير من الأوقات، أنت تضع أهدافاً غير واقعية، وفي الوقت نفسه تكره الفشل؛ ولهذا تكون أحياناً مستعداً لفعل أي شيء من أجل تجنبه حتى لو كان ما تفعله مجازفة خطيرة. على سبيل المثال، لنفترض أنك ترغب في خسارة بعض الوزن، ففي هذه الحالة ستضع هدفاً صعباً يرتكز على خسارة الكثير من الوزن في وقت قليل، ومن أجل هذا الهدف قد تنخرط في سلوكيات خطيرة، وهذه السلوكيات قد تدمر صحتك مثل الامتناع عن الطعام فترات طويلة أو تناول أدوية خسارة الوزن غير المصرح بها طبياً.
7. عدم تقبل النقد من الآخرين
بالنسبة لك النقد يعني الفشل، ولهذا فإن تأثير النقد قد يكون مدمراً، وخاصة أنك تأخذ النقد على محمل شخصي وترى أنك لم تبذل الجهد الكافي، وعلى الجانب الآخر أنت لا تتقبل النقد لأنك خائف من خذلان نفسك والآخرين، وخائف أن يراك الآخرون بالطريقة التي ترى بها نفسك.
8. الشعور بالإرهاق الشديد
أنت تعمل بجدية شديدة، وإلى جانب ذلك قد تنخرط في الكثير من المشاريع والمهام لأنك ترغب في تحقيق المزيد من الإنجاز، ومع مرور الوقت سوف تحس بالإرهاق الشديد والاحتراق النفسي لأنك لا تعترف بالراحة.
9. تحس بالراحة فقط وليس بالسعادة
التغلب على عقبة أو تحقيق هدف يجعلك تشعر بالارتياح، ونظراً لأن تركيزك منصبّ على تجنب الفشل بدلاً من الاستمتاع بعملك أو تحسين أدائك، فأنت قادر على الشعور بالسعادة أو الرضا.
ما هي الأسباب التي قد تدفعك إلى السعي بإفراط نحو الإنجاز؟
يؤكد أستاذ علم النفس بجامعة ولاية أوهايو (The Ohio State University)، روبرت أركين (Robert Arkin)، أن السعي المفرط إلى الإنجاز غالباً ما يكون نتيجة لمحاولة يائسة من أجل تجنب الحكم السلبي، وإليكم أهم الأسباب الأخرى:
1. تجارب الطفولة المبكرة
غالباً ما ينبع الإفراط في الإنجاز من تجارب الطفولة المبكرة التي جعلتك تشعر بعدم الاستحقاق؛ ومن أهم تجارب الطفولة التي قد تدفعك إلى السعي المفرط للإنجاز: الإهمال العاطفي، وتوقعات الوالدين المرتفعة، وتجربة عدم الاستقرار والحب المشروط من الوالدين، إذ تؤدي تلك التجارب المؤلمة إلى ربط القيمة الشخصية بالإنجاز، ولهذا فقد تعلمت في وقت سابق من حياتك أن تربط قيمتك بالأهداف التي تنجح في تحقيقها. على سبيل المثال، تخيل أن طفلاً يحصل على محبة أبويه حين يحقق درجات ممتازة في الفصل، سوف يتعلم هذا الطفل أن الحب مقرون بالأداء الممتاز فقط.
والحقيقة هي أن المشكلة لا تكمن فقط في تلك التجارب المؤلمة، ولكن في الاعتقاد الذي يظل يترسخ بمرور السنوات، بأنك لن تكون محبوباً أو مقبولاً إلا إذا نجحت، ومن ثم، تحاول محاولات لا تنتهي من أجل إثبات نفسك للآخرين باستمرار؛ دورة مفرغة لا نهاية لها من العمل والنجاح والإرهاق، مع خوف دائم من أنك إذا توقفت عن دفع نفسك، فستخسر كل شيء.
2. نمط سوق العمل المحفوف بالمنافسة
قد ينتج السعي المفرط إلى الإنجاز في بعض الأوقات عن مشاعر انعدام الأمان وعدم الكفاءة؛ ففي سوق العمل المحفوفة بالمنافسة، يوفر إنجاز المهام شعوراً بقيمة الذات، وبالتالي بدلاً من الاستمتاع بالإنجازات، تنتقل على الفور إلى المهمة التالية وترفع المستوى إلى أعلى، وهذا يخلق حلقة مفرغة من السعي الحثيث مع القليل من الشعور بالهدف.
اقرأ أيضاً: هل تسعى إلى التميز أم تعاني الكمالية؟ تعرف إلى الاختلاف بينهما
3. ضغط الأقران والمعايير المجتمعية
أحياناً قد تسعى إلى الإنجاز لأن كل أصدقائك يحققون الإنجازات وناجحون في حياتهم المهنية والشخصية، وأنت ترغب في أن تكون مثلهم، وعلى الجانب الآخر هناك أيضاً المعايير المجتمعية التي قد تضغط الأفراد من أجل تحقيق المزيد من النجاح.
كيف يؤثر السعي المفرط إلى الإنجاز في صحتك النفسية والجسدية؟
إذا أصبحت تركز تركيزاً مفرطاً على تحقيق الأهداف والإنجازات، فإن رحلة حياتك لم تعد مغامرة، بل مجرد حاجة مهووسة للوصول، وتحقيق الهدف، ويمكن القول إن تكلفة هذا الأمر باهظة جداً على صحتك النفسية والجسدية، وذلك لأنه يؤدي إلى:
1. الإصابة بقلق الإنجاز (Achievement anxiety)
ينجم هذا النوع من القلق عن الطلب المستمر لتحقيق المزيد من النجاح وتجنب الفشل، وعلى عكس اضطراب القلق العام، أو ضغوط الأداء، أو اضطرابات القلق الأخرى، ينشأ قلق الإنجاز عندما تصبح مستهلكاً تماماً ومستنزفاً بسبب رغبتك في الأداء والإنجاز على نحو استثنائي، وغالباً ما ينتقل هذا القلق إلى مناحي حياتك جميعها، ويؤدي إلى:
- الشعور بالوحدة والعزلة.
- الإصابة بالإرهاق.
- الإحساس بالإجهاد المزمن.
- التعرض للتوتر الشديد في حياتك الأسرية.
- انخفاض الرضا عن الحياة.
2. ارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب
غالباً ما يكون أصحاب الشخصية الباحثة عن الإنجازات باستمرار أقل سعادة من غيرهم، ففي الوقت الذي يتعافى فيه الآخرون من خيبة الأمل بسهولة وينتقلون إلى المرحلة التالية من حياتهم أو الهدف القادم، تتخبط أنت في المشاعر السلبية باستمرار وتصبح غير قادر على تحمل النقد الذاتي، ولهذا أنت تكافح بشدة من أجل المضي قدماً، ومن ثم تصبح فريسة سهلة للاكتئاب.
وإلى جانب التأثيرات السابقة في صحتك النفسية، يمكن للسعي المفرط نحو الإنجاز أن يؤدي إلى:
- اضطرابات النوم.
- الشعور بالصداع.
- ضعف الجهاز المناعي.
- اضطرابات الشهية.
- انخفاض احترام الذات.
- التوتر المزمن.
6 إرشادات تساعدك على التوقف قليلاً عن السعي نحو الإنجاز
إذا كنت شخصاً يتمتع بعقلية الإنجاز المفرط أو تعرف صديقاً يُظهر هذه السمات، يمكنك تغيير عقليتك عبر اتباع الإرشادات التالية:
1. تراجع خطوة إلى الوراء
التقط أنفاسك وخذ قسطاً من الراحة، وقبل أن تبدأ في هدف جديد، اسأل نفسك: ما هو الدافع وراء تحقيق هذا الهدف؟ ماذا سيحدث لو أخفقت؟ هل الهدف واقعي؟ وعلى الرغم من أن التراجع خطوة إلى الوراء قد لا يغير قرار السعي إلى تحقيق الهدف، فإنه قد يغير منظورك، ومع مرور الوقت سوف تتغير عقليتك وتتأكد من أن الهدف واقعي وقابل للتحقيق.
2. خذ وقتاً للتأمل الذاتي
اسأل نفسك متى بدأ نمط الإنجاز المفرط لديك؟ كيف حصلت على الحب والاهتمام عندما كنت صغيراً؟ هل كان ذلك من خلال الأداء العالي في المدرسة أو الرياضة، أم من خلال مجتمعك؟ حين تحصل على الإجابات وتصل إلى نتيجة مفادها أن نمط الإنجاز بدأ منذ الطفولة، أخبر نفسك أننا نطور هويتنا ومعتقداتنا مع مرور السنوات، وتأكد أن سلوكياتك في الماضي كانت تكيفية وخدمت غرضاً محدداً، لذا كن صبوراً مع نفسك وحاول أن تغيّر برمجتك العقلية.
3. تحدَّ مخاوفك وافتراضاتك
حين تحاول تغيير نمط الإنجاز المفرط، سوف يتحفز عقلك لأنه سيشعر بعدم اليقين ولأنه اعتاد بالفعل على البرمجة الماضية، وحينها ستدخل في صراع داخلي بين نيتك التغيير وأفكارك ورغباتك اللاواعية، للتغلب على هذه المناعة للتغيير، عليك فحص نفسك وتحريرها من الافتراضات المقيدة، أحضر ورقة وقلماً وأجب عن التمرين التالي:
- بدلاً من السعي المستمر نحو الإنجاز، ماذا لو خففت سرعة حياتك قليلاً؟
- ما الذي تخشى حدوثه؟ هل أنت قلق من أن تفشل؟ أو تخذل الناس؟ أو تبدو ضعيفاً أو غير كفء؟
والآن، دعنا نكتشف افتراضاتك، اسأل نفسك: إذا تحقق خوفك، فما هي العواقب المروعة؟ أدرج الاستنتاجات السيئة جميعها التي تعتقد أنها ستحدث، ثم ضع دائرة حول الافتراضين أو الثلاثة الأكثر قوة التي اكتشفتها أو ضع خطاً تحتهما، هل حياتك على المحك؟ بالطبع لا، إذاً لا شيء يبدو مخيفاً كما تظن.
كما عليك أن تعلم أن افتراضاتك هي مجرد فرضيات، وقد تكون بعض افتراضاتك صحيحة، وقد لا تكون كذلك، لذا فمن الضروري اختبارها، خاصة إذا كانت مبنية على مخاوف تبقيك عالقاً في وضع يستنزف قوتك وطاقتك.
4. تعاطف مع نفسك
في أثناء محاولتك التحرر من فخ السعي المفرط إلى الإنجاز، كن متعاطفاً مع نفسك، وأكد لها باستمرار أن قيمتك لا تتحدد وفقاً لإنجازاتك، ولهذا أضحى مسموحاً لك الراحة وارتكاب الأخطاء وعدم الكمالية دون أن تظن أنك فاشل، ولتحقيق هذه الغاية، أعد تعريف معنى النجاح بالنسبة لك؛ بدلاً من قياسه بما يمكنك إنجازه، ابدأ بقياسه بمدى رعايتك لنفسك، ومدى ارتباطك بالفرح، ومدى أصالة حياتك، وتأكد أن النجاح الحقيقي لا يتعلق بمدى ما تفعله، بل بمدى توافق أفعالك مع قيمك الشخصية.
اقرأ أيضاً: ما هي المثالية الاجتماعية؟ وكيف تؤثر سلباً في حياتك؟
5. ابدأ بخطوات صغيرة
الطريقة الأكثر فعالية لإحداث التغيير أو ترسيخ العادات الجديدة هي البدء بتغييرات سلوكية صغيرة جداً يمكن إنجازها بسهولة، واستناداً إلى تعريفك الجديد للنجاح حاول أن تضيف بعض التفاصيل والسلوكيات الجديدة إلى حياتك مثل ممارسة الرياضة ورعاية الذات. على سبيل المثال، يمكنك المشي مدة 15 دقيقة في البداية، وبمجرد أن تبدأ بالتحرك وتكمل خطواتك الأولى باستمرار، يمكنك زيادة الوقت.
6. احتفل بالإنجازات والخطوات الصغيرة
عندما تنهي مهمة أو هدفاً محدداً، لا تنتقل مباشرة إلى التالي، توقف قليلاً من أجل الاحتفال بالتقدم، وذلك لأن هذا الاحتفال الصغير يعزز حالتك المزاجية، ومع نهاية كل أسبوع، انظر إلى الوراء وكن فخوراً بنفسك.