السعادة تتولّد أيضاً من الشعور بالتقدم

السعادة المطلوبة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل يتعين عليك تغيير الأماكن أم العلاقات أم الوظيفة لتكون سعيداً؟ بحسب الطبيب النفسي كريستوف أندريه فليس هذا ما يقودنا دائماً إلى السعادة. إن العثور على مكانك، بالنسبة لهذا الطبيب المختص في السعادة، يتعلق أولاً وقبل كل شيء بالاستفادة مما منحته لك الحياة ووضعته تحت تصرفك.

فيما يلي مقابلة مع كريستوف أندريه؛ طبيب نفسي في مستشفى سانت آن في باريس (l’hôpital Sainte-Anne à Paris) وهو أيضاً معالج نفسي ومؤلف كتابي “عيش سعيد، سيكولوجية السعادة” ( “Vivre heureux, psychologie du bonheur”) و”احترام الذات” (L’Estime de soi).

اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر السعادة على صحتنا البدنية والنفسية؟

علم النفس: كيف تعرف أنك موجود في المكان المناسب في الحياة؟

كريستوف أندريه: أعتقد أننا نشعر بذلك أكثر مما نعرفه. في بعض الأحيان تشعر وكأنك تقترب منه. علاوة على ذلك؛ هناك عدة أنواع من الأماكن التي من خلالها يمكن أن نشعر بالسعادة ونجد أنفسنا؛ الأماكن التي نشعر فيها بالرخاء (بسبب جمالها أو أهميتها فيما يتعلق بتاريخنا) والأفعال التي نثبت وجودنا عن طريقها (المساعدة والبناء والعلاج وما إلى ذلك) والروابط التي من شأنها أن تحيي فينا المشاعر (الحب والصداقة والإنسانية). 

إن الوصول إلى هذه الأبعاد يسهل الانسجام مع الذات وما يحيط بنا. هكذا؛ تهدأ مخاوفنا ونشعر بالوضوح “أنا حيث يجب أن أكون”، بالإضافة إلى تحقيق التناسق اللازم “هذا هو المكان الذي أردت أن أكون فيه” فضلاً عن الوصول إلى الكمال والسعادة. ومن ثم تتلاشى الأسئلة الوجودية والمتعلّقة بالهوية.

ما هي العقبات التي يجب إزاحتها للتقدم؟

عدم الرضا المزمن قبل كل شيء؛ ذلك الذي ينشأ من الرغبة في الكمال أو السرعة في الإنجاز. من النادر أن نحصل على كل شيء نرغب فيه منذ البداية، لذلك يجب أن نعرف كيف نتقبل عدم الاكتمال. فهذا العمل الذي كنا نعتمد عليه ليس مُرضياً كما كنا نأمل، كما أن جدول أعمالنا المزدحم يمنعنا من تكريس أنفسنا لهذا النشاط أو ذاك.

شيئاً فشيئاً سوف نتخذ إجراءات في خطوات ملموسة صغيرة لنشعر بتحسن وسعادة أكبر؛ اتخاذ المزيد من المبادرات وعرض إعادة توزيع المهام على موظفينا، ثم سنكون قد “صنعنا” مكاننا بقدر ما عملنا عليه. ربما تشك وتسأل “هل أنا في المكان المناسب؟ هل اتخذت القرار الصحيح ؟”. إنها أسئلة متكررة. في الواقع؛ لا يوجد قرار جيد أو سيئ، فنحن من يمكننا التصرف بعد الخوض في التجربة لأخذ القرار الصحيح.

أخيراً؛ الخوف. للعثور على ما يرضيك عليك البحث عنه والتحرك نحوه؛ وبالتالي في بعض الأحيان عليك تقبل عدم وجود مساحة إضافية على الإطلاق. عندما يكون لدينا -على سبيل المثال- انطباع بأننا قمنا بتغيير في محيطنا لكننا نفتقر إلى الوقت أو الطاقة للمضي قدماً نحو شيء آخر، يمكن أن نشعر بالضعف الشديد، وهكذا يتملكنا الخوف من كيفية رد الفعل والفشل والمعاناة.

أنت تؤكد على أهمية احترام الذات. كيف تستعيد احترام الذات عندما تفشل؟

يعتمد احترام الذات إلى حد كبير على القدرة على تطوير علاقة ودية مع الذات، ممزوجة مشروطة بـتحقيق ذاتك، وهذا يعتمد عليك وعلى تسامحك “لديك الحق في ارتكاب الأخطاء”. إنه لأمر حيوي أن تكون لديك القدرة على أن تقول لنفسك: “لدي الحق! أستطيع فعلها!”.

إن تدني احترام الذات يجعلك تحكم على نفسك بالاستسلام والخضوع وقمع عملية رد الفعل، بدلاً عن محاولة بناء حياة أفضل نحلم بها وننتظرها. ومع ذلك فإن أعظم أسباب الحسرة لا تتعلق بالفشل؛ بل بالأفعال التي لم يجرؤ المرء على القيام بها!.

ما هي الموارد الداخلية التي يمكننا الاعتماد عليها لتحقيق أنفسنا؟

لا يمكن أن يقوم الشعور بالإنجاز الشخصي على مكان واحد ورابط واحد؛ إنها طريقة عالمية للوجود. كل موقف في الحياة هو دعوة لممارسة ذكائنا وتطوير مواردنا لكي نشعر بأننا في وضع جيد مع أنفسنا، ولدينا العديد من الركائز التي نعتمد عليها في ذلك. وهذا يتمثل في الركن المادي الذي يؤكد لنا  أننا كائنات حية أولاً، لذلك ينبغي أن تعتني بجسمك وتبث عن نشاط بدني تستمتع به وتشحذ حواسك.

كل هذا يساهم في التوازن الجسدي الذي بدونه سيفقد المرء طعم حياته. إنها دعامة علائقية إذاً، فمن خلال الدخول في علاقات لا نحتاج فيها إلى مراقبة أنفسنا سنشعر لا محالة بالأمان، وسنجد مكاننا ككائن اجتماعي. فالركيزة الذهنية لدينا هي قدرتنا على إيجاد توازن بين القبول والعمل، كما في الصلاة الرواقية الشهيرة: “امتلك الشجاعة لتغيير ما يمكن تغييره، والقوة لقبول ما لا يمكن تغييره، والذكاء للتمييز بينهما”.

هناك أيضاً العمود الروحي؛ هذا “الشعور بالمحيط” الذي ينشأ عندما نكون على اتصال مع ما هو أعظم منا (الفن، الدين، الطبيعة). كل هذا سيعطينا انطباعاً مغذياً بأننا وجدنا مكاننا المناسب.

ما الذي يجب مراعاته عند السعي لجعل حياتك أفضل والشعور بالسعادة؟

من المفارقة أن نبدأ بالحذر من فكرة المكان ذاتها. الهدف الأفضل هو السعي لتحقيق الذات في كل مكان وبأبعاد مختلفة. من المهم أن نشعر بالتقدم، فما يحشد ذكاءنا وإبداعنا هو قدرتنا على التكيف والبناء. أن تكون في مكانك بهذه الطريقة هو الشعور بأنك كل يوم تتعلم وتتغذى. وهذا من شأنه أن يثري النفس ويمكّنك من التقدم بهدوء نحو سر أماكنك الآتية.

كيف يمكن التطور دون الخوض في مخاطر غير ضرورية؟

هل فقدت الشعور بالراحة مهنياً وعاطفياً وعائلياً؟ غالباً ما يدفعنا التغيير المفاجئ إلى الفرار، كما يحذر كريستوف أندريه، وينصح بأن تتطور دون أن تتحمل مخاطر غير ضرورية وتعلّم الجمع بين الاستبطان والعمل.

  • اسأل نفسك الأسئلة الصحيحة

“بشكل عام؛ إذا تعثرت وفقدت إحساسك بالرفاهية، فمن المهم أن تسأل نفسك بعمق: “هل هناك مجالات أخرى في حياتي أو علاقات أشعر فيها بالسعادة والرضا والأمان؟ هل عشت حقاً واستفدت من هذا الموقف الذي لم يعد يرضيني؟”. إذا أجبت بـ “نعم” على هذين السؤالين فقد لا تكون في مكانك بعد الآن. 

وعلى العكس من ذلك؛ إذا كنت تعاني من عدم الرضا في عدة جوانب من حياتك، فإن المشكلة تكمن في نفسك أكثر منها في الوضع الخارجي. ربما حان الوقت للحصول على المساعدة لفهم العقبات التي أمامك والتغلب عليها”.

  •  أعطِ الأولوية للدوافع الإيجابية

“إذا كان الإحباط وعدم الرضا هما المحركان الوحيدان لك، فإنك تخاطر بالاندفاع المتهور. لهذا السبب من المهم الاعتماد على الدوافع الإيجابية لبدء التغيير الخاص بك. ابحث عن أساليب جديدة للشعور بالحياة الكاملة؛ السعادة والمتعة والانفتاح والازدهار”.

  • امضِ قدماً تدريجياً

“ابدأ بتحديد الاتجاه العام الذي تريد أن تتصرف من خلاله؛ الزواج أو العمل. ثم قم بإجراء تغييرات في بعض اللمسات المحددة الصغيرة بشكل يومي للحفاظ على السيطرة على الموقف. سيسمح لك ذلك بتقييم تأثير التغييرات التي أدخلتها على حياتك”.

اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟

المحتوى محمي !!