كيف نستعين بذكرياتنا السعيدة لتجاوز أيامنا الحزينة؟

5 دقيقة
الذكريات السعيدة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: شاهدت مع أطفالي منذ عدة أيام فيلماً كارتونياً كان يُعرض أيام طفولتي البعيدة. بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، وطوال هذا اليوم، كنت أشعر بسعادة غامضة لم أدرك سببها، حتى علمت أن الاستعانة بالذكريات السعيدة يمكن أن تجعلنا ننجح في تجاوز الأيام الحزينة، وإليكم التفاصيل من خلال هذا المقال.

هل سبق لك أن استعنت بذكرياتك السعيدة  من أجل تجاوز الأيام الصعبة؟ مثل التوقف للحظات من أجل تذكر الكعكة التي كانت تصنعها جدتك من أجلك، أو صوت أغنية مألوفة، أو رائحة جذابة تنبعث من المطبخ؟ في الواقع، إن استعادة الذكريات السعيدة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في الصحة النفسية، والحقيقة أن استعادة الذكريات السعيدة  لا تحدث عادةً بسهولة استعادة الذكريات السلبية نفسها، ففي أغلب الأوقات، تميل عقولنا إلى التركيز على الذكريات السلبية كعامل وقائي؛ حيث إن  أدمغتنا مجهزة لتذكر الأشياء التي تسبب لنا الألم، وهذا هو نظام تحذير أدمغتنا البدائية الفعال للغاية الذي يهدف إلى حمايتنا من الخطر. ويمكن القول إنها آلية رائعة للبقاء ولكنها ليست كذلك أبداً فيما يخص مساعدتنا على الشعور بالسعادة والرضا؛ ولهذا فإن التفكير في الذكريات السعيدة يحتاج إلى جهد متعمّد. ولكن هل يمكن أن تساعدنا الذكريات السعيدة على تجاوز أيامنا الحزينة حقاً؟ الإجابة في هذا المقال.

ما الذكريات؟

الذكريات هي قدرة العقل على استعادة الأحداث أو التجارب الماضية المخزنة والمحتفظ بها في أدمغتنا، ويمكن أن تكون الذكريات صريحة أو ضمنية. الذكريات الصريحة هي ذكريات واعية ومقصودة لأحداث سابقة؛ في حين أن الذكريات الضمنية هي ذكريات غير واعية وغير مقصودة لتجارب سابقة تؤثر في سلوك الشخص أو استجاباته، وتعد الذكريات جزءاً أساسياً من حياة الإنسان؛ لأنها تساعدنا على التعلم من تجاربنا واتخاذ القرارات وخلق شعور بالهوية والوعي الذاتي. ويمكن أن تتأثر الذكريات الإيجابية والسلبية بالعواطف والسياق وعوامل أخرى، ويمكن أن تؤثر بعمق في أفكار الشخص ومشاعره وسلوكياته.

كيف تعزز الذكريات السعيدة صحتنا النفسية؟

توصلت دراسة بحثية نشرتها دورية نيتشر (Nature) إلى نتيجة مفادها أن تذكر الذكريات السعيدة يساعد على تجاوز الأيام الصعبة والحزينة، وقد عرّض الباحثون في هذه الدراسة الفئران إلى تجربة ممتعة، وخلال هذه التجربة، كانت مجموعة الفئران من الذكور، وكانت التجربة الممتعة هي قضاء الوقت مع إناث الفئران. وخلال هذا الوقت، مُيّزَت الخلايا الموجودة في الحُصين عن طريق بروتين حساس للضوء.

وبعد تكوين الذكريات السعيدة، عرّض الباحثون الفئران إلى الإجهاد وحفّزوا أعراضاً تشبه أعراض الاكتئاب مثل الفشل في الاستمتاع بالأنشطة التي كانت دوماً ممتعة. بعد ذلك، وُضعت الفئران في مواقف مصممة خصيصاً لاستعادة الذكريات السعيدة، ووجد الباحثون أن إعادة تنشيط الخلايا العصبية التي تخزن الذكريات السعيدة أدت إلى تحسين حالة الفئران النفسية على نحو كبير.

وفي سياق متصل، أظهرت دراسة بحثية نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) خلال عام 2023 أن الذكريات السعيدة مفيدة لصحتنا النفسية؛ وذلك لأنها تعزز الانتماء الاجتماعي، وتخفف الشعور بالوحدة، وتعمق إحساسنا بالمعنى. وعندما نعيد النظر في الذكريات السعيدة، تفرز أدمغتنا موادَّ كيميائية تشعرنا بالسعادة مثل الدوبامين؛ ما يمنحنا نشوة طبيعية، ويمكن أن يساعد هذا التعزيز على تحسين الحالة المزاجية عبر تقليل حدة القلق؛ ما يجعلنا نشعر بمزيد من الرضا عن حيواتنا.

وقد أثبتت الدراسة أن الذكريات السعيدة تعمل كحاجز ضد الأفكار السلبية وتعزز احترام الذات، وتوصلت دراسة بحثية أخرى نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي إلى نتيجة مفادها أن الأبناء الذين يكوّنون ذكريات سعيدة مع آبائهم كانوا أكثر عرضة إلى الحصول على فرص عمل وعلاقات شخصية أفضل، إلى جانب انخفاض احتمالية تعاطيهم المخدرات وإصابتهم بالاكتئاب، وتدني اضطرابات صحتهم النفسية في مرحلة الشباب.

ما فوائد استرجاع الذكريات السعيدة؟

يؤكد المختص النفسي، وليد الحراملة، إن تذكر أحداث الحياة المبهجة يقلل الشعور بالضغط النفسي؛ وذلك لأنه ينشط مقدمة الدماغ (PFC) المسؤولة عن التفكير المنطقي والتركيز وتنظيم المشاعر. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي استرجاع الذكريات السعيدة إلى:

  1. الشعور بالاسترخاء ورفع الحالة المعنوية: الذكريات السعيدة هي المنقذ في أوقاتنا العصيبة بالحياة، فعندما نكون تحت الضغط ونفكر في الذكريات السعيدة مثل النجاحات أو الإجازات العائلية أو لحظات الضحك بصحبة الأصدقاء، فإن ذلك يوفر لنا المزيد من الطاقة للمضي قدماً بطريقة إيجابية؛ حيث إنه يحفز على الاسترخاء، ويرفع معنوياتنا، ويقلل الشعور بالتوتر الذي قد يصاحب أيامنا الحزينة.
  2. تعزيز الشعور بالامتنان: عندما نفكر في اللحظات والذكريات السعيدة التي عشناها من قبل، فإن ذلك الأمر سوف يعزز شعور كلٍ منا بالامتنان الذي يجعلنا نركز على الجوانب الإيجابية من الحياة؛ ومن ثَمّ يساعدنا على التعامل مع المواقف العصيبة على نحو أفضل.
  3. تحسين الثقة بالنفس: عندما تصبح الحياة مليئة بالتحديات والصعاب في أيام الحزن، فمن السهل وقتها أن نعلق في التشوهات المعرفية أو الفخاخ العقلية؛ مثل افتراض حدوث أسوأ النتائج الممكنة. آنذاك، يمكن أن تسيطر علينا عقلية التشاؤم التي تعد من أشكال التخريب الذاتي العقلي الذي يقف في طريقك وفي طريق سعادتك. حينها فقط يمكن للذكريات السعيدة أن تنتشلك من هذا الوضع؛ وذلك لأنها تذكرك أنك تغلبت على التحديات والصعاب من قبل، وعشت أوقاتاً سعيدة مليئة بالنجاح والرضا؛ الأمر الذي سيؤدي مع مرور الوقت إلى تحسين الثقة بالنفس.
  4. متابعة رحلة النمو الشخصي: في الكثير من الأحيان، وتحديداً حين نغرق في حالة من الحزن واليأس، لا تُمكننا رؤية النجاح الذي حققناه. في هذه الحالة، استرجاع الذكريات السعيدة لن يساعد فقط على تحسين الحالة المزاجية؛ ولكنه سيؤدي أيضاً إلى متابعة رحلة النمو الشخصي، فالتغيير لا يحدث بين عشية وضحاها؛ ولكن حين ننظر إلى الوراء ونستعيد الذكريات السعيدة، ويمكننا وقتها أن ندرك أننا قطعنا أشواطاً كبيرة نحو أحلامنا. بمعنىً آخر: يمكن أن تساعدك ذكرياتك السعيدة على معرفة كيف تطورت لتصبح ما أنت عليه في الوقت الحاضر.
  5. تحسين جودة النوم: تعد الأحداث الضاغطة والمشاعر السيئة جزءاً أساسياً من أيامنا الحزينة التي تؤدي إلى اضطرابات النوم والأرق؛ ولذلك قبل الذهاب إلى السرير، ركز على الذكريات السعيدة من أجل تحويل الأفكار والمشاعر السلبية إلى أفكار سعيدة؛ وهذا سيؤدي إلى تحسين نوعية نومك.

كيف تصنع ذكريات سعيدة تساعدك على تجاوز الأيام الحزينة؟

وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي لمعهد السعادة (the Happiness Research Institute) ومؤلف كتاب “فن بناء الذكريات” (The Art of Making Memories)، مايك ويكينغ (Meik Wiking)؛ فإن الذكريات السعيدة تعزز الإحساس بالهوية الشخصية وتخلق روابطَ قوية بين الأشخاص، ويمكن صنع ذكريات سعيدة تساعدك على تجاوز الأيام الحزينة عبر الطرائق التالية:

  1. اجعل ذكرياتك متعددة الحواس: إذا كنت ترغب في خلق بعض الذكريات الجميلة في حياتك اليومية، فتأكد من إحاطة نفسك بالأشياء التي تشغل حواسك. يمكنك البدء بالزهور العطرية في منزلك، وشموع الفانيليا من حولك، ويمكنك أيضاً تجربة وصفات طعام جديدة، وفي المرة القادمة التي تذهب فيها للنزهة، لا تمشِ على طول الطريق؛ بل اختر طريقاً جانبية، والمس أوراق الشجر وجذوعها، ودع أصابعك تختبر ملمس أوراق الشجر، وركز بعمق في الأشياء من حولك.
  2. احتفل بلحظات الفخر ووثقها: لا تنس أن تحتفل برفقة أصدقائك أو عائلتك بلحظات الفخر التي تمر بها. وفي أثناء الاحتفال، وثّق هذه اللحظات السعيدة بالصور لأنها ستصبح ذكرياتك. وحين تلتفت إليها في المستقبل، ستزيد قدرتك على المضي قدماً وسط عثرات الحياة. ومن أهم أمثلة لحظات الفخر: حفل التخرج في الجامعة، والاحتفال بتحقيق الإنجازات الرياضية والفنية وغيرها.
  3. مارس اليقظة الذهنية: لتصنع ذكرى جميلة، أو لتشعر ببساطة بثراء اللحظة الحالية، اغمر نفسك بالكامل في تجربتك الحالية؛ وهو ما يُعرف باسم “اليقظة الذهنية”. لنفترض أنك بالخارج في مقهى مع صديق وطلبت فنجاناً من القهوة وقطعة من الكعك. يمكنك أن تتناول الكعكة دون الاهتمام بطعمها كثيراً وذلك لأنك منشغل في تفقد هاتفك؛ وهكذا ستذهب إلى البيت دون أن تتذكر شيئاً! لهذا؛ كن حاضراً مع صديقك، ضع هاتفك جانباً، تذوق الكعكة ببطء، وعبّر عن مدى لذتها.