ليس خيالاً: مقدمو خدمات الصحة النفسية والعقلية الأنسب لك بين يديك هو الواقع الجديد والمستقبل الواعد لمليارات البشر!
الرعاية الصحية عن بُعد
أين نحن الآن؟
أوضح تقرير جديد نشرته شركة ماكنزي وشركاؤه المتخصصة في تقديم الاستشارات بعنوان "الرعاية الصحية عن بعد: حقيقة ربع تريليون دولار بعد جائحة كوفيد-19؟" (Telehealth: A quarter-trillion-dollar post-COVID-19 reality)، أن استخدام الخدمات الصحية عن بُعد للزيارات المكتبية ورعاية المرضى عن بعد، حقق قفزة ضخمة في غضون شهرين من بدء تفشّي فيروس كوفيد-19 بنحو 78 مرة أعلى في شهر أبريل/ نيسان 2020 مما كان عليه في فبراير/شباط 2020.
على سبيل المثال؛ أوضح نحو 40% من الأشخاص الذين شملتهم استطلاعات الرأي في التقرير السابق، أنهم سوف يستمرون في استخدام خدمات الرعاية الصحية عن بعد في المستقبل مقارنةً مع 11% قبل بدء تفشّي فيروس "كوفيد-19".
وقد أسهم تفشّي فيروس "كوفيد-19" في تسريع تبني أساليب مختلفة قد تتفق في نهجها وفكرتها الأساسية التي تجعلها تندرج ضمن نموذج الرعاية الصحية عن بُعد، وتختلف في كيفية التنفيذ من بلد لآخر، ومن مستشفى لآخر، وحتى من عيادة لأخرى، وأصبح هذا التبني للتقنيات في ظل انتشار الأجهزة الذكية وتزايد سرعات الإنترنت مُمكناً.
في حقيقة الأمر؛ ضرورة اتباع معايير التباعد الاجتماعي، أو حقيقة تعذّر الحضور إلى العيادات في بعض الأحيان بسبب المواصلات أو ظروف المريض الأخرى، أو حتى عدم ضرورة حضور المريض للمستشفى أو العيادة، جميعها عزّزت من جهود إتاحة الرعاية الصحية عن بُعد لملايين البشر في كثير من البلدان.
مستقبل الرعاية الصحية عن بُعد
يؤكد تقرير ماكنزي وشركاؤه أن خدمات الرعاية الصحية عن بُعد أصبحت مهيأة لتبقى كخيار قوي عند بحث الأفراد عن الرعاية الصحية. كما أن الاستيعاب المستمر القوي للأعداد الراغبة في تبني هذا الخيار، وتصور المستهلك الإيجابي، والبيئة التنظيمية الداعمة والاستثمار الجريء العالي، جميعها تساهم في رفع نسب التبني.
ومن المهم التطرّق لثلاثة مجالات تساهم بشكل محوري في التغيّرات التي يشهدها قطاع الرعاية الصحية عن بُعد:
1. زيادة الراحة لتلقي الرعاية الروتينية
وذلك من خلال:
- دمج حلول الفرز الإلكتروني مع الزيارات الافتراضية: بحيث تتاح طرق أكثر شمولية للمستفيدين تمكّنهم من الحصول على الرعاية الصحية الضرورية بسهولة عندما يحتاجون إليها. والأهم أن كل ذلك يحدث من خلال القنوات الأكثر ملاءمة للمستفيدين، وفي نفس الوقت التي تقلل لهم تكلفة الرعاية الصحية عن طريق تجنب زيارات قسم الطوارئ غير الضرورية.
- توسيع أنواع الرعاية الصحية التي يمكن تقديمها بشكل افتراضي أو شبه افتراضي: من خلال الابتكارات غير المعتادة في التشخيص أو المعدات التي يتم توفيرها للمستفيدين.
2. تحسين جودة وعدد الخدمات المقدمة في مجال الصحة السلوكية والرعاية المتخصصة بوجهٍ خاص
وذلك من خلال:
- الاستمرار في توسيع نطاق خدمات الصحة السلوكية مع إمكانية معالجة عائق نقص مقدمي الخدمات قدر الإمكان: فعلى سبيل المثال؛ 56% من المقاطعات في الولايات المتحدة لا تحتوي على طبيب نفسي، و64% من المقاطعات لديها نقص في مقدمي خدمات الصحة النفسية والعقلية، و70% من المقاطعات تفتقر إلى طبيب نفسي للأطفال. وفي نفس السياق؛ قد يكون هذا النوع من تحسين الوصول لخدمات الرعاية الصحية عن بُعد بين المستفيدين أيضاً فرصة لتوسيع شراكات المجتمع مع مزودي الخدمات.
- تحسين الوصول لخدمات الرعاية الصحية المتخصصة: كما هو الحال في المناطق الريفية مثلاً؛ حيث قد لا تتوفر العديد من التخصصات. أما خارج المناطق الريفية، فيمكن لخدمات الرعاية الصحية عن بُعد تحسين الخبرة وجودة الرعاية الصحية المقدمة من خلال الحصول بسرعة على مدخلات تخصصية ذات مصداقية عالية عند الاستفادة منها من قبل مزودي الخدمات بين بعضهم بعضاً.
3. تحسين نماذج الرعاية والنتائج الصحية
لا سيما في حال المستفيدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو بحاجة إلى رعاية مؤقتة بعد حدث مرضي معيّن؛ وذلك من خلال:
- دمج المراقبة للحالات الصحية للمستفيدين عن بُعد والخطط العلاجية الرقمية التي تعتمد على القيمة مقابل التكلفة مع الزيارات الافتراضية، يمكن أن يحسن نتائجهم وأداءهم العام.
- تزايد نماذج العيادات المنزلية ونماذج الرعاية المؤقتة بعد حدث مرضي معيّن.
الصحة النفسية عن بُعد
في دراسة حديثة بعنوان "خدمات الصحة العقلية للرعاية الصحية عن بعد أثناء كوفيد-19: ملخص الأدلة والممارسة السريرية" (Telehealth mental health services during COVID-19: summary of evidence and clinical practice)، وجد العلماء أن ردود فعل العامة من الأطباء الذين قدموا خدمات الرعاية الصحية عن بُعد في الرعاية الصحية النفسية والعقلية باستخدام مؤتمرات الفيديو كانت إيجابية بشكل كبير؛ ما دل على رضاهم عن تلك الممارسات.
بالإضافة إلى ذلك؛ اتصفت الرعاية الصحية النفسية والعقلية عن بُعد بأنها وسيلة فعالة ومفيدة ومقبولة لتقديم العلاج. وفي نفس الدراسة؛ صرّح غالبية المشاركين الذين تلقوا تدخلات عبر الإنترنت أنهم راضون أو راضون تماماً عن عدد من المزايا مثل سهولة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية والعقلية، والراحة، والتكلفة المنخفضة والخصوصية الكبيرة.
وأيضاً؛ خفضت خدمات الرعاية الصحية عن بُعد في الرعاية الصحية النفسية والعقلية بشكل كبير من عدد المواعيد الفائتة والتهرّب من الحضور؛ ما أسهم في زيادة الالتزام بالعلاج وفعالية خدمات الصحة العقلية.
من الأمثلة الحديثة في الدول العربية تبني وزارة الصحة السعودية عام 2021 لمبادرة العيادات عن بُعد لتقديم خدمات الرعاية الصحية عن بُعد؛ ومن ضمنها خدمات الرعاية الصحية النفسية والعقلية.
ففي دراسة حديثة من المملكة العربية السعودية بعنوان "تجربة المملكة العربية السعودية في تطبيق الصحة عن بُعد أثناء جائحة كوفيد-19" (Saudi Arabia Experience in Implementing Telemental Health during COVID-19 Pandemic)، في الفترة ما بين 22 أبريل/ نيسان 2020 و6 مارس/ آذار 2021، وجد العلماء أنه تم تقديم ما مجموعه 38,650 استشارة نفسية بجهود نحو 128 متطوعاً.
إضافةً إلى ما سبق؛ كانت الاستشارات تتمحور حول القلق، والاكتئاب، والتوتر الناجم عن فيروس "كوفيد-19"، واضطرابات النوم ونوبات الهلع التي تُعتبر من أكثر اضطرابات الصحة العقلية شيوعاً.
وبالمثل؛ في أستراليا، قامت الحكومة بتخصيص ما يزيد عن مائة مليون دولار أسترالي من ميزانية 2021 لدعم برامج الرعاية الصحية عن بُعد، خصوصاً تلك التي تهتم بتعزيز الصحة النفسية والعقلية.
أما في الصين، فبعد تفشّي فيروس كوفيد-19، قدمت الحكومة خدمات الرعاية الصحية عن بُعد مثل تقديم الاستشارات النفسية، والإشراف النفسي، والتدريب العلاجي وكذلك التثقيف الصحي في مجال النفسية والعقلية من خلال عدد من المنصات عبر الإنترنت؛ مثل الخط الساخن للاتصال المرئي ومنصات "وي تشات" (WeChat) و"تينسنت كيو كيو" (Tencent QQ).
في الختام؛ على الرغم من أن طبيبك النفسي أقرب مما تتصور، فلا يزال من المهم العمل بشكل جدّي في سبيل توفير البنية التحتية المهيأة للتوسع والداعمة لخدمات الصحية عن بُعد، من النواحي التقنية والتشريعية والقوى البشرية التخصصية المدربة.