عليّ أن أعترف: إن التواصل الرقمي ليس من نقاط قوتي حقاً. يمكنني المشاركة في شتى المواضيع وجهاً لوجه حول مجموعة متنوعة من المواضيع دون عناء، لكن عندما يتعلق الأمر بالفضاء الرقمي، أجد صعوبة في التعبير عن أفكاري ومشاعري، بل إنني حتى لا أملك الرغبة للمشاركة رقمياً. ترك لي هذا التردد عدداً متزايداً من الرسائل وإحساساً عميقاً بالتقصير، ما استدعى مني التساؤل: إلى أي مدى يمكن للرسائل غير المقروءة، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أم البريد الإلكتروني، أن تؤثر في الصحة النفسية؟ وماذا نفعل لنتجنب ضررها؟
محتويات المقال
كيف تؤثر الرسائل غير المقروءة في الصحة النفسية؟
إن الحجم الهائل من الرسائل غير المقروءة يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة في الصحة النفسية، ومن أهمها:
الإرهاق الرقمي
الإرهاق الرقمي هو حالة من التعب أو الإعياء الناتج عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، مثل الهواتف الذكية والحواسيب والأجهزة اللوحية. على وجه التحديد، يؤدي الضغط المتواصل لإشعارت تطبيقات المراسلة والحجم الكبير للرسائل غير المقروءة إلى شعور دائم بالضغط والحاجة للرد، إضافة إلى أن الموازنة بين العديد من المحادثات في وقت واحد يمكن أن يكون مرهقاً، حيث يتطلب ذلك تركيزاً وجهداً ذهنياً كبيرين.
وتشير الدراسة التي نشرتها دورية نظرية التنظيم الحسابية والرياضية (Computational and Mathematical Organization Theory) إلى أن التعرّض المفرط للمعلومات يمكن أن يؤدي إلى تثبيط الاستجابة، حيث يصبح المستخدمون مثقلين بالمعلومات ولا يستطيعون التعامل معها.
اقرأ أيضاً: ما هو الإرهاق الرقمي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟
التوتر والقلق
غالباً ما تخلق الرسائل غير المقروءة شعوراً بالإلحاح وضرورة الاستجابة السريعة، ما يؤدي إلى معاناة القلق والتوتر. علاوة على ذلك، يسبب العدد الكبير لرسائل البريد الإلكتروني الشعور بعدم القدرة على الانفصال عن العمل حقاً في أوقات الراحة فيبدو الأمر وكأنك لا تغادر مكان عملك، ما يزيد القلق والتوتر.
ووفقاً لأستاذ في علم النفس، لاري روزن (Larry Rosen)، فإن صندوق الوارد الضخم والمملوء بالرسائل غير المقروءة، يحفز الجسم على إفراز هرمون التوتر؛ مثل الكورتيزول، ما يجعل المستخدم يشعر بالقلق.
الشعور بتدني القيمة الذاتية
نتيجة للإرهاق المعلوماتي، قد يتأخر الفرد في الرد أو ينسى الرد على بعض الرسائل تماماً، فإذا كانت لديه توقعات عالية عن نفسه، قد يعتقد أنه صديق أو موظف سيئ، ويميل إلى إلقاء اللوم على نفسه، بل وقد يتهم نفسه بالفشل لأنه لم يرتقِ إلى المعايير غير الواقعية التي وضعها لنفسه، ما يسهم في صناعة حلقة مفرغة من التسويف وسلوك التجنب.
انخفاض الإنتاجية
يمكن أن يكون العدد الكبير من الرسائل غير المقروءة مشتتاً ويقلل الإنتاجية، إذ تؤدي المقاطعة الدائمة للتحقق من الرسائل ومحاولة إدارتها باستمرار إلى انخفاض التركيز والكفاءة. وتوضح أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا، غلوريا مارك (Gloria Mark)، أن الأمر قد يستغرق في المتوسط 23 دقيقة و15 ثانية لاستعادة التركيز بعد الانقطاع.
الخوف من تفويت الفرصة
يحدث الخوف من تفويت الفرص أو ما يُعرف بالفومو (FOMO)، عندما تخشى أن يخوض الآخرون تجارب مثيرة من دونك. قد تتفاقم هذه الحالة بسبب الرسائل غير المقروءة، حيث يرى الأفراد عدداً متزايداً من الرسائل غير المقروءة، فينتابهم الخوف من فقدان معلومات مهمة أو التعرّض للعزلة الاجتماعية. وفي حالات متقدمة، يمكن أن يؤدي الفومو إلى عدم الرضا عن الحياة الشخصية، فتبدأ أعراض الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: كيف توقعنا شبكات التواصل الاجتماعي في فخ الاكتئاب؟
كيف تتجنب تأثير الرسائل غير المقروءة في صحتك النفسية؟
تبدأ الخطوة الأولى للتخفيف من التأثير النفسي للرسائل غير المقروءة من تنظيم مساحتك الرقمية الخاصة، من البريد الإلكتروني إلى تطبيقات المراسلة قدر المستطاع. وهذه استراتيجيات مقترحة يمكنك اتباعها:
1. تحديد الأولويات وتصنيفها
تتمثل إحدى الاستراتيجيات الفعّالة لإدارة الرسائل غير المقروءة في تصنيفها وفقاً لأولويتها. على سبيل المثال، يمكنك إنشاء مجلدات أو تسميات لأنواع مختلفة من الرسائل، مثل الرسائل المتعلقة بالعمل في البريد الإلكتروني والرسائل الشخصية والرسائل الإعلانية والترويجية. يتيح ذلك لك أن تمنح تركيزك للرسائل الأهم أولاً، ما يقلل شعورك بالتقصير والإرهاق.
2. رسم الحدود
عوضاً عن مراقبة البريد الإلكتروني أو صندوق الوارد لديك، خصص وقتاً محدداً من اليوم للتحقق من البريد الإلكتروني والرد على الرسائل المهمة، وليكن فريق عملك مطلعاً على هذا الموعد. على سبيل المثال، قد تختار التحقق من صندوق الوارد الخاص بك في الساعة 10 صباحاً و3 مساءً. أبلغ فريقك بهذه الأوقات حتى يعرفوا متى يتوقعون الردود منك.
ينطبق الأمر ذاته على اتصالاتك الشخصية مع أصدقائك وعبر تطبيقات المراسلة الشخصية، حيث يمكنك إبلاغ جهات الاتصال الخاصة بك بأوقات الاتصال المفضلة وأوقات الاستجابة. إن رسم الحدود الرقمية معهم يساعد على إدارة توقعاتهم ويقلل الضغط عليك للرد فوراً.
اقرأ أيضاً: اتبع هذه الخطوات العملية لتتخلص من السموم الرقمية
3. استخدم مرشحات البريد الإلكتروني
تبقى التكنولوجيا سلاحاً ذا حدين، فبينما يسبب لك الكم الهائل من الرسائل غير المقروءة التوتر والقلق، يمكنك أيضاً استخدام أدوات وميزات رقمية لإدارة الرسائل غير المقروءة؛ مثل مرشحات البريد الإلكتروني، والردود التلقائية، وأوضاع عدم الإزعاج. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتطبيقات التي تحد من وقت الشاشة وتتبع الاستخدام أن توفر رؤى حول عادات المراسلة وتشجع السلوكيات الصحية.
4. ممارسة اليقظة الذهنية وإدارة التوتر
في حال كنت تعاني التوتر والقلق بسبب العدد الكبير نسبياً من الرسائل غير المقروءة في صندوق بريدك، يمكن أن تساعد ممارسات اليقظة الذهنية، مثل التأمل وتمارين التنفس العميق، على إدارة تلك المشاعر. تكسر هذه الممارسات الحلقة المفرغة التي يدور بها من يعوقه التوتر عن تنظيم رسائله، ما يسمح له بالتعامل مع الرسائل بتركيز وتنظيم أفضل.
5. أخذ استراحة من التكنولوجيا
ينصح استشاري العلاج النفسي، محمد سالم القرني، بالابتعاد عن الأجهزة الرقمية لمحو تأثير السموم الرقمية (Digital Detox)، وتحسين الصحة الذهنية وتقليل التوتر، وذلك عن طريق أساليب من ضمنها إيقاف تشغيل التلفزيون والكمبيوتر والهاتف المحمول والإلكترونيات الأخرى يوماً كاملاً.