ملخص: هل أنت محتار في الاختيار بين عرضَيّ توظيف أو تفاصيل دقيقة في مشروع تعمل على تنفيذه؟ بالتأكيد سترغب في اتخاذ قرارك وأنت في أفضل حالاتك؛ لكن غالباً لن يخطر على بالك أن الرغبة في التبول أو امتلاء مثانتك قد يساعدك على الوصول إلى القرار السليم! وحتى نشرح هذا التأثير، نستعرض في هذا المقال آراء علماء النفس الذين درسوا العلاقة بين امتلاء المثانة وتحسّن القرارات.
محتويات المقال
كلمة السر: استنزاف الأنا
في كل مرة تحرم فيها نفسك من الذهاب إلى الحمام، أو تفضل سلطة الخضار على شطيرة السجق التي تشتهيها، فإنك تستخدم بعضاً من الاحتياطي الخاص بك لضبط النفس.
يتطلب كلٌّ من إدارة الذات وضبط النفس الكثير من الجهد الذهني المعرفي والعاطفي. عندما تستخدم ضبط النفس في موقف ما؛ مثل مقاومة المغريات أو اتخاذ قرارات صعبة، فقد تصبح أقل قدرة على ممارسة ضبط النفس في مواقف أخرى أيضاً.
طُرحت نظرية استنزاف الأنا لأول مرة من قِبل عالم النفس في جامعة فلوريدا، روي بوميستر، وتنصّ على أن ضبط النفس يشكل مورداً محدوداً. بعبارة أخرى؛ عندما يكون اتخاذ القرار مدفوعاً باحتياجات داخلية (visceral needs) مثل الجوع أو العطش أو الرغبة الجنسية، فإنك غالباً ما ستحاول تلبية هذه الاحتياجات، الأكثر إلحاحاً، مقدماً إياها على الأهداف النهائية الأكثر أهمية وفائدة، فينتهي الأمر بك بإساءة استخدام ضبط النفس.
على سبيل المثال؛ أوضحت دراسة نُشرت في مجلة "علم نفس المستهلك" (Society for Consumer Psychology)، أنه عندما يعاني المتسوقون من نضوب الأنا سيتخذون غالباً قرارات شراء متهورة؛ أي حالما يصل المتسوق إلى آخر مراحل ضبط النفس سيشتري العناصر بناءً على معايير بسيطة كالسعر أو العلامة التجارية.
عموماً، يمكن استنفاد احتياطي ضبط النفس بطرائقَ مختلفة؛ مثل محاولتك أن تبدو مهتماً باجتماع ممل، أو تظاهُرك بأنّ نكات مديرك مضحكة، أو محاولتك عدم الاصطدام مع زوجتك عندما تكون غاضباً.
ومع ذلك، تم التشكيك في نظرية استنزاف الأنا والاندفاعات المتعلقة بالمحفزات الداخلية التي تؤثر في جودة اتخاذ القرار.
لماذا يساعدك امتلاء مثانتك على اتخاذ قرارات أفضل؟
تحدّت عالمة السلوك والأستاذة في جامعة توينتي الهولندية، ميريام توك (Mirjam Tuk) نظرية استنزاف الأنا، وذلك من خلال بحث نشرته في مجلة "العلوم النفسية" (Psychological Sciences). نالت توك على بحثها جائزة إيغ نوبل (Ig Nobel)؛ وهي جائزة تُمنح لمن يبدأ بسؤال سخيف وينتهي به الأمر بإجابة مثيرة؛ أي من يجعل الناس يضحكون أولاً، ثم يدفعهم إلى التفكير.
في دراستها التي أجرتها بالتعاون مع زملائها ديبرا ترامب (Debra Trampe) ولوك وارلوب (Luk Warlop)، قُسّم المشاركون في التجربة إلى مجموعتين:
- المجموعة الأولى: شربت 5 أكواب من الماء؛ أي ما يعادل نحو 750 ميلليلتراً.
- المجموعة الثانية: شربت بضع رشفات من الماء فقط.
بعد 45 دقيقة؛ وهو الوقت الذي يستغرقه الماء للوصول إلى المثانة، حددت المجموعة الأولى حاجتها إلى التبول على مقياس من 1 إلى 7، بنحو 4.5 إلى 5، ثم خضعت لتقييم ضبط النفس.
خُيّر المشاركون بين تلقي مكافأة صغيرة وفورية، ومكافأة أكبر لكنها متأخرة. وكانت النتيجة أن الأشخاص الذين لديهم مثانة ممتلئة تمسّكوا بالمكافأة الكبيرة لاحقاً، عوضاً عن المطالبة بالمكافاة الفورية، فاستنتجت توك في دراستها أن التحكم في المثانة يساعد على ضبط النفس عند اتخاذ القرارات.
الدماغ يشارك في العملية
تقول توك إنها لم تقم بإجراء دراسات التصوير العصبي؛ إلا أن هناك تكهنات توضح سبب قدرتنا على اتخاذ قرارات أفضل مع زيادة امتلاء المثانة. ووفقاً لتوك؛ تتحكم منطقة القشرة الحزامية الأمامية بقدرة المثانة على الاحتفاظ بالبول من خلال إشارات التحكم التي ترسلها إليها.
لكن هذه المنطقة مسؤولة أيضاً عن مهام أخرى كالتحكم باستجابتنا العاطفية وتحفيز الاستجابة المعرفية؛ أي أن إشارات التحكم التي ترسلها هذه المنطقة تتحكم باستجابتنا تحت تأثير الضغط الداخلي كالألم الجسدي وامتلاء المثانة.
وإذا قمنا بالتأثير في المثانة بوعي من خلال قمع الرغبة بالتبول، ينشط المزيد من مناطق التحكم دون وعي، ومن ثَمّ يتحفز الدماغ مع زيادة الحاجة إلى التبول.
المراحيض تشجّع على الشراء الاندفاعي
تلخص عالمة النفس توك النتائج التي توصلت إليها: "تتخذ قرارات أفضل عندما تكون مثانتك ممتلئة؛ إذ تساعد هذه الحالة على التركيز ومقاومة الإغراء".
إن قابلية تطبيق الدراسة قد تكون محدودة؛ لكن قد يبدو من المناسب شرب زجاجة ماء قبل اتخاذ قرار مهم بشأن مدخراتك أو محفظتك المالية!
أما من ناحية أصحاب الأعمال، فقد تفيد إضافة مرحاض إلى المتجر أو مركز التسوق في زيادة الأرباح، فالزبائن الذين لديهم مثانة فارغة يتخذون قرارات عفوية أكثر اندفاعاً نحو الشراء.
لكن أليس امتلاء المثانة ضاراً؟ نعم، قد تكون لامتلاء المثانة آثار جانبية صحية ضارة، فهي مُهيّأة للتمدد والتقلص بناءً على احتياجات أجسامنا؛ لكن إذا طالت مدة حبس البول وامتلاء المثانة، فقد لا تتمكن من استعادة شكلها الطبيعي.
إذاً في حال كنت تواجه قراراً صعباً، حاول الانتظار حتى تشعر بالرغبة في التبول أو أن تمتلىء مثانتك. خلاف ذلك، ابحث دائماً عن أقرب حمام لقضاء حاجتك!