هل تؤثر حالتك النفسية في إصابتك بالإنفلونزا؟ إليك إجابة العلم

4 دقيقة
الإنفلونزا
shutterstock.com/Muhammad_Safuan

أصابتني الإنفلونزا الأسبوع الماضي، والحقيقة أنها لم تأتِ بمفردها فقد صاحبتها مجموعة من التساؤلات المزعجة المقلقة، مثل: هل ما أصابني مجرد إنفلونزا أم متحور فيروس كوفيد-19 الجديد؟ ماذا سأفعل إذا تفاقمت الأعراض؟ هل سأتوقف عن العمل؟ كيف يمكنني أن أحافظ على عدم انتقال العدوى إلى المحيطين بي؟

فتحت الأسئلة السابقة في ذهني نافذة التفكير والبحث لفهم العلاقة المتشابكة بين الإنفلونزا والحالة النفسية، وما الذي يمكن فعله لتنظيم تلك العلاقة والحد من تأثيراتها في حياتنا اليومية؟ وحتى أستثمر جهدي قدر الإمكان أكتب لكم هذا المقال الذي أتمنى أن يكون نافعاً.

هل ثمة علاقة مثبتة بين الحالة النفسية والإنفلونزا؟

عندما مرضت، أول ما خطر ببالي هو تناول المشروبات العشبية التي يمكنها تعزيز مناعتي، لكنها للأسف لم تجدِ نفعاً في صدّ الأعراض، ويعكس ذلك الأمر أهمية تمتّع الفرد بمناعة قوية لمقاومة الإصابة بالإنفلونزا أو الحد من أعراضها عند الإصابة بها، وهنا يمكن الإمساك بأول خيط بين حالتنا النفسية والإنفلونزا، إذ يوضح الطبيب النفسي إبراهيم حمدي أن الاكتئاب والتوتر يضعفان جهاز المناعة، وهذا يعني زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض، ويظهر ذلك على وجه الخصوص في فترات الصدمات النفسية والضغوط؛ إذ يصبح الجسم أكثر عرضة للفيروسات والعدوى.

يضيف المختص النفسي، عبد الله آل دربا، إلى ما سبق تأكيده أن التفكير الزائد والاجترار النفسي وجلد الذات وقمع المشاعر جميعها ممارسات تضعف المناعة العضوية، وتؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب والقولون العصبي.

ما سبق يمكن اعتباره مدخلاً تمهيدياً لفك تشابك العلاقة بين أجسامنا وصحتنا النفسية، وهي علاقة ثنائية الاتجاه؛ فتردّي حالتنا الصحية يتبعه تأثر صحتنا النفسية سلباً والعكس صحيح، وحتى نفهم كيفية حدوث ذلك سنلقي نظرة على تفاعل الجسم عند التعرض للتوتر على سبيل المثال، إذ يرى دماغنا حينها أن جسمنا في خطر فيحفّز الجهاز العصبي الودي (Sympathetic nervous system)، وهو عبارة عن شبكة من الأعصاب تنشّط استجابة من اثنين إما المواجهة أو الهروب، إلى جانب تنشيط هرمونات الغدة الكظرية مثل الأدرينالين والنورأدرينالين الذي يمكن أن يؤدي اندفاعه إلى ظهور أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا مثل الغثيان والصداع والإرهاق.

وحسب مقالة علمية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine)، يمكن أن يؤدي الضغط النفسي إلى اختلال عمل الجهاز المناعي، ما يجعل من الصعب عليه مواجهة العدوى؛ وهذا يعني ارتفاع خطر الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا.

هناك أيضاً بُعد ينبغي توضيحه، وهو أن الشخص إذا كان مصاباً باضطراب نفسي مثل الاكتئاب فعلى الأرجح سيواجه صعوبة في الاعتناء بنفسه عموماً، لذا يمكن أن يتأخر تعافيه من الإنفلونزا، مع الوضع في الاعتبار أن مقاومة جسمه للمرض ستكون ضعيفة مثلما أوضحنا مسبقاً.

اقرأ أيضاً: يتجاوز حدود الأفكار والمشاعر: ماذا تعرف عن أضرار الاكتئاب في الجسم؟

لماذا قد تتراجع حالتنا المزاجية بعد إصابتنا بالإنفلونزا؟

من أجل أن تكون الصورة واضحة من البداية، فالسبب المحدد والدقيق لتسبُّب الإنفلونزا في الإصابة بنوبات الاكتئاب ما زال مجهولاً، وذلك حسب مدير مركز أبحاث الاكتئاب والرعاية السريرية (Center for Depression Research and Clinical Care) التابع لجامعة جنوب غرب تكساس الطبية الأميركية (UT Southwestern)، مادوكار تريفيدي (Madhukar Trivedi)، الذي يشير إلى أن عدوى الإنفلونزا تؤدي إلى حدوث استجابة التهابية في الجسم ينتج عنها ارتفاع مستويات السيتوكينات، وهي البروتينات الصغيرة التي تفرزها الخلايا في الجهاز المناعي، إلى جانب زيادة معدل إفراز المواد الكيميائية الأخرى التي تهدف لمحاربة العدوى، والاستجابة السابقة تؤدي إلى ظهور أعراض؛ منها التعب والخمول وصعوبة التركيز واضطراب استقرار النوم.

تضيف الباحثة في علم النفس العصبي المناعي بجامعة ستوكهولم (Stockholm University)، جولي لاسيلين (Julie Lasselin)، على ما سبق أن هذه التغييرات تجعلنا أقل تحفزاً لفعل الأشياء التي نحبها وغالباً ما نفضل البقاء بمفردنا في السرير، ما يفاقم حالتنا النفسية ويجعلنا أكثر حساسية للمحفزات السلبية فنصبح أكثر حزناً وقلقاً.

للدقة، هناك بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بعد إصابتهم بالإنفلونزا، وهم الذين أصيبوا بالاكتئاب في وقت سابق من حياتهم، لكن الجانب المضيء أن معظم حالات الاكتئاب التي تظهر بعد الإصابة بالإنفلونزا تختفي من تلقاء نفسها في غضون أيام أو أسابيع، مع مراعاة الحصول على قسط كبير من ساعات النوم والحرص على الراحة والاسترخاء وتناول الطعام الصحي حتى يتعافى الجسم مما أصابه.

اقرأ أيضاً: ما هي خطورة نقص فيتامين "ب 12" على صحتك النفسية؟ وكيف تعوضه؟

5 إرشادات فعالة للاعتناء بصحتك النفسية عند إصابتك بالإنفلونزا

ربما يدور في ذهنك حالياً سؤال مهم: كيف أحدّ من تدهور حالتي النفسية عندما أصاب بنزلة البرد؟ وحتى يكون الأمر أسهل؛ أقدم إليك بعض الإرشادات العملية:

  1. تحرّك: إذا كانت لديك القدرة على الحركة الخفيفة دون وقوع ضرر عليك فلا تتردد بأن تغادر سريرك، ففي مرضي الأخير كان أمامي خياران: الأول أن أستسلم وأظل طريح الفراش؛ ما يعني تراجع حالتي النفسية والصحية، والثاني أن أتحرك مع بعض التسهيلات، مثل ألا أستقل المواصلات العامة أو أمشي لمسافات طويلة، والحقيقة أنني أخترت الاختيار الثاني وربما كان ذلك سبباً من الأسباب التي جعلت المدى الزمني لنزلة البرد قصيراً نسبياً، لأن الحركة عموماً تساعد على تنشيط الدورة الدموية، وينتج عنها إطلاق هرمون الإندروفين الذين يحسن الحالة المزاجية.
  2. تعرّض لأشعة الشمس: اتبعت هذه النصيحة أيضاً خلال مرضي فكنت أحرص على تناول الإفطار في الشرفة صباحاً، إذ تحفز أشعة الشمس أدمغتنا لتفرز هرمون السيروتونين الذي يعد من المضادات الطبيعية للاكتئاب.
  3. اكتب ما تشعر به: هل تذكر تلك الأسئلة التي تزاحمت في عقلي وذكرتها لك في المقدمة؟ بكل تأكيد لو كنت دوّنتها في مذكراتي مع بعض الأفكار المزعجة الأخرى لجعلني ذلك أكثر اتزاناً من الناحية النفسية.
  4. مارس أنشطتك المفضلة: الأمر بسيط، فلا أعني بذلك أن تذهب إلى الصالة الرياضية أو تسافر، إنما فقط يمكنك الاستماع إلى موسيقاك المفضلة أو إشعال شمعة بعطرك المفضل، أو الاستحمام بماء دافئ المهم أن تدلل نفسك حتى تسترخي أعصابك وتحد من توترك.
  5. تواصَل مع المحيطين بك بحذر: أتفهّم أنك ستكون قلقاً من انتقال العدوى لمن تحب، لكن مع بعض الاحتياطات يمكنك أن تتواصل معهم بأمان؛ فدعمهم لك خلال مرضك سيكون له أثر إيجابي عظيم بكل تأكيد. وفي حال شعرت بأن حالتك النفسية تسوء بمعدل متسارع، لا تتردد في اللجوء إلى المعالج النفسي، حتى يستمع لك ويقدم لك نصائح فعالة تساعدك.

اقرأ أيضاً: ما هو الإجهاد التأكسدي؟ وكيف تحمي نفسك منه؟

المحتوى محمي