عندما تصبح الغيرة مرضيةً، فإنها تكون كابوساً لأولئك الذين يختبرونها، وأولئك الذين يعيشونها. تسمح الأساليب العلاجية المختلفة، إن لم يكن بعلاج هذا السم، فعلى الأقل بالسيطرة على آثاره السلبية.
مريض الغيرة هو كاتب سيناريو استثنائي، محاصر في مسلسل رديء، يرى نفسه فيه الشخصية الرئيسية الضعيفة التي تعرضت للخيانة من قبل الزوجة وطرف ثالث، مصوراً عن كثب سلوك شركائه بوصفه أدلة وإشارات على الجريمة التي سيقع ضحية لها. قد يبرر الممثلون الآخرون أنفسهم، ويثبتون براءتهم؛ لكنه لا يسمع شيئًا؛ مهووساً بصور الخداع هذه.
تتذكر كاثرين: "كنت أنتظر كل ليلة حتى يدير ظهره لأفتش جيوبه. قلم جديد، بطاقة عمل، اسم غير مقروء على صفحة مفكّرة، أشياء غير منطقية. لم أستطع إلا أن أرى كل غرض وجدته على أنه دليل على الخيانة، وفي كل صباح كنت أراقبه عن كثب. أدنى تغيير طفيف، وأدنى جهد ليكون جذاباً، كانا كافيين لإقناعي بأنه سيقضي اليوم مع امرأة أخرى".
شكل من أشكال جنون الارتياب
يوضح آلان كروتنبرغ؛ الطبيب النفسي المتخصص في العلاج السلوكي والمعرفي: "الغيرة هي شكل من أشكال جنون الارتياب " مؤلف كتاب "الرغبة في التحسّن" (L'envie d'aller mieux) مع لوك باتري. مضيفاً "يبدو أن المصاب بجنون الارتياب -بحكم طبيعته- لا يخطئ أبداً. إذا اقتنع بأن زوجته تريد خيانته فلا شيء سيغير رأيه"؛ إلا إن دفعت به معاناته -التي تفاقمت وازدادت صعوبةً لدرجة يصعب تحملها- إلى استشارة طبيب [نفسي]. تنتقل المسؤولية إثر ذلك إلى المعالج لمعاونته على إدراك المستوى المرضي لغيرته.
"أولاً: اطلب من الشخص الغيور أن يسجّل بانتظام عدد المرات وبأي وتيرة تتجلى معاناته قبل وأثناء وبعد نوبات الغيرة لديه"؛ حسب ما يوضح آلان كروتنبرغ، وهذا ما يسمى بالجزء المعرفي. ثم يقترح المعالج لعب الأدوار؛ حيث: "يضع المريض نفسه مكان (ضحيته)، بينما أضع نفسي مكان المريض، ثم نعكس الأدوار"، ويسمح هذا النهج السلوكي للأشخاص الغيورين بإدراك تطرف (ومبالغة) طريقة تصرفه وتفكير، كما .يمكن للأقارب أيضاً المشاركة في العلاج من خلال المشاركة في لعبة الأدوار هذه.
اقرأ أيضا:
ومع ذلك؛ ما من شريك يمتلك وحده ما يمكّنه من إخراج الشخص الغيور من نمطه الهوسيّ؛ إذ يبقى قلق الأخير عصياً على السيطرة، ووسواسياً؛ بل وعلاوةً على ذلك متفاقماً: "نبدأ في القسم بأننا نحبه، وما من أحد يمكنه استمالتنا أو جذب اهتمامنا؛ لكن هذا لا يكفي". بعد أن خضعت باتريسيا، 39 عاماً، للعلاج النفسي بنفسها، طلّقت زوجها الغيور. "لتجنب الجدال والمشاحنات؛ قطعت علاقتي بجميع أصدقائي وتركت وظيفتي، حتى وجدت نفسي ذات يوم في المنزل، لا أجرؤ على فعل أي شيء وأشعر بالاكتئاب".
من جهتها تضيف فيولين باتريسيا غالبرت؛ أخصائية العلاقات الزوجية: "حتى عندما ينتهي الأمر بضحية الشخص الغيور محبوساً، بعدما لم يعد يرى أحداً، قد يشعر الآخر بالغيرة من أفكاره ويقول لنفسه: "إنها لا تبدو سعيدةً معي، لا بد أنها تفكر في شخص آخر!". للتخلص من هذه الأفكار السيئة -التي يسميها المتخصصون "التشوهات المعرفية"- يجب على الشخص الغيور أولاً أن يفهم ما تخفي هذه الأفكار وراءها. هذا ما تسعى بعض طرق العلاج -ولا سيما التحليل النفسي- إلى الكشف عنه من خلال استكشاف ماضي الشخص الغيور. توضح دنيس لاشود؛ المحللة النفسية، أن: "العلاقة مع الأم هي علاقة حب لا يرغب الطفل في مشاركتها، والغيرة في الحب ما هي إلا ما تبقّى من ذكريات هذه العلاقة التي حدثت في الطفولة".
اقرأ أيضا:
الاعتماد العاطفي
سيطرت على ليو ليدري؛ الصحفي الطبي والمعالج، غيرة شديدة لمدة عشرين عاماً، حتى قرّر اللجوء إلى المتخصصين. بعد عديد من دورات العلاج الغشتالتي وإعادة الولادة والطاقة الحيوية، تمكن من الخروج من براثن نمطه الوسواسي: "استطعت أن أفهم من أين أتت غيرتي: لقد ربتني والدتي بمفردي ... إلى أن عاد والدي فجأةً للظهور ذات يوم ليسرق مني حب أمي واهتمامها". منذ ذلك الحين؛ يملأ كل رجل يقترب بشدة من النساء اللواتي أحبهن دور "سارق الحب" دون وعي، مضيفاً: "إنها صدمة تشكل جزءاً من قصتي، وهي ندبة ستظل موجودةً إلى الأبد؛ لكن لأن العلاج مكنني من تحديدها، فهي لم تعد تؤلمني".
وبحسب فيولين باتريسيا غالبرت، فإن "الغيرة هي أولاً وقبل كل شيء الرغبة في امتلاك الآخر، فالغيور لا يريد للآخر الهرب منه". خلف هذه الرغبة في السيطرة، تختفي حالة من التعلّق العاطفي. "في محاولاته لتبرير نوبات الغيرة لديه، ظل زوجي يخبرني أنه لا يمكنه العيش بدوني أبداً، وأن فكرة البقاء بمفرده ترعبه"؛ كما شهدت باتريسيا. تتمثل وظيفة المعالج إذاً في إخراج الشخص الغيور من هذه العلاقة التوحدية من خلال غرس مبادئ الاستقلالية فيه، وتتابع غالبرت قائلةً: "مناط الأمر هو تعليمه أن يحقق ذاته بمفرده، دون أن يعمل الآخر كبديل له".
تعلم الثقة بالنفس
لذا فمن الضروري العمل على تقدير الذات - إذا كان الشخص الغيور لا يشعر أنه بخير دون الآخر، أو يعتقد باستمرار أنه مهدد بفقدانه لصالح طرف ثالث، فذلك لأنه لا يعتقد أنه قادر على ذلك [الاحتفاظ بشريكه]، ويعتقد أنه لا يستحق الحب الذي يتلقاه، "لذلك سيتعين على الغيورين العمل على تأكيد سلطتهم" كما تشير غالبرت، وتضيف أن "الهدف من العلاج هو أن يتمكن أخيراً أن يقول لنفسه: «أنا أستحق الاحتفاظ بها»، أو حتى: "إذا غادرت؛ أعلم أنه سيكون لديّ ما يجعل [امرأةً] أخرى تحبني...»".
إن تعلّم الثقة بالنفس من أجل الوثوق بالآخرين لهو مهمة شاقة قد تستغرق، وفقًا لليو ليديري - عاماً، عامين أو حتى ثلاث سنوات. "في النهاية؛ لا تتمكن من علاج الغيرة؛ لكن ما تتعلمه هو السيطرة عليها". هذا الرجل الغيور السابق؛ المعتاد على الانفصال، يعيش مع نفس المرأة منذ ما يقرب من عشر سنوات. "لقد اشتركَت للتو في دورة لتعليم اللغة الإسبانية. فيما مضى، كانت ردة فعلي التلقائية أن أسألها مع من تحدثَت، أو إن كان هناك الكثير من الرجال في فصلها. اليوم؛ أتدبر أمري وأتمكن من التحكم في نفسي، لأنني فهمت أن المشكلة ليست منها بل مني. ليس الأمر سهلاً دائماً؛ لكن على أية حال لم تعد غيرتي تنغّص علينا حياتنا".
الفرق بين الجنسين
الرجل، المرأة: من الأكثر غيرةً؟
تشير الدراسات إلى أن الغيرة هي شعور ينتاب كلاً من النساء والرجال، أما فيما يتعلق بوتيرة الغيرة وشدتها، فمرةً أخرى، يتساوى الرجال والنساء. من جهة أخرى؛ يختلف الجنسان في ردود فعليهما: "فبينما يغضب الرجال، تصاب النساء بالاكتئاب" هكذا لاحظت أيالا ملاخ باينز؛ أخصائية العلاقات الزوجية.
من جانبه يؤكد الأخصائي النفسي آلان كروتنبرغ على أن: "الغيرة لدى النساء تكشف عن سلوك هستيري واكتئابي، بينما تكشف لدى الرجال عن شخصية مهووسة ومصابة بجنون الارتياب؛ ما يجعل علاجها أكثر صعوبةً". يرى التحليل النفسي أن الغيرة هي انعكاس للرغبة اللاواعية في خيانة الآخر، ولأن هذه الرغبة في الخيانة لا تُطاق، فإن الغيور يدافع عن نفسه بنسبها إلى الطرف الآخر. من الصعب قبول ما يسمى بآلية الإسقاط؛ وذلك بالنسبة للشخص الغيور أولاً؛ والذي لن يعترف بأن رغباته هي نفسها التي يسقطها على الطرف الآخر، ومن ثم قد يستنتج الشريك أنه: "إذاً أنا من يجب عليه أن يشعر بالغيرة لأنك ترغب في خيانتي". كلاهما عليهما الاعتراف وقتئذٍ بأن هذه الرغبات لاشعورية؛ وبالتالي فلا علاقة لها بالواقع.