ملخص: من منّا لا يحدّث نفسه أحياناً؟ جميعنا نرفع أصواتنا للتعبير عمّا يدور في أذهاننا أو تفريغ بعض مشاعرنا. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون فإن الحديث مع النفس ليس بالضرورة حالة مرضية، بل فضيلة يمكن استغلالها جيداً لجني العديد من الفوائد النفسية. إليك إذاً أهم فوائد حديث النفس.
محتويات المقال
عندما تسمع زوجتك وهي تحدّث نفسها في المطبخ فقد يثير لديك ذلك الرغبة في ممازحتها أو السخرية منها. وعندما يحدث لك الأمر نفسه وترفع صوتك وأنت تحاور نفسك، فإنك غالباً ما تحرص على فعل ذلك بعيداً عن مسامع الآخرين. وعلى الرغم من أن هذه الحوارات الذاتية لا تثير انطباعاً إيجابياً لدى معظم الناس، فإنها لا تنطوي في الغالب على أيّ أبعاد مرضية وفقاً للمختصين الذين يصفونها بالإيجابية إذا كانت في نطاق حدود معينة.
يعمل على تفريغ عواطفك
تقول الطبيبة النفسية ماري كلود غافارد (Marie-Claude Gavard) مؤلفة كتاب "ما الذي يدور في رؤوسنا؟" (?Mais qu’est-ce qui se passe dans ma tête): "عندما تصطدم قدمك بكرسي مثلاً فإنك غالباً ما تطلق آهة لتفريغ شحنة الألم، وعندما تكون بصدد سياقة سيارتك فإنك غالباً ما تعبر شفوياً عن غضبك أو عصبيتك حتى إن كنت وحدك، لأن الحديث مع النفس يساعد على تفريغ العواطف وتجنّب الانفجار الداخلي".
كما يمثل هذا التحرر مما يدور في النفس بحثاً واعياً أو غير واعٍ عن حلول مستقبلية لما يواجه الإنسان من مشكلات.
تؤكد نُهى ذات الـ 54 عاماً: "إن حديثي مع نفسي يساعدني على فهم ما أشعر بعد نزاع مع زوجي، والتفكير في الكلمات التي سأستخدمها في المرة القادمة عندما سنتطرق لموضوع الخلاف بيننا".
يساعدك على تجاوز التوتر
كثيراً ما نردد الأمور المهمة التي نريد تذكّرها قبل مغادرة البيت بصوت مرتفع مثل حمل المفاتيح أو محفظة النقود أو إغلاق أسطوانة الغاز، أو تذكّر قائمة المشتريات أو المحطات الأساسية التي سنقطعها خلال رحلة عبر الحافلة أو المترو. فالحديث مع النفس بصوت مرتفع يمكّن غالباً من درء القلق وتخفيف الشحنة الذهنية.
توضح الطبيبة النفسية ومؤلفة كتاب تطور الكلام (Développement du langage) آنييس فلوران (Agnès Florin): "لا تقتصر وظيفة الكلام إذاً على التواصل فقط، بل يواكب الفكر ويحدّ من التوتر من خلال تفكير المتكلم مثلاً في الأعمال التي سينجزها والأهداف التي يريد تحقيقها".
وترى فلوران في هذه العادة ضماناً للفعالية ومساعدة على التذكّر والتركيز شريطة ألّا تصبح هوساً. وتنبه الطبيبة النفسية: "إذا تكررت حالات الكلام مع النفس كثيراً وأصبحت طقساً منتظماً، فربما تكون ثمة مشكلة في الشعور بالأمان".
يعزز تشجيعك لذاتك
تقول نعيمة البالغة من العمر 43 سنة: "عندما أشعر بالقلق قبل تقديم عرض على الملأ أو قبل موعد مهم، فإنني أشجع نفسي بالحديث بصوت مرتفع، ويكون ذلك مفيداً لي". إن هذا الحديث يسمح للنفس بتجاوز الشعور بالوحدة، خاصة عندما يتمتع الإنسان بملكة تنمية ذاته بنفسه، حيث يعمل على تشجيعها في مواجهة تحديات الحياة.
تضيف الطبيبة النفسية ماري كلود غافارد: "في مثل هذه الحالات سيشجع أحدنا نفسه قائلاً: "أنت قادر على النجاح" أو "ستكون أفضل في المرة المقبلة"، وكأنه يتخيّل ناصحاً أميناً يحدثه ويثق فيه ويهوّن عليه إخفاقاته. وقد يكون حديث النفس هذا وسيلة لتذكر والديه، أو التواصل روحياً مع أحد أحبائه المتوفين".
وقد يكون الإنسان أحياناً أكثر انتقاداً فتجده يخاطب نفسه قائلاً: "أيها المعتوه!" أو يقول: "أنا غبي فعلاً!". لهذا فإن الوعي بالكلمات والعبارات المؤذية التي نستعملها في هذا الحوار الذاتي يمثل المرحلة الأولى في عملية التوقف عن إيذاء النفس وتبني خطاب أكثر عناية بها.
خصّص أوقاتاً للحوار مع النفس
تقترح هيام البالغة من العمر 49 عاماً حلاً لمسألة الحديث مع النفس من خلال تخصيص وقت معين لها. تقول عن ذلك: "ألجأ إلى الحديث مع نفسي عندما أحتار في اختياراتي أو عندما أغضب من شخص معين ولا أجد الوسيلة للتعبير له عن ذلك.
ولذلك أخصص موعداً منتظماً لهذه الحوارات الذاتية بدلاً من أن أكبت ما بداخلي مخافة أن أبدو سخفية. فأروّح عن نفسي وأطلق لها العنان كل صباح تقريباً لمدة 15 دقيقة، بل إنني أطرح أحياناً الأسئلة وأجيب عنها في الوقت نفسه.
ويحدث ذلك أيضاً عندما أسوق السيارة، حيث يساعدني الحديث مع النفس على تخطّي التوتر الذي أشعر به. كما أحبّ أن أغني وأنا أسوق دراجتي وهي طريقة لمؤانسة النفس والعناية بها وحمايتها".
3 نصائح للحديث مع النفس بفعالية
قيّم فائدة هذا السلوك
من المفيد أن تطرح بعض الأسئلة لتقييم هذا السلوك ومدى حاجتك إليه مثل: ما الذي تقوله لنفسك في أثناء حديثك معها؟ متى تحتاج إلى الحديث مع نفسك؟ هل يفيدك هذا السلوك في شيء؟
تؤكد الطبيبة النفسية ماري كلود غافارد: "إذا كان الحديث مع الذات يساعدك على التركيز وتحفيز النفس وتجاوز الشعور بالوحدة، فلا داعي لكبت هذا السلوك الطبيعي والضروري"، فحديث المرء مع نفسه لا يعني أبداً أنه مجنون.
تحدث مع نفسك بالكتابة
تجنباً لإثارة انتباه الآخرين إلى حديثك مع نفسك في العمل أو الأماكن العامة أو الأسواق يمكن أن تحول هذا الحديث الشفوي إلى حديث كتابي عن طريق تدوين قوائم عمّا يدور في نفسك في مذكرة أو على الهاتف، فهذا الحل فعال جداً في تجلية الفكر والتخفيف من الشحنة الذهنية.
راجع معتقداتك السلبية
عند حديثك مع نفسك قد لا تستطيع أحياناً أن تكف عن انتقاد نفسك، وكأنك تكرر عن غير وعي الأحكام التي كنت تسمعها في الماضي من والديك أو المقربين منك أو أساتذتك. فمن أين تأتي هذه المعتقدات التي تكرّرها دون توقف؟ وعلى أي أساس ترتكز؟ وكيف يمكنك مراجعتها وإعادة صياغتها على نحو "مفيد" لك؟ فعندما تكرر مثلاً عبارة من قبيل: "لن أنجح أبداً" عندما تحدّث نفسك، يمكنك تعويضها بعبارة بديلة مثل: "من الشجاعة أن أحاول مرة أخرى، فهكذا سأنجح في ذلك". وهذا يعني أن إعادة برمجة الدماغ وأحاديث النفس أمر ممكن جداً!