الحياة اليومية الصعبة تزيد من شدة القلق

4 دقائق
الخوف

القلق من مظاهر الخوف الذي يختص به الإنسان وينفعه؛ لكن بالنسبة للبعض يصبح القلق مرضياً ومرهقاً وربما يعيق الشخص في بعض الأحيان. فمن هم الأشخاص الأكثر قلقاً؟ كيف يمكنهم إدارة مخاوفهم؟ فيما يلي قدم الأطباء النفسيون والشهود نظرتهم في هذا الخصوص بشكل أكثر وضوحاً.

القلق الشديد، علم أمراض الخوف

تعرضت أسماء البالغة من العمر 50 عاماً لأول نوبة هلع في سن الرابعة، وتعلمت منذ ذلك الحين كيف تتعايش مع قلقها الشديد وتتحكم فيه.

تقول أسماء: "أصبحت النوبات بمرور الوقت أقوى مع تأثيرها الواضح على سائر أعضاء الجسد؛ خفقان القلب والتعرّق والشعور بضغط في الحلق والاختناق والدوخة بالإضافة إلى القيء والأرق وآلام المعدة، ولا شيء يمكن أن يحدد أسبابها. هل ذلك بسبب الأخبار المتشائمة على شاشات التلفزيون وظهور أمراض جديدة والأوبئة والصراعات؟ انتقلت من طبيب إلى طبيب ثم استشرت أطباء نفسيين وعلماء نفس ومعالجين بالتنويم الإيحائي والمغناطيسي".

إنها ليست الوحيدة، فلكل شخص قصته الخاصة ولكل اضطراب (اضطرابات) قلقه ولكل واحد طريقته في إيجاد الحلول لكن كلاً منهم لديه مشكلة مشتركة وهي الخوف؛ الخوف من الخوف في حد ذاته والخوف من نظرة الآخرين، فضلاً عن الخوف من مواجهة أزمة ما. وجميع هؤلاء غارقون في حلقة مفرغة خانقة ومرهقة وغالباً ما يغزوهم طوفان من الأفكار، فبعضهم يخاف من أن يُحرج ويحمرّ وجهه خجلاً وآخرون يخافون من الأكل أمام زملائهم أو العبور بين الطيور أو التواجد في مساحات كبيرة أو صغيرة. كما يشعر البعض بالقلق على أحبائهم وصحتهم ويستغرق آخرون عدة ساعات قبل أن يتمكنوا من مغادرة منزلهم بعد التحقق مما إذا كان الباب مغلقاً؛ وهو ما يسمى الوسواس القهري (اضطراب الوسواس القهري).

القلق الشديد يولد المعاناة

إن المعاناة اليومية هي مصدر القلق الشديد؛ ما يفيد أن ذلك الشخص القلق يعيش في دائرة من النوبات المستمرة. يقول سامي البالغ من العمر 28 عاماً: "أشعر وكأنني في مأزق لا يمكن الخروج منه إلى درجة أنني لا أستطيع التنفس، ومع ذلك فأنا شخص ذو قلب طيب وحرصت على أن أكون بهذه السمة مع المختصين. لكن قيل لي إن الأدرينالين الذي ينتجه القلق يمكن أن يصبح خانقاً، لا سيما على المدى الطويل".

في هذا السياق يحدد الطبيب النفسي المتخصص في اضطرابات التوتر والقلق في مستشفى سانت آن؛ باتريك ليجيرون: "أن الشخص شديد القلق معرّض لخطر الإصابة بالاكتئاب بمقدار أربع إلى خمس مرات أكثر من الشخص غير القلق وأن اضطراب القلق يمكن أن يضاعف خطر الإقدام على الانتحار بمقدار ثلاثة أضعاف".

متى يبدأ القلق العظيم؟ يُعتبر القلق مرضياً عندما يكون شديداً ومزمناً. يوضح الدكتور ليجيرون: "تنتقل من القلق الطبيعي إلى المرض عندما تعاني منه ويعطل حياتك ويكون له تأثير في أحبائك ومن حولك وعملك".

ويضيف: "هذا المرض شائع جداً لأن الدراسات الوبائية تُظهر معاناة 10-12% من السكان البالغين في فرنسا من اضطرابات القلق. ومع ذلك فإن موضع القلق ليس في الرأس فحسب بل يتجلى جسدياً أيضاً".

لكن القلق الشديد هو مرض لا يُقال عنه الكثير لأنه من الصعب أن يُنظر إليه على هذا النحو في مجتمع يتسم بالامتثال. وفي هذا الصدد يقول جميل ذو الـ 54 عاماً: "من أسوأ عواقب هذا المرض خوف المريض من الشعور بالذنب. الأشخاص مثلي يعانون بشكل رهيب من الصورة التي يرسلها لنا المجتمع الذي يطالبنا بأن نكون "أقوياء" ولا مجال للضعف".

القلق الشديد، مرض مثبت

يعرّف المحلل النفسي آلان براكونير في كتابه "قلق بسيط أو كبير" (Petit ou Grand Anxieux)، القلق الحقيقي على أنه شعورٌ يعتري الأشخاص الذين يعانون من ألم شديد ويعيشون "حالة من القلق لا يمكن السيطرة عليها"، أو شعورٌ "بعدم الأمان الذي لا أساس له"، أو "شعورٌ بالأخبار السيئة". من الناحية الجسدية؛ تختلف اللوزة الدماغية -هذا الجزء الموجود في الفص الصدغي للدماغ والمركز الحقيقي للعواطف- من شخص إلى آخر. كما يتجلى قلقهم الشديد في العديد من اضطرابات القلق المعممة مثل الرهاب الاجتماعي ونوبات الهلع ورهاب الخلاء أو الوسواس القهري.

من جهتها تفيد أسماء البالغة من العمر 40 عاماً أن: "التعايش مع القلق هو التعايش مع محرمات المرض العقلي، وأحياناً يمكن وصف خوفك بالجنون، بالإضافة إلى الشعور بالذنب عند الحديث عن ذلك لأحبائك".

يجب التعامل مع القلق الكبير بجدية لأن تداعياته يمكن أن تؤثر في حياة المرضى ومن حولهم على حد سواء. يرفض البعض العروض الترويجية للسفر إلى الخارج لأنهم يخافون السفرَ بالطائرة، ويشتكي آخرون من عدم فهم أحبائهم الذين يفكرون معهم بجمل جاهزة عند الشعور بالخوف: "اهدأ لا يوجد ما يدعو للذعر" أو "تحمّل ذلك أنت قوي" أو " لا يبدو أنك متوتر" أو "إن هذا الخوف في رأسك فقط".

ثم يعزل القلقون أنفسهم شيئاً فشيئاً، أو على العكس من ذلك يستنزفون قواهم العقلية لمعرفة وفهم كل شيء لغرض وحيد هو السيطرة على أنفسهم. ومع ذلك فهناك طرق معترَف بها لتحسين الأعراض بمرور الوقت.

العلاج المعرفي السلوكي والتأمل للتغلب على قلقك الشديد

يضاعف الأشخاص القلقون للغاية الحيل لتجنب المصادر التي تولد القلق وإعادة تنظيم حياتهم وفقاً لمخَاوفهم بغية التأقلم معها. إن العلاجات النفسية مثل العلاج السلوكي المعرفي، بالإضافة إلى العلاجات الدوائية، تعمل على إدارة الاضطرابات.

يستهدف المريض والمعالج النفسي، في مجموعات أو بشكل فردي، مسببات القلق المختلفة ثم يواجه الشخص شديد القلق مخاوفه تدريجياً لخلق ظاهرة التعود. في هذا الصدد يقدم الطبيب النفسي جان ماري برين في مستشفى سانت آن، مجموعات لتأمل اليقظة الذهنية؛ حيث تتعلم مواجهة مخاوفك وتوجيه أفكارك وإدارة تنفسك، مع تأثيرات مثبتة علمياً.

"لقد تم إثبات فعالية التأمل في الحد من الأحاسيس الجسدية والمعرفية السلبية. قد تكون الجلسات الأولى صعبة ولكن هذه الأنواع من العلاجات لها تأثير ملموس ومادي. وقد لوحظ بعد عدة جلسات أن المشابك العصبية -التي تضمن الاتصال بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ والمتصلة باللوزة- تتغير بشكل كبير".

التنويم المغناطيسي، اليوغا والسوفرولوجيا لإدارة الأفكار المتطفلة

لقد أثبت العلاج بالتنويم المغناطيسي فعاليته أيضاً لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من قلق شديد، بالإضافة إلى اليوغا السوفرولوجيا (علم إحلال التناغم في الوعي) وعملية التنفس والعلاج بالحيوان - إذا لم يكن الشخص يعاني من رهاب الحيوان. كل شيء جيد لتعلم إدارة الأفكار المتطفلة والمتشائمة والتحكم فيها.

في هذا السياق تقول مريم أن: "التأمل والتنفس يهدئانني. غالباً ما أحتاج إلى أتخلص من غضبي، وفي الوقت الحالي أفضل طريقة بالنسبة لي هي الغناء. هذا يسمح لي بالتخلص من نوبات التوتر وإخراج مشاعري في أثناء التنفس بشكل طبيعي من خلال معدتي. وتضيف لمياء: "بفضل ممارسة اليوغا والرياضة والتمارين ومساعدة أحبائي ودعمهم؛ أتقدم ببطء ولكن بثبات".

المحتوى محمي