ما الذي قد يجعلك تخاف من الخداع دوماً؟ إليك إجابة المختصين النفسيين وحلولهم

(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تقول سلمى ذات الـ 41 عاماً: “حالي كحال الناس جميعهم؛ أقارن بين أسعار المنتجات في مختلف المتاجر. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فسواء في العمل أو حياتي العاطفية، أخاف دائماً أن أتعرض إلى الخيانة والتلاعب والخداع. أتساءل عما إذا كان والداي قد أحباني بقدر ما أحبا أختي، وأريد دائماً أن أرى مقابلاً لما أعطيه للآخرين، فعلى زوجي أن يقدم لعلاقتنا مثلما أفعل، حتى أنني أحسب ساعات عمل زملائي في الشركة مخافة أن أتحمل أعباء أكثر منهم، وأرتاب في كلام أطفالي معي. هذه طبيعة علاقتي بالعالم من حولي، وهي ترهقني بحق”! كحال سلمى؛ يخاف الكثيرون التعرض إلى الخداع ويسيئون الظن بمن حولهم باستمرار، فما الأسباب وراء ذلك؟

يرتاب البعض في كل شيء وكل شخص حوله، ويبقى في حالة تأهب دائم خشية التعرض إلى الخداع، فما سبب سوء الظن هذا؟ وكيف يمكن للأشخاص شديدي الريبة الحد من مخاوفهم؟

لمَ يخاف البعض دائماً التعرض إلى الخداع؟

تقول سلمى ذات الـ 41 عاماً: “حالي كحال الناس جميعهم؛ أقارن بين أسعار المنتجات في مختلف المتاجر. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فسواء في العمل أو حياتي العاطفية، أخاف دائماً أن أتعرض إلى الخيانة والتلاعب والخداع. أتساءل عما إذا كان والداي قد أحباني بقدر ما أحبا أختي، وأريد دائماً أن أرى مقابلاً لما أعطيه للآخرين، فعلى زوجي أن يقدم لعلاقتنا مثلما أفعل، حتى أنني أحسب ساعات عمل زملائي في الشركة مخافة أن أتحمل أعباء أكثر منهم، وأرتاب في كلام أطفالي معي. هذه طبيعة علاقتي بالعالم من حولي، وهي ترهقني بحق”!

الرغبة في الحصول على الأفضل

يقول المدرب ومختص علم النفس الإكلينيكي، إيف ألكسندر تالمان (Yves-Alexandre Thalmann): “نحن نعيش في مجتمع يغرقنا بالإغراءات، فيجد المرء أن عليه اختيار الأفضل في نواحي حياته كافة؛ لكن تعدد الخيارات على هذا النحو سيصيبه بالحيرة ويعزز شعوره بالندم لاحقاً، فيرى أنه كان بإمكانه الحصول على المزيد أو الأفضل؛ ومن ثَمّ فإن اتخاذ القرار الصحيح سيضمن له الحصول على أفضل زوجة وأفضل عمل وحتى أفضل منتج”.

ويضيف مختص الطب والتحليل النفسي جيرار تيكسي (Gérard Tixier): “يشجع المجتمع على ثقافة الفوز ويعطي المظهر أولوية على الجوهر؛ ما يؤدي إلى إضعاف الصورة الذاتية”.

النظرة السوداوية إلى العالم

ترى المعالجة النفسية ومختصة علم النفس الإكلينيكي لوري أوك (Laurie Hawkes) أن سوء ظن المرء على هذا النحو يرجع إلى النظرة السلبية التي يتبناها سواء كانت إلى نفسه أو الآخرين أو العالم ككل؛ والتي تقوده إلى التعامل مع الواقع بخوف كبير، فهو يرى نفسه شخصاً ساذجاً مثلاً يسعى الآخرون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية من خلاله، أو يرى أنه يواجه عالماً مليئاً بالدناءة والخبث”.

لكن ما مصدر هذه الأفكار السوداوية؟ تقول المعالجة: “الطفولة غالباً، ويرتبط ذلك بشدة حساسيته في تلك المرحلة، فحينما لا يحظى الطفل بحماية كافية من والديه فإن ذلك سيقوده إلى أن يكون قادراً على الاعتماد على نفسه فقط، أما حينما يفرطان في حمايته فإنهما يخلقان في داخله خوفاً من العالم الخارجي، فأفكار من قبيل: “كل شخص في الحياة يسعى إلى مصلحته فقط”، أو “كن على حذر دائماً”، تترك أثرها في نفس الطفل”.

ويقول جيرار تيكسي: “حينما يعاني المرء ضعفاً في شخصيته فإنه يجد نفسه بحاجة ماسة إلى حماية نفسه ولا سيما إذا خاض تجارب عاطفية مؤلمة سببت له المعاناة؛ إذ يبقيه ذلك في حالة تأهب نفسي”.

الحذر الذي يقترب من جنون الارتياب

قد يقترب هذا الحذر الشديد من جنون الارتياب، إذ يقول جيرار تيكسي: “في هذه الحالة يظن المرء نفسه ضحية محتملةً دائماً، ولأنه يعاني ضعفاً في تقدير الذات والثقة بالنفس فإنه ينتقل من الدفاع عن نفسه إلى الهجوم، فتصبح الثقة بالآخرين وبنفسه حتى خطراً كبيراً بالنسبة إليه”.

لكن ما مصدر هذا الخطر؟ يخاف المرء في هذه الحالة أن تكون الثقة بالآخر تعني أنه سلّم نفسه إليه ومن ثَمّ فإنه سيمتلكه، وعلى هذا النحو لن يعود إنساناً بل سيستحيل شيئاً! وإذا تمكنت زوجته أو ابنه أو صديقه أو رئيسه في العمل من امتلاكه سيفقد هويته، فهل ثمة خطر أكبر من ذلك؟

كيف يمكنك زيادة ثقتك بمن حولك؟

حدد المتلاعبين الحقيقيين

يقول مختص علم النفس الإكلينيكي إيف ألكسندر تالمان: “اطلع على عمليات الاحتيال التي تُعرض على وسائل الإعلام الرسمية، فحينما تتعرف إلى الأساليب التي يستخدمها المتلاعبون يمكن أن تحمي نفسك منهم”.

من جهة أخرى، تجنَّب التسرع في الشراء؛ ابدأ بشراء خدمة أو سلعة منخفضة الثمن قبل أن تُقدِم على شراء واحدة مرتفعة الثمن، ويضيف المختص: “لا يمكنك تغيير العالم ولكن يمكنك تغيير الطريقة التي تنظر بها إليه”.

قيّم مخاطر الثقة

ترى مختصة علم النفس الإكلينيكي لوري أوك أن الخوف لا يمنع الخطر، وتقول: “لا يساعدك الخوف على حماية نفسك تماماً، ومن جهة أخرى فإنه قد يحرمك من فرصة ما، فحينما تتلقى هدية أو مجاملة من شخص ما مثلاً قد تتساءل عما إذا كان يحاول امتلاكك أو ترتيب دين عليك ليسترده منك يوماً؛ لكن ما المخاطرة التي ينطوي عليها قبول ما قدمه إليك؟ خذ لحظة واسأل نفسك إذا كان من الآمن أن تمنحه ثقتك”.

قيّم مخاوفك

ينصحك مختص الطب والتحليل النفسي جيرار تيكسي أن تسأل نفسك: “ما النواحي التي تشعر فيها بسوء الظن تجاه الآخرين؟ هل هي التعاملات المالية أم العلاقات الشخصية؟ وكيف ترى تأثير هذه المخاوف في حياتك؟ هل تدفعك إلى اعتزال الآخرين وتزيد تصلب شخصيتك؟ إذا كانت مخاوفك تسيطر على حياتك اليومية، فإن تغيير نظرتك إليها بمساعدة معالج نفسي يمكن أن يمنحك بعض الهدوء”.

تجربة شخصية

يقول ماجد ذو الـ 31 عاماً وهو مستشار قانوني:

“لطالما ربطتُ شكوكي الدائمة بمن حولي بقناعتي الراسخة بالعدالة. كنت أخاف التعرض إلى الخداع لأنني كنت أكثر اهتماماً بالعدل والإنصاف من الآخرين، فقد كنت إنساناً نزيهاً ومستقيماً ومخلصاً، وقد ساعدني المعالج النفسي على الخروج من حالة اليقين المطلق هذا وأدركتُ أنني لطالما خفت من أن يخدعني الآخرون لكنني لم أخف من أن أخدعهم، وهذا بعيد عن روح العدالة التي كنتُ أظن أنني أتحلى بها. وفي الحقيقة، تبين أن سلوكاتي هذه وأساليب الدفاع النفسي التي كنت أستخدمها كانت تخفي وراءها نقصاً كبيراً في الثقة بالنفس”.

المحتوى محمي !!