ملخص: الخوف من الهجر أو الرفض شعور مؤلم قد يرافق الكثيرين طوال الحياة بسبب صدمات الطفولة واضطراباتها العاطفية. كيف ينشأ هذا الشعور السلبي؟ وما مظاهره في حياتنا الشخصية؟ وكيف ينعكس على علاقاتنا؟ يفسّر المقال التالي من خلال إجابة هذه الأسئلة، ظاهرةَ الخوف من الهجر، ويوضّح أبعادها وتداعياتها النفسية والاجتماعية.
محتويات المقال
بعد التعرّض إلى صدمة قوية، ينشأ لدى الكثيرين منّا الخوف من الهجر. إنه شعور يدفعنا إلى محاولة تجديد العلاقة بإلحاح مع الأشخاص الذين هجرونا وتجنّب خسارة أشخاص آخرين في مسارات حياتنا الشخصية. يتّخذ الهجر شكلين رئيسَين: الهجر عاطفي والهجر جسدي. على سبيل المثال؛ قد يهجر الأب أو الأم أو وليّ الأمر ذلك الطفل الذي يعتني به، جسدياً؛ بسبب الطلاق أو الوفاة. بينما ينجم الهجر العاطفي عن سوء المعاملة؛ حيث يشعر الشخص المهجور بعدم الانتباه إلى وجوده أو الإصغاء إليه أو الرغبة فيه.
على الرغم من أن الخوف من الهجر لا يمثّل اضطراباً نفسياً في حد ذاته، فإن حالاته الأكثر تجذّراً ترتبط عموماً بانعدام الأمان والاضطرابات والصدمات العاطفية القوية. وإذا كان الخوف من الهجر يُثار عادة في سياق العلاقات العاطفية، فقد يظهر أحياناً في سياقات أخرى. إليك إذاً 5 تأثيرات غير متوقعة قد تتركها جروح الهجر في علاقات الفرد وفقاً لما أورده موقع سايكولوجي توداي (Psychology Today).
التعلّق السريع بشركاء جدد
هذه ظاهرة ملحوظة في الصداقات والعلاقات العاطفية الجديدة التي تبدأ قوية ثم تتطور بسرعة نحو التعلّق الشديد بالآخر لتأمين العلاقة. يُصاحب ذلك إفراط في مشاركة التفاصيل الحميمية مع الآخر لتسريع "الارتباط" به. ويتجلّى ذلك كلّه في قضاء ساعات طويلة في التحدّث إلى هذا الشخص الجديد (مع الشعور بأننا نعرفه منذ زمن طويل)، أو الرغبة في التهرّب من شعور الوحدة؛ ما يؤدي إلى عدم التمييز بين الحاجة الماسة إلى الارتباط وأهمية اختيار الشخص المناسب لذلك.
يعتاد الشخص الذين يتعلّق سريعاً بالآخر على الانتقال من علاقة إلى أخرى فوراً أو بعد مدّة قصيرة فقط. يبدو "متشبّثاً" أكثر من اللازم بالآخر ويحاول في الغالب بناء علاقة جديدة بأسرع وقت ممكن للتخلّص من مخاوف التعرّض إلى الرفض (أي التعرّض إلى الهجر).
الحرص الشديد على سلامة مَن حوله
قد يصبح الشخص الذي يحمل جروح هجرٍ لم تُعالج شديد الحرص على سلامة الآخرين. قد يرغب على سبيل المثال في التأكد باستمرار من عودة أصدقائه إلى بيوتهم سالمين، أو يصبح مهووساً بالخوف من فقدان أحدهم بسبب كارثة طبيعية أو حادث مفاجئ.
لذا؛ قد يشعر هؤلاء الأشخاص بأنهم "محاصرون"، وقد يحسّون بفقدان استقلاليتهم أو أنهم تحت السيطرة والتحكّم بسبب مطالب هذا الشخص الذي يبحث عن أخبارهم باستمرار؛ ما يؤدي إلى شعورهم بالاستياء والانزعاج. وتُسهم حاجته المستمرة إلى "معرفة أخبار" مَن حوله في تخفيف خوفه الشديد من الهجر؛ لكنّها تخلق في الوقت نفسه توتّراً واضطراباً في علاقاته.
الحساسية المفرطة تّجاه ملاحظات الآخرين
إذا كان هذا الشخص عرضة إلى التأثر بمواقف الآخرين وحسّاساً جداً تّجاهها، فقد يدفعه ذلك إلى تبني سلوك المواجهة أو الدفاع عن النفس ضد أيّ ملاحظة سلبية لأنها قد تثير لديه الخوف من الهجر. ينطبق ذلك كثيراً على الأشخاص المهووسين بالكمال أو التوقعات الذاتية غير الواقعية.
على سبيل المثال؛ إذا تلقّى ملاحظة بسيطة من مديره في العمل فقد يعدّها انتقاداً شخصياً على الفور، فتهتزّ ثقته في مساره المهني بالكامل. وفي الحياة الشخصية، إذا تلقّى ملاحظة من أحد أصدقائه أو أفراد أسرته أو شريكه فقد يبالغ في الدفاع عن نفسه أو انتقاد الآخرين لتجاوز شعوره بالضعف وتخطّي مخاوف التعرّض إلى الرفض والهجر.
الشكّ المستمر
يعاني العديد من الأشخاص الذين يخشون الرفض أو الهجر مشكلات الثقة، ولا سيّما في علاقاتهم العاطفية. قد يشعرون بالشك المستمر في احتمال التعرّض إلى خيانة الشركاء أو هجرهم لهم؛ وهذا ما يجعلهم حسّاسين ويدفعهم إلى "التشبّث" بقوّة بالشريك أو الشعور "بالاحتياج الملّح" إليه أو "الاعتماد المفرط" عليه.
مع ذلك، قد تتأكد شكوكهم هذه عندما يصادف الكثيرون منهم للأسف شركاء نرجسيين يستغلّونهم أو "أصدقاء" أنانيين يحملون نوايا سيئة ومؤذية.
اختبار الآخرين
تُلاحَظ هذه الظاهرة عادة لدى الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدّية. يتعامل هؤلاء مع مَن حولهم باندفاع من خلال اختبار وفائهم للعلاقة أو التأكد من مدى جدارتهم بالثقة عند الحاجة إليهم. ويعدّ هذا السلوك شائعاً، ولا سيّما تجاه الأشخاص المهمّين بالنسبة إليهم. على سبيل المثال؛ إذا شعر أحدهم بالخوف من الهجر فقد يبتعد عن أقرب صديق له للتأكد إن كان سيواصل دعمه عند الحاجة إليه. فإذا استمرّ في دعمه، فإنه يرى ذلك دليلاً على أن هذا الصديق لن يتخلّى عنه أو يهجره.
يختبر أشخاص آخرون شركاءهم الجدد من خلال إخبارهم بأنهم إذا تخلّوا عنهم فلن يعودوا للارتباط بهم أبداً، ويوظّفون ذلك لتقييم مدى وفاء هؤلاء الشركاء لهم وقياس درجة التزامهم العاطفي. لكنّ بعضهم قد يتجاوز أحياناً حدود العلاقة وينتهكها (أي من خلال ارتكاب الخيانة في علاقة جادّة) للتأكد إن كان الشريك "سيهجره" ردّاً على خيانته.
اقرأ أيضاً: