دراسة جديدة: جيناتك ربما تكون السبب وراء تدهور جودة نومك

الجينات والنوم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يُعد النوم جزءاً مألوفاً من حياة ملٍ منا اليومية إلى درجة أننا قد نعدّه أمراً مفروغاً منه. ومع ذلك، هناك العديد من العوامل السلوكية والبيئية والوراثية التي تؤثر في جودة نومنا؛ حيث توصلت دراسة بحثية أجرتها جامعة هلسنكي في فنلندا إلى وجود علاقة بين الجينات الوراثية واضطرابات النوم.

يقضي البشر نحو ثلث حيواتهم نائمين، وعلى غرار الضروريات البيولوجية الأساسية الأخرى؛ يلعب النوم دوراً حاسماً في التأثير على صحة الإنسان؛ حيث ترتبط اضطرابات النوم غير المُعالجة بالكثير من المشكلات الجسدية والنفسية؛ مثل انخفاض الإنتاجية وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المختلفة وارتفاع احتمالية الوفاة المبكرة.

وتسعى الدراسات العلمية إلى فهم دور الاستعداد الوراثي في اضطرابات النوم؛ حيث توصلت دراسة حديثة أجرتها جامعة هلسنكي الفنلندية (University of Helsinki) نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى نتيجة مفادها أن هناك أساساً جينياً لمشكلات النوم. ومن خلال هذا المقال، سنتعرف معاً إلى العلاقة المتشابكة بين الجينات الوراثية واضطرابات النوم.

ما اضطرابات النوم؟

يوضح أستاذ المخ والأعصاب بكلية الطب في جامعة عين شمس، رامز رضا، إن اضطرابات النوم هي حالات تؤثر في نوعية النوم الذي يمكنك الحصول عليه في أثناء الليل وكميته وتوقيته. ويضيف رضا إن النوم عملية معقدة يدخل إليها الشخص ليمر بعدد كبير من المراحل فيما يُعرف باسم “دورة النوم”. ويمكن لأي شخص أن يواجه مشكلات في النوم من وقت إلى آخر؛ ولكن قد تكون مصاباً باضطراب النوم إذا كنت:

  1. لديك مشكلة في النوم بانتظام.
  2. تشعر بالتعب في أثناء النهار على الرغم من أنك نمت مدة 7 ساعات على الأقل في الليلة السابقة.
  3. يَصعُب عليك القيام بالأنشطة النهارية العادية.
  4. تشعر بعدم القدرة على الحركة عند الاستيقاظ.

اقرأ أيضاً: ما المشاعر المؤدية إلى الأرق واضطرابات النوم؟ وكيف تتعامل معها؟

ما الأنواع المختلفة لاضطرابات النوم؟

قسم التصنيف الدولي لاضطرابات النوم (the International Classification of Sleep Disorders ICSD) اضطرابات النوم بناءً على الأعراض، وكيفية تأثيرها في الشخص ونظام الجسم الذي تؤثر فيه. وتتضمن المراجعة الجديدة للطبعة الثالثة من التصنيف (ICSD-3R) الفئات التالية:

  1. الأرق: يحدث حين تجد صعوبة في النوم أو تواجه مشكلة بالاستمرار في النوم.
  2. اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم: تظهر عندما يتغير تنفسك في أثناء النوم.
  3. اضطرابات فرط النعاس: تظهر عند مواجهة صعوبة في الشعور باليقظة في أثناء النهار.
  4. اضطرابات إيقاع النوم والاستيقاظ: ساعتك الداخلية تصعّب عليك النوم والاستيقاظ في الوقت المحدد.
  5. الباراسومنيا (Parasomnia): تحدث أفعال جسدية أو تعبيرات لفظية في أثناء النوم مثل المشي أو التحدث أو الأكل.
  6. اضطرابات الحركة المرتبطة بالنوم: تعني الرغبة في الحركة التي تصعّب عليك النوم أو الاستمرار في النوم.

هل هناك اضطرابات للنوم مرتبطة بالعوامل الوراثية؟

نشرت المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine. NLM) دراسة بحثية أكدت من خلالها أن الجينات تؤثر في العديد من اضطرابات النوم؛ مثل:

  1. الأرق العائلي القاتل (fatal familial insomnia FFI): حالة وراثية نادرة تؤثر في الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وتسبب صعوبة في النوم وفقدان للذاكرة وارتعاش العضلات. وهذه الحالة تنكسية؛ ما يعني أن الأعراض تصبح أكثر حدة بمرور الوقت، وعادة ما يؤثر هذا الاضطراب في الأشخاص الذين يرثون الجين من أحد آبائهم البيولوجيين، وعادة ما يكون هناك تاريخ للحالة التي تؤثر في الأسرة؛ حيث إن نسخة واحدة فقط من الجين المتحور تكفي لإحداث الأعراض.

وغالباً ما يحدث الأرق العائلي القاتل بسبب طفرة أو تغيير في جين (PRNP)؛ وهو الجين المسؤول عن صنع بروتين البريون (PrPC)، ويوجد هذا البروتين في الدماغ وتحديداً في المهاد؛ ما يساعد على تنظيم وظائف الجسم مثل النوم.

لكن عندما تكون هناك طفرة في جين (PRNP)، فإن الأحماض الأمينية التي تبني بروتينات (PrPC) لا تحتوي تعليمات لبناء البروتينات على نحو صحيح؛ ما يسبب الأعراض التي تتجسد في:

  • صعوبة النوم التي تزداد سوءاً بمرور الوقت (الأرق التدريجي).
  • فرط نشاط الجهاز العصبي؛ بما فيه ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب على نحو أسرع من الطبيعي.
  • فقدان الذاكرة.
  • الهلوسة أو رؤية شيء أو التفكير في وجوده ما عندما لا يكون موجوداً.
  • ارتعاش العضلات اللاإرادي أو الرجيج (الرمع العضلي).
  1. متلازمة تململ الساقين (Restless legs syndrome): حالة عصبية تسبب رغبة لا تقاوَم في تحريك الساقين، وتنجم الحركة عن مشاعر غريبة أو غير مريحة، غالباً ما توصف بأنها زحف أو شد أو حكة في أعماق كلتا الساقين، وتحدث هذه الحركة عادةً في أثناء جلوس الشخص المصاب أو استلقائه، وتزداد سوءاً في أثناء النوم ليلاً.

ويعاني العديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة تململ الساقين أيضاً حركات متكررة لا تُمكن السيطرة عليها في الساق تحدث في أثناء النوم أو الاسترخاء أو النعاس. وعندما تحدث هذه الحركات في أثناء النوم، فإنها تسمَّى “حركات الأطراف الدورية في أثناء النوم” (PLMS)؛ أما حين تحدث في أثناء استيقاظ الشخص، فإنها تسمَّى “حركات الأطراف الدورية لليقظة” (PLMW)، ويمكن أن تؤثر هذه المتلازمة في جودة النوم. ونتيجة لذلك؛ قد يواجه الأفراد المصابون صعوبة في التركيز في أثناء النهار، وتتطور لدى بعضهم تقلبات مزاجية أو اكتئاب أو مشكلات صحية أخرى.

ويؤكد العديد من الخبراء إن هذه المتلازمة تنجم عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية؛ حيث يوضح أستاذ الصحة العامة بجامعة كامبريدج (University of Cambridge)، ستيفن بيل (Steven Bell)، إن متلازمة تململ الساقين لديها رابط وراثي قوي، ويتعلق الأمر بكيفية عمل الجزء من الدماغ الذي يسبب الحركة (العقد القاعدية)؛ حيث تستخدم العقد القاعدية الدوبامين لتنظيم كيفية تحرك جسمك، وإذا لم يحصل هذا الجزء من دماغك على ما يكفي من الدوبامين، فلن يتمكن من تنظيم حركتك بكفاءة كما ينبغي. وعادة ما تورَث متلازمة تململ الساقين في أثناء الحمل، وذلك حين يمرر أحد والديك البيولوجيَين سمة وراثية تؤدي إليها.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

  1. انقطاع النفس الانسدادي في أثناء النوم (Obstructive sleep apnea OSA): يحدث هذا الانقطاع عندما يؤدي انسداد مجرى التنفس إلى منع الهواء من التحرك عبر القصبة الهوائية في أثناء نومك. ويمكن أن يؤدي كل من الانسداد ونقص تدفق الهواء إلى انخفاض مستويات الأوكسجين في الدم، وتؤدي هذه الحالة إلى اضطرابات في النوم. وبعد الاستيقاظ، عادة ما يشعر المصابون بالآتي:
  • التعب والإرهاق.
  • النعاس في أثناء النهار، وفي الحالات الأكثر شدة، يمكن أن يسبب ذلك النعاس في أثناء القيادة أو العمل أو الأنشطة الأخرى.
  • تغيرات المزاج.
  • معاناة الاكتئاب أوالقلق.
  • حدوث اضطرابات في وظائف المخ يمكن أن تشمل فقدان الذاكرة وصعوبة التركيز.
  • الصداع.
  • الشخير.
  • الاستيقاظ في منتصف الليل.
  • التعرق الليلي والشعور بعدم الراحة في أثناء النوم.

ويمكن أن يحدث انقطاع النفس الانسدادي في أثناء النوم بسبب مجموعة مختلفة من العوامل؛ مثل زيادة الوزن والظروف الوراثية التي تشمل الحالات التي تؤثر في شكل الرأس والرقبة؛ مثل متلازمة داون أو متلازمة برادر ويلي.

اقرأ أيضاً: اضطراب النوم الانتيابي: ألا تكون يقظاً أثناء استيقاظك!

هل جيناتك الوراثية مسؤولة عن تدهور نومك؟

وفقاً للدراسة التي أجرتها جامعة هلسنكي الفنلندية (The University of Helsinki) وشملت نحو 800 ألف مشارك وركزت على دور العوامل الوراثية في حدوث اضطرابات النوم؛ تمكَّن الباحثون من تسليط الضوء على المناطق الجينية المرتبطة باستخدام الأدوية المنومة. وقد توصلت الدراسة إلى نتيجة مهمة مفادها أن العديد من اضطرابات النوم لها أساس وراثي.

وحددت الدراسة مناطق وراثية تنشط في الدماغ عند الأشخاص الذين يتناولون الحبوب المنومة؛ حيث يحتوي العديد من هذه المناطق جيناتٍ مرتبطة بالنوم؛ الأمر الذي يعكس وجود علاقة بين جودة النوم والجينات الوراثية. وقد توصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد تحليل بيانات آلاف المشاركين في الدراسة من خلال مقارنة الأفراد الذين اشتروا أدوية النوم مرة أو عدة مرات، مع أولئك الذين لم يشتروا أدوية النوم مطلقاً.

وفي سياق متصل، أكد مؤلف الدراسة مارتن بروبيرغ (Martin Broberg) إن النتائج توضح أن العلاقة بين شراء أدوية النوم والعوامل الوراثية علاقة سببية؛ لذا يمكن أن يؤدي تحديد العلامات الجينية المحددة المرتبطة بمشكلات النوم إلى إيجاد استراتيجيات علاجية أكثر تخصيصاً وفعالية.